لدي الآن بفضل صفحتي الفيسبوكية ما يقارب 49 صديقا، في إنتظار دعوات صداقة مقبلة أو رفض دعوات قديمة. ويمكن لعدد الأصدقاء أن يزداد بقدرة قادر، كما يمكنه النقصان. وأعترف لكم أن أغلب هؤلاء الأصدقاء افتراضيين في هذه الحياة الافتراضية، أما الحياة الواقعية فأصدقائي لا يتعدى عددهم أصابع اليد. لا أعرف ما الذي وقع لنا حتى قبلنا مغامرة الصداقة الإليكترونية الإفتراضية كأننا مللنا الصداقة الواقعية. لدى إحدى صديقاتي أكثر من أربعمائة صديق على الفيسبوك أغلبهم ذكور، وأعترف لكم مرة أخرى أن هذه الفتاة الجميلة والرقيقة تفشل في صداقاتها الواقعية وكثيرا ما انتهت علاقاتها بصديقاتها المخلصات بشجارات في الشارع تكون مناسبة لكشف المستور وفتح الملفات ونشر الغسيل. لا أدري لماذا لم نفطن بعد لزيف هذه الحياة الإليكترونية وكل هذه الصداقات المجانية، ولماذا تتم دعوة الأصدقاء فقط دون الأعداء. ولكي أكون واضحا، لماذا لم يتم إحداث تقنية تسمح بدعوة عدو قديم أو دعوة أفراد جدد لكي يكونوا أعداء مستقبلا، وسيكون من السهل إحداث مجموعات خاصة بالسب والشتم والضرب والجرح والتخنزير والتبركيك. على الأقل ستبدوا المسألة واقعية أكثر. أنا لا أتصور حياة تسودها علاقات صداقة مطلقة، لأنه على الأقل سيكون دائما بيننا من يكره ومن يحب ومن يعشق ومن يكذب ومن يصدق ومن يضحك ومن يبكي. خلصت إذن، إلى أن جل صداقاتي على الفيسبوك مزيفة، بل إن البعض يستغل صفحتي لنشر غسيله، والبعض الآخر لتصفية حسابات قديمة. وتأسفت كثيرا لما آلت إليه علاقاتنا الاجتماعية، والتي أصبحت تافهة، بحيث يصبح الأب أو الأم مجرد أصدقاء عاديين وافتراضيين كغيرهم على صفحة الإبن أو البنت، والأخ أو الأخت وكل أفراد العائلة مجرد أصدقاء. ثم هل يقترح علينا في الواقع الأصدقاء وهل نختار أصدقائنا. ومتى كنا ندعوا أصدقائنا ليقبلوا صداقتنا، لقد كانت الصداقة دائما علاقة إنسانية وتلقائية وبدون دعوات. ومن سخرية هذه الصداقات أن أحد أصدقائي قامت فتاة مجهولة بدعوته إلى صداقة افتراضية واسمها هو (...) ومزدادة في مارس 1971. غريب أمر هذا الفيسبوك حتى النقط والفواصل وكل علامات الاستفهام والتعجب يمكنها دعوتك إلى صداقة افتراضية وبكل وقاحة. لو كان نيتشه حيا لكتب كتابا ربما سيعنونه هكذا تكلم أصدقاء زرادشت على الفيسبوك. وسيكون الكتاب إليكترونيا بالطبع. أما عالم الاجتماع الفرنسي الراحل بيير بورديو فسيتردد في تأليف كتابه "sur la télévision" والذي نشر منذ سنوات وتأليف كتاب حول الفيسبوك، يسميه "sur facebook". يظن بعض أصدقائي أنني ضد فكرة الإنظمام إلى الفيسبوك، لكنني لست كذلك، والدليل أنني مدمن على زيارة صفحة الفيسبوك دائما. وكتابة هذا النص رغبة مني في إثارة هذا النقاش، لعل أصدقائي وأعدائي يعيدون النظر في ممارساتهم الإليكترونية. هل يستطيع أحدكم أن يخرج إلى الشارع ويدعوا كل من هب وذب وبدون مقدمات لقبول صداقته وكيف ستكون ردة فعله لو رفضت صداقته بكل برودة. كيف تحولت الحياة اليومية فجأة إلى حياة سعيدة ومليئة بهذا العدد الكبير من الأصدقاء، أربعمائة صديق أو خمسمائة صديق ذكورا وإناثا، بيضا وسودا، أفارقة وأوربيين ومن كل القارات، شيوخا وشبابا وقاصرين، متنوعين ومتعددين ومختلفين ومتناقضين وأشياء أخرى. من كثرة الإحترام بين أصدقائي الحقيقيين لا يتجرأ أحدهم على انتقاد أحدهم والتعليق على أفعالهم وسلوكاتهم ومواقفهم لكن الأصدقاء الإفتراضيين لا يترددون في فعل ذلك وبكل وقاحة واستفزاز أحيانا. لدي الآن أصدقاء على الفيسبوك لا أعرف أسمائهم الحقيقية، ولا تواريخ ميلاديهم، ولا أصولهم ومسقط رؤوسهم، وبعضهم يكتفي بكتابة إسم مستعار، ومعلومات مزيفة. ونشر صور لأفراد لا يعرف هويتهم. وقد أجريت يوما مقارنة بين عدة معلومات لصديقة افتراضية: تقول المعلومات أنها مزدادة سنة 1990، لكن صورتها لفتاة جميلة في الخامسة عشر من العمر تقريبا، وتتابع دراستها في السنة الثانية شعبة علم الاجتماع. ورغم أنني ودعت تمارين الرياضيات منذ سنوات إلا أنني أستطيع إجراء مقارنات حسابية: بلغت هذه الفتاة 19 سنة في 2009 لكن صورتها الحديثة لفتاة في الخامسة عشر في نفس السنة، وسنها لا يسمح بمتابعة الدراسة في السنة الثانية شعبة علم الاجتماع، حتى لو كانت مجتهدة إذا أخذنا في الاعتبار متغير السن حسب الصورة. وحتى لو كنت صديقا مخلصا ووفيا فإن صديقتي ستبدوا لي دائما غريبة. قبل سنوات من الآن عندما كانت مواقع الدردشة في أوج نجاحها، كان صديقي في الجامعة (أصبح الآن محامي) يعرف صديقة جميلة كما تظهر في صورها التي بعتث بها إلى صديقي، والذي أحب الفتاة منذ اللقاء الإليكتروني الأول والذي دام ساعة فقط، أخبرني بافتخار أنه تعرف على صديقة جميلة ورقيقة وقال بأنها تمتلك صوتا عذبا سبب له قشعريرة غريبة. وأنه يرتب للقاء مباشر معها لكن الصدمة أنه عندما دهب للقائها اكتشف المسكين أن الفتاة ليست جميلة وأن الصور مزيفة. وقد عاد صديقي دون لقائها تاركا المسكينة تنتظر بفارغ الصبر صديقها الإليكتروني في مشهد حزين. من الغرائب أن أحد الأفراد يوجد لديه صديق افتراضي، لكن هذا الصديق في الواقع عدو. وآخر لديه أصدقاء لم يلتقي بهم قط في حياته ولا يتمنى ذلك في المستقبل، وأحدهم كان يلتقي بصديقته الافتراضية لكنها لا تعرفه في الواقع. وآخر يعرف صديقا افتراضيا في قرية بعيدة في دولة بعيدة في قارة أخرى لكنه لم يغادر قريته قط. [email protected]