يتم اللجوء إلى المخدرات، بقطع النظر عن نوعها، للهروب من الواقع وللانتشاء في فترة محددة تحت تأثير المادة المستعملة. ويكون الأمر مغامرة في البداية ، خصوصا بالنسبة للشباب والفتيات في سن المراهقة، أي في مرحلة البحث عن الذات، في مرحلة بناء شخصيتهم والخروج إلى المجتمع ، بعد أن يجاوزوا الارتباط الوثيق بالبيت وبالأبوين. وغالبا ما يكون لقاؤهم الأول بالتخدير بواسطة رفاقهم في الحي أو في الثانوية أو المعمل أو السوق، الذين سبقوهم لهذا اللجوء. ويكون الاتصال أيسر وأمتن في فترات العطل، الصيفية منها على وجه الخصوص، والتي يمكنهم فيها التغيب عن البيت وقضاء وقت أطول مع الأصدقاء والأقارب. وسرعان ما يتحول سلوك البحث عن جديد، أو لنقل عن المغامرة، إلى ارتباط كبير ثم إلى " ابتلاء" يجعل الشاب، أو حتى الشابة اليوم، مرتبطا، بل تابعا بالكلية، ثم بعد ذلك مدمنا على المخدرات. ولا يبقى تناولها منشطا في هذه المرحلة كما قد يبدو في سابقاتها، بل يصير حاجة فزيولوجية ونفسية لا محيص عنها من أجل توازنه، هذا التوازن الذي يصبح، كما يقول الاقتصاديون في حقلهم المعرفي، توازنا مع عدم الإعمال الكامل لكل الطاقات المتوفرة، توازن أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه هش. ويعيش المدمن، في هذه الحالة ، ضيقا نفسيا لا مثيل له ، يعيش في حالة ذعر متى لم يتناول المخدر ثم في نوع من الاكتئاب والسوداوية متى تناوله، فيغدو، في كلتا الحالتين، في وضعية حرجة، بل إن المخدرات تدخله في عالم من الأوهام على رأسها اعتقاده أنه أكثر عمقا في فهم الأمور وملامسة الأشياء، وأبعد في سبر أغوار النفس البشرية من غيره. هذا الوهم الذي لايوازيه إلا فقدانه التدريجي للقدرة على بناء علاقات اجتماعية متوازنة. كم قرأنا في الصحف عن جرائم يندى لها الجبين، اقترفت إما تحت تأثير مخدر أو لعدم توفره. وكم هي حالات الطلاق، وما ترتب عنها من تشتت الأسر والعائلات، والفشل في تربية الأبناء، نتيجة تناول المخدرات من طرف الأب على الخصوص. وكم هي حالات السرقة والقتل والاغتصاب التي ضبط مقترفوها إما في حالة تلبس أو بعد القيام بها، وتبين أنهم كانوا تحت تأثير المخدرات، خصوصا منها ما يسمونه "القرقوبي" أي تلك الأقراص التي يفترض أن يتناولها ذوو الأمراض العقلية والنفسية وحدهم، بعد أن يرخص لهم الطبيب المختص بذلك ، من أجل أن تهدئ من روعهم أو تمكينهم من التحكم ولو نسبيا في أعصابهم. هذه العقاقير التي أصبحت تباع في السوق السوداء، بل إن بعضها ينتج خصيصا للتخدير، ويؤثر سلبيا على عقل الإنسان وإحساسه حتى يفقده كل تحكم في نفسه بل يصبح في حالة يفقد فيها عقله بالكلية. والأكثر من هذا أن بعض المدمنين يدخلون في حالة لايعودون يشعرون فيها بشيء، حتى بالضرب المبرح أو الجرح ، فضلا عن أن ينتبهوا إلى الآثار الوخيمة التي تكون لأفعالهم على ضحاياهم. والغريب في الأمر أن التفاوت الطبقي يظهر حتى في المخدرات. فإذا كان كل المدمنين يشتركون في صفة واحدة، أي التبعية الكاملة للمادة التي يتناولونها كمخدر، فان هذه المادة تختلف بحسب المستوى الاجتماعي. فأبناء الطبقات الفقيرة يتخدرون بالكيف ومشتقاته أو بالأقراص، فيما يتناول أبناء الفئات الميسورة الهروين والكوكايين. ومن شدة استفحالها، أصبحت هذه الظاهرة مصدر قلق كبير لكل من له غيرة على هذه البلاد وعلى شبابها. إن الأمر يتعلق بآفة خطيرة، أكثر خطورة لا من السيدا ولا من إنفلوانزا الطيور أو الخنازير. لكن، وفي الوقت الذي جندت فيه إمكانيات كبيرة لمحاربة هذه الأمراض، لازال المجهود المبذول في محاربة المخدرات يتسم بكثير من التردد والخجل، بل انه لا يعدو أن يكون موضوعا لحملات إعلامية محدودة في الزمان والمكان. بيد أن الخطر الذي أصبحت تشكله المخدرات اليوم أكبر مما يتصوره القارئ حيث أنه يتفشى في نسيجنا الاجتماعي، ينخر كياننا بكيفية غير مسبوقة مما يجعله يعاكس المخططات التي تهدف النهوض بالبلاد، لأنه يمس رأسمالها البشري في العمق. وأي ثروة أعظم من هذا الرأسمال اليوم. إن الأمم تتباهى في عصرنا هذا بالنتائج التي يحصل عليها أبناؤها في مجال التكوين وفي ميادين البحث العلي والتقني، فيما ينفع الناس وينمي قدراتهم العقلية، في الوقت الذي يجتاح هذا الوباء مجتمعنا، ناخرا لنسيجه، مفسدا لكل ما يروم النظام التعليمي الوصول له من أهداف ترقى بالشباب المغربي وتجعله قادرا على منافسة اقرأنه في العالم خصوصا وانه ثبت اليوم أن لشبابنا استعداد فطري للتعلم في الميادين التقنية ، وعلى رأسها الإعلاميات والاتصال. وبقطع النظر عن نوع المخدر وبما أن النتائج متشابهة بالنسبة للمدمنين على جميع أنواع التخدير فان من اللازم محاربة هذه الظاهرة أنى كانت وكيفما كانت الوسائل المستعملة. وحيث أن القضاء على كل داء يستوجب استئصاله من جذوره فان من اللازم القيام بحملة وطنية واسعة في جميع المدارس والمعاهد، لتحذير الشباب من آثار التخدير ولتوجيههم وجهة صحيحة تؤمنهم من السقوط في فخه. وفي انتظار إعداد خطة شاملة لمحاربة الظاهرة، أصبحت ضرورية أكثر من أي وقت مضى، فان من اللازم اليوم، وليس غدا، إذ لم يبق لنا وقت لنضيعه في هذا المجال، أصبح من المستعجل إذا تعيين منبه في كل مدرسة أو مؤسسة تعليمية، من الإداريين العاملين بها أو من غيرهم، يسهر على تأطير الفتيان والفتيات وعلى تنبيههم لخطورة تناول المخدرات على مستقبلهم وعلى صحتهم، مع عدم الملل من تكرار هذا الخطاب ومن حث الشباب على الرياضة والدراسة والتوجه لرب العالمين، بذكره وتلاوة كتابه العزيز، وبدراسة سيرة سيد المرسلين وسير الصحابة الكرام ومن تبعهم من صالحي هذه الأمة وعلمائها.