إن مشروعية الحديث عن مستقبل الجيل الحالي في علاقاته بالوقت الحر كوقت للجميع له طقوس وعادات تختلف باختلاف الأوقات و بالقياس الكمي والنوعي لهذا الوقت وأهميته في حياة الفرد اليومية الموزعة على ثنائية /أساسي ثانوي ، وهو ما يصطلح عليه بالوقت الحر او الوقت الثالث الذي يعتبر الولوج اليه كمفهوم مرتبط زمانيا بالفراغ على الاقل ظاهريا، إلا انه يرتبط غالبا بالتربية والثقافة والرياضة والفن والعلوم في مجالات معينة. وبصفة عامة فان هذا الوقت المرتبط بالفراغ ليس اجوفا او مفروغا من معناه الزماني بل انه يرتبط بأهميته الايجابية في حياة الفرد الجماعية والذاتية كما تشير الى ذلك التعاريف التربوية المرتبطة أساسا بالسوسيولوجيا وعلم النفس والتربية العامة والخاصة في علاقتها بالنمو الذهني أو الانحراف الاجتماعي ، باعتباره منفتحا على تبادل المعارف وتطوير المهارات السلوكية والمعرفية ويساعد على الانفتاح والاندماج الاجتماعي وبناء الدات . "" أصبح الاستهلاك اليومي للوقت الحر بالنسبة للأسرة غير مؤهل من الناحية الإجرائية بكونه لا يتماشى بشكل طبيعي بين أوقات الآباء والأبناء في ظل ضغوطات الحياة اليومية الحالية بنمطها المغلف بالاكراهات اللاإرادية وارتفاع تكاليف الحياة الأساسية التي تدفع بالآباء والأمهات للبحث عن موارد إضافية بديلة لتغطية التكاليف المرتفعة للعيش مما اثر سلبا على علاقات الآباء بالأبناء والتقليل من أهمية الترفيه- وليس الرفاهية- بالنسبة للأسر ، وبفعل هده العوامل المغلفة بالاكراهات يصعب على الأسرة تنظيم أنشطة لفائدة أبنائها بشكل عقلاني والبحث لهم عن المشاركة في الأنشطة الموازية خلال العطل الأسبوعية والعطل القصيرة والبحث عن العروض المقدمة من طرف هيآت مجتمعية تعمل في إطار الشراكة مع المؤسسات المهتمة بالميدان بفعل ضغوطات النمط الدراسي والبحث عن نتائج ايجابية ولا سيما أن وضعية التعليم الحالي لا تسمح باستغلال أوفر وعقلاني للوقت الحر حيث يفضل بعض الآباء أن يستغل هدا الوقت في الساعات الإضافية قصد الرفع من المستوى الدراسي المرتبط بالنتائج الكمية أو الانزواء وراء شاشات الكمبيوتر والإبحار في مواقع التعارف التي أصبحت فضاء مفضلا وبديلا للأنشطة الجماعية التي تمارس داخل فضاءات أعدت لدلك،وهكذا أصبح التنشيط يتميز بالانفرادية والانغلاق عوض التنشيط الجماعي الذي تحضر فيه الدينامكية والتنوع. لكن بالرغم من كل هدا فان أهمية استغلال الوقت الحر تزداد خلال العطل الصيفية باعتبارها طويلة مقارنة بباقي العطل السنوية، ومع حصول الآباء على الرخص السنوية يتغير استهلاك الوقت مضمونا ومفهوما لدى الجماعات والأفراد ويصبح لمفهوم الجماعة مفهوما مختلفا من الناحية التنظيمية المرتبطة بالانتقال المجالي في الزمان حيث تبرز االمهارات الدفينة لدى الأفراد والتي تسمح العطلة باستثمارها ولا سيما تلك التي توجد في صلب الاهتمامات التي تلبي حاجيات بيولوجية وفسيولوجية وذهنية أو عاطفية كما تؤكد الدراسات المرتبطة بعملية تأثير المحددات الجينية في ارتباطها بعوامل البيئة ،ولا سيما بالنسبة للأسر التي تمتاز بحرصها على أهمية الوعي بالوقت الثالث بمفهومه الزمني المنظم و المخصص لتنظيم أنشطة موازية على اختلافها لأنها تأخذ على عاتقها استرجاع النشاط الذهني والبدني والعاطفي خلال العطل التي يستفيد منها الطفل والمراهق من فضاءات التنشيط بمفهومه المؤسساتي وحتى العائلي حيث تمثل هده الفضاءات قطيعة مرحلية ونسبية مع الجهد الفكري لدى المتمدرسين خلال الموسم الدراسي ولكنها أيضا فترة أو فترات تفتح المجال أمام المستفيدين لتكييف الشخصية في هدوء رغم الحضور اليومي للأنشطة الرياضية والثقافية والفكرية التي ترتكز عليها البرامج اليومية بشكل قار ا و عفوي باعتبارها رافدا من روافد الإبداع المتميزة. وتختلف شروط استقبال الطفل والمراهق في الفضاءات المؤسساتية والعائلية باختلاف مدة العطل التي يقضيها المستفيد في ارتباطه بنوعية البرامج والأنشطة مع المجموعات التي يرتبط بها في علاقاته اليومية المبنية على التأثير المتبادل رغم التناقض وعدم الانسجام بين الجماعات في مرحلة أولى أثناء القيام بالأنشطة الترفيهية الحرة باعتبار الوقت الثالث وقتا للجميع في أوقات مختلفة . ونظرا لكون الوقت الحر يختلف عن باقي الأوقات فيجب التفكير في الحاجيات الخاصة للطفل والمراهق من طرف الفاعلين في مجال التنشيط السوسيو تربوي وعدم الخلط بين البرامج واحترام الشخصية المستقلة للجماعة لكون عامل السن يعد عاملا محددا لكل نشاط ترفيهي رغم توجيه البرامج من طرف الراشدين وفرضها بشكل شعوري على المستفيدين دون مراعاة العوامل المستقلة لدى المتلقي ، وهدا معطى أساسي يجب أخده بعين الاعتبار ومراعاته من طرف الآباء أيضا والعمل على التوفيق بين الأوقات لدى الجماعات التي يسهرون عليها كل في مجال اهتمامه . فالمدرسة كمؤسسة انضباطية تتنافى أنشطتها والعفوية في ممارسة الوقت خارج الإطار الزمني المخصص للمؤسسة الذي يمنح فترات منقطعة مرتبطة باكراهات تستغل التناقضات الاقتصادية والاجتماعية في علاقتها بنمو الشخصية ولا تراعي التخفيف من النمط السائد للمتمدرس بعدم توفير المزيد من الوقت للابداع والابتكار ، لان البرامج الممنوحة للطفل في إطار الوقت الثالث لا تراعي كل ايام الاسبوع باعتبار هدا الوقت فترة لاسترجاع المتخيل يكون اللعب فيه حاضرا باعتباره وقتا بدون واجبات وينساق مع الدات ويحصل احيانا التفكير في النسق المتعدد للزمان لدى الطفل حين يطرح أسئلة أساسية لتحسين المهارات التي يمكنها ان تفتح له المجال لتبوء مكان متميز داخل الجماعة التي ينتمي إليها ،ومن هنا تتعمق المسافة بين الأمكنة –فضاءات التنشيط وفضاءات التمدرس أو العمل- وتكون هده االفضاءات عاملا مساعدا ومحددا لنمو الفرد وتطوره مع مراعاة الاختلافات البنيوية للفضاءات والاخد بعين الاعتبار وضعية الأطفال المنتمين للمجال القروي مقارنة مع اطفال ينحدرون من المدن و هوامشها 2 ومن هنا يطرح السؤال نفسه حول جدوى الشراكات السياسية المغلفة بالإطار السياسي للأعمال الاجتماعية ولا سيما المرتبطة بالرياضة والوقت الثالث بصفة عامة من خلال إشراك المجتمع المدني الذي ينشط في المجالات التربوية والثقافية والرياضية والتي تجعل من أنشطة الطفل والمراهق محورا للاشتغال الميداني في غياب تصور عقلاني للجماعات المحلية لأسباب يتداخل فيها السياسي بالاجتماعي والتربوي المناسباتي كمعطى غير مبرر ينضاف لغياب الوعي بأهمية الوقت الثالث وخطورته على الفرد ان لم يحسن استغلاله وهذا جانب مهم يغيب عن برامج الأحزاب السياسية والجماعات المحلية لذا يجب الانتباه إلى الوضع الثقافي والتربوي كراسمال مجالي للسكان ووضعهم أمام المساواة في الحق في الاستفادة من الوقت الحر بإنشاء وتسيير فضاءات تلبي الحاجيات الاساسية للطفل الذي يجب أن يتكيف وينمو نموا طبيعيا داخل المجتمع لأنه في حاجة للراحة والترفيه. الا انه يبدو أن هناك لا مساواة في هدا الحق حسب درجات الاستفادة بالنسبة للأسر من العطل اما لاسباب مادية او ثقافية –غياب الوعي التربوي-لدى الأسر التي تعيش على الهامش السوسيو اقتصادي حيث تكثر البطالة المغذية لوقت الفراغ في الأحياء الهامشية التي رغم التفكير المجتمعي في إنشاء فضاءات الترفيه ضمن شبكات بنياتها الأساسية فان التوعية بأهمية الوقت الثالث بالنسبة للساكنة المعنية يتطلب الوقت والإصغاء والتواصل المستمر قبل اللجوء لتنفيذ سياسة معينة قصد تقديم هذه الخدمة التي ربما تكون ثانوية مقابل التشغيل والصحة والحاجيات الأساسية . فإذا كان الترفيه يخضع لتطابق مراحل النمو لدى الفرد فان الأسرة هي أفضل فضاء لبعض الفئات العمرية – كالتي هي اقل من 14 سنة- اعتبارا لسهولة التواصل بين الأفراد من خلال الارتباط الوثيق للنسق الثقافي للأسرة كمنتوج اجتماعي طبقي كالاهتمام الجماعي بالموسيقى أو الفن أو الإنتاج الأدبي أو العلمي أو الممارسة الرياضية حيث يسهل تحقيق الأهداف مع التقدم العمري انطلاقا من تطوير الهوايات كمرجعيات جماعية للأسرة . أما بالنسبة للأطفال اقل من 12 سنة فتظهر عليهم ممارسة العنف في بعده المرتبط بعوامل سوء تدبير الوقت الثالث كصعوبة انضباطهم للواقع وسهولة السقوط في الممنوع وتؤدي هده الوضعية إلى الانغلاق واللجوء للألعاب الفردية . وتعتبر المراهقة مرحلة عدم التوازنات للتمثلات الثقافية بتوجيهها انتقادات للقيم الجماعية للأسرة ، ويكبر الإحساس بالاستقلالية ويصبح الشعور بحب الذات من اكبر الاهتمامات لدى المراهق الذي يصعب إقناعه بالمشاركة الجماعية في بعض البرامج الترفيهية في إطار مؤسساتي لأنه يفضل الشارع كفضاء للتعبير عن شعوره وأحاسيسه في جو من الاستقلالية ، حيث يختار برامجه بنفسه ويفضل فضاءات الصخب الموسيقي والرياضة مع اختلاف الجنسين في التوجيه نحو استغلال الوقت الثالث ويختلف الوضع أيضا حسب الانتماءات السسيو ثقافية للأسر كعامل محدد لاختيار الأنشطة من طرف الآباء في بعض الأحيان إن لم يكن اغلبها ولا سيما في المخيلة الشعبية لدى الأسرة المغربية التي لها مرجعياتها وقيمها المحددة للوجيه في مختلف الميادين دون الرجوع لاختيارات الأبناء لميولاتهم سواء الدراسية أو الموازية لأسباب ترتبط بنظرة عدم النضج لدى الأبناء إلى حدود سن متقدم حيث ينتج الصراع بين الأبناء والآباء وتكون أثاره وخيمة . ادا كان الهدف الأساسي من العطلة يرتبط بالترفيه والاكتشاف وتغيير الأمكنة والفضاءات المعتادة من خلال التعرف على أصدقاء جدد وربط علاقات اجتماعية جديدة فان هذا التغيير البنيوي في المجال ألعلائقي يساعد على الانفتاح والاستقلالية الشيء الذي يؤدي إلى الإقبال المتزايد للأسر على السفر خلال العطل للترفيه سواء داخل المخيمات أومع الأصدقاء او حتى بصفة فردية مع شيوع ظاهرة المغامرة والاكتشاف في صفوف الفئة الشابة . وتحتاج الأسرة بدورها للوقت الحر بصفة مختلقة عن باقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية وهدا لا يعني أن أنشطتها تتماشى وأنشطة أبنائها لان الاختلاف في الرغبات في هدا الجانب يؤدي إلى نتائج مشجعة بفعل الفوارق العمرية انطلاقا من كون استثمار الوقت الحر داخل الأسرة في أنشطة محددة ومركزة مختلفة عن ممارسة الأنشطة اليومية المعتادة التي تساعد على الاندماج عن طريق بناء الصداقات وبناء الجانب الاجتماعي للفرد كالرحلات التربوية والاجتماعية والرياضية بكونها أنشطة جماعية تختلف فيها التطلعات الفردية حسب ميولاتها واهتمامها بنوعية الأنشطة مع ملائمتها للوقت الثالث المرغوب الانخراط فيه ويتعلق الأمر بالحاجة لاستمرار الدور التربوي للأسرة التي تسعى للاندماج والتضامن وتحقيق الأهداف المنتظرة من الوقت الحر الذي تعددت مجالاته من خلال سهولة الانخراط الواعي أو الغير الواعي فيه عن طريق تعدد الوسائط الإعلامية الموجهة للفئات المستهدفة وظهور شركات مختصة وجمعيات تنشط في المجال مع طغيان الجانب المادي على التربوي لدى بعض الهيئات الهادفة للربح دون التركيز على المخططات والبرامج التربوية التي تراعي أنشطة الطفل والمراهق والأخذ بعين الاعتبار لردود أفعال الآباء الذين يعبرون عن تدهور الوضع من خلال تخوفاتهم على السلامة البدنية والعقلية وتجنب الحوادث التي يمكن أن تلحق أبناءهم وهذه رغبة من اجل استمرارية تربوية هادفة تنبع من رغبة الآباء في المشاركة في برامج الوقت الحر بمفهومه المؤسساتي كإعادة بناء للنظام التربوي في علاقته بالمخططات ذات الأبعاد الترفيهية .