نشرت مجلة "رؤى إستراتيجية" الفصلية، التي يصدرها مركز الإمارات للبحوث والدراسات الإستراتيجية، في عددها الجديد دراسة مطولة للباحث المغربي الدكتور سعيد الصديقي، الأستاذ بجامعة العين للعلوم والتكنولوجيا بأبوظبي، وجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، حول "الجامعات العربية وتحدي التصنيف العالمي: الطريق نحو التميز". وذكر الصديقي في مستهل الدراسة أن التصنيفات الأكاديمية العالمية للجامعات أصبحت مع بداية القرن الواحد والعشرين أحد وسائل تقييم التعليم العالي، لاسيما في مجال البحث العلمي، كما باتت الكثير من الدول العربية يحدوها أمل وصول جامعاتها إلى نادي جامعات النخبة العالمية. مؤشرات التصنيف وأفاد الصديقي، في دراسته الجديدة، أن المؤشرات المعتمدة لقياس جودة الجامعات تختلف من مؤسسة إلى أخرى، حيث يبقى القاسم المشترك بين مختلف التصنيفات العالمية هو اعتمادها على التحليل الكمِّي للمخرجات العلمية للمؤسسات الأكاديمية. واستعرضت ورقة الباحث ذاته نموذجين من هذه التصنيفات، وهما تصنيف شنغهاي وتصنيف ويبومتريكس، ومراكز الجامعات العربية فيهما، كما تضمنت الورقة أيضا تحليلا لتسعة مبادئ بمثابة معالم طريق لأي جامعة تطمح للانتماء إلى نادي النخبة العالمي. وشددت الدراسة على أن تصنيف الجامعات العربية اليوم لا يعكس الريادة العلمية التي تبوأتها الأمة الإسلامية لقرون، كما أن الفجوة العلمية الحالية ببن الجامعات العربية ونظيراتها في الدول المتقدمة تستلزم تضافر جهود مختلف المتدخلين الحكوميين والمدنيين لتقليصها.. وذهب صاحب الدراسة إلى أن الغرض الرئيس منها يتمثل في محاولة تقييم المخرجات العلمية للجامعات العربية من خلال أهم التصنيفات العالمية، وذلك قصد تشكيل صورة عامة على الوضع الحالي للجامعات العربية في مجال البحث العلمي، وعرض بعض معالم خارطة طريق لتطوير أداء الجامعات العربية". وتتضمن الدراسة فصلين اثنين، خُصِّص الفصل الأول لاستعراض منهجية نوعين من التصنيفات، تصنيف شنغهاي وتصنيف ويبومتريكس، وأما الفصل الثاني فيعرض تسعة مبادئ يمكن أن تشكل أعمدة لخريطة طريق لأي جامعة تريد أن تكون في مصاف جامعات النخبة العالمية. تصنيف الجامعات المغربية وأوردت الدراسة ذاتها أنه من بين المبادرات الوطنية لتصنيفات الجامعات على مستوى بلد واحد هناك مشروع وزارة التعليم العالي بالمغرب، أما على المستوى الجهوي، فإضافة إلى تصنيف جامعات منظمة مؤتمر الدول الإسلامية، هناك مشروع كبير اعتمده الاتحاد الأوربي والذي يفترض أن تعلن نتيجة الأولى عام 2014. وتابعت الدراسة بأن تصور وزارة التعليم العالي المغربية لتشجيع جودة البحث العلمي في الجامعات المغربية وتحسين تصنيفها العلمي يقوم على المشروع الذي وضعته مديرية التعليم العالي والبحث العلمي التابعة للوزارة. ويعتمد هذا المشروع على خمسة معايير: معيار جودة البحث (40 في المائة)، ومعيار التدريب على البحث (30 في المائة)، ومعيار الوسائل والتجهيزات (15 في المائة) ومعيار التأثير الاقتصادي (10 في المائة)، ومعيار التعاون الدولي (10 في المائة). وتتفرع هذه المعايير الخمسة إلى سبعة عشر (17) مؤشر. فعلى سبيل المثال يتضمن معيار جودة البحث العلمي خمسة مؤشرات وهي: 10 في المائة للنشر في المجلات نسبة إلى مجموع ما نشر من قبل الجامعات المغربية، و10 في المائة لعدد الإحالات نسبة إلى عدد المقالات، و10 في المائة لعدد براءات الاختراع نسبة إلى عدد المقالات، و10 في المائة للمقالات التي نشرت بشراكة مع إحدى الجامعات المصنفة ضمن لائحة شنغهاي نسبة إلى مجموع المقالات المنشورة. وأما معيار التدريب على البحث فيتضمن أربعة مؤشرات، وأهمها مؤشر عدد البحوث الحاصلة على جوائز وطنية ودولية من قبل مجموع الباحثين المنتمين للجامعة ووزن هذا المؤشر هو 15 في المائة. ويعتبر المعهد المغربي للإعلام العلمي والتقني (MIST) المصدر الأساسي الذي تستخلص منه الوزارة المعلومات المستخدمة في هذا التصنيف، حيث كان من المفترض أن يطبق المشروع خلال الموسم الجامعي 2010 أو 2011، لكن يبدو أنه لم يجد بعد طريقه إلى حيز التنفيذ" يقول صاحب الدراسة. وصفة سحرية وأشارت الدراسة إلى أن هذه التصنيفات العالمية ومعاييرها تشكل منارا لتطوير التعليم العالي العربي وإعادة تشكيله وحتى تحديد أهدافه، مشيرا إلى الإصلاحات الكبرى التي تبنتها بعض الدول والميزانيات الضخمة التي رصدت لها. وذكرت الدراسة في هذا السياق بأمثلة السعودية والصين وسنغافورة وفيتنام، حيث أصبح ولوج نادي جامعات النخبة ليس فقط دليل التقدم العلمي للدولة، بل أيضا مبعثا للمجد الوطني.. وشدد المصدر عينه على أنه "ليست هناك وصفة سحرية جاهزة لإنشاء جامعة من الطراز العالمي، بل تتضافر عوامل مختلفة في تحقيق هذا الحلم العلمي، وعلى رأسها وجود رؤية إستراتيجية طموحة وتمويل وافر وقيادة أكاديمية ملهمة ودعم حكومي مادي ومعنوي. ولفتت الدراسة إلى أنه "سيكون من الخطأ محاولة تعميم تجارب عالمية معينة أو استنساخ خططا أجنبية ناجحة، ذلك أن أي قصة نجاح هي مدينة بالدرجة الأولى لبيئتها المحلية، أما العنصر الخارجي فهو محفز وداعم". وخلص الصديقي إلى كون الجامعات العربية الطامحة للريادة والتميز والانتماء إلى نادي النخبة العالمية لا تحتاج لتكرار ما تفعله أفضل الجامعات الحالية، بل عليها أن تبدع بأساليبها الخاصة وفي ظل محيطها المحلي والوطني. واعتبرت الدراسة أن "النجاح المستدام للبحث العلمي يتوقف على مدى توطين المعرفة، وإيجاد مجتمع معرفة ، وإجراء إصلاحات هيكلية وجوهرية في نظام التعليم على مختلف المستويات، فهذه العناصر وغيرها تشكل محضنا مهما لأي مشروع لإنشاء جامعة أو جامعات نخبة عالمية. ونبهت إلى أن "المال وحده ليس كافيا، وتوفير مزيد من التمويل لا يشكل بالضرورة ضمانة على النجاح والجودة في التعليم والبحث العلمي، مبرزة أنه "لا نستطيع بالمال وحده إيجاد جامعة من الطراز العالمي بين عشية وضحاها" وفق تعبير خلاصة الدراسة.