من المفارقات الغريبة التي تطغى على العلاقات المغربية الجزائرية هو التوتر القائم بين البلدين الجارين ، بينما تجمعهما علاقات وطيدة مع فرنسا حليف الدول المغاربية ، ويتمظهر ذلك من خلال المعاملات والاتفاقيات التجارية والثقافية والسياسية والاقتصادية ، هذا البلد كان إلى حدود المنتصف الثاني من القرن 20 المستعمر المالك لخيراتهما ، وتعود أغلبية أسباب الخلاف بين الجارين إلى مشكلة الحدود سواء الشرقية أو الجنوبية ، مع العلم أن سبب تكريس هذا التوتر القائم إلى حدود الساعة هو فرنسا أيام الاستعمار ومحاولتها تفكيك أواصر الروابط اللغوية والدينية والجغرافية والتاريخية ، والباحث في أصل الحدود بين البلدين سيجد نفسه أمام تساؤلات تتعلق بالأهداف والمخططات وراء هذا التمزق المفتعل ، هل يتعلق الأمر بظرفية عابرة لتحقيق نتائج آنية تخدم مصالحها ؟ أم أن الأمر يتجاوز الأهداف الآنية إلى مخططات على المستوى المتوسط والبعيد المدى ؟ يعاني المغرب إلى حدود الساعة مشاكل تتعلق بحدوده من الشمال إلى الشرق ، ويبدو ذلك جليا في مدينتي سبتة ومليلية وغربا فيما يتعلق بالجزر الجعفرية وجنوبا عندما نتحدث عن مشكل الصحراء المغربية ، لقد كان المغرب مستهدفا منذ قرون من الدول الأروبية ومن المد العثماني في محاولة تصغيره وتقزيمه جغرافيا وجعله كجسد بلا رأس ولا قدم ، ولكي نفهم بعض الحقائق سنرجع بالزمن إلى ما قبل سنة 1902 م ، لقد عبرت إحدى الجرائد الفرنسية على عهد الحماية والسنوات الأولى من الاستقلال ، وهذا الاسم هو " ، فهذا تعبير رمزي دقيق عن الأهداف الخطيرة لخطة الحدود . le petit marocain " لقد رفض المغرب وجود الأتراك بالمغرب العربي كما رفض تقسيم المغرب الكبير إلى وحدات سياسية ، كما صرح بذلك محمد الشيخ السعدي للسفير التركي كما رفضها السلطان المولى امحمد بن الشريف العلوي في رسالته الجوابية للوالي التركي بالجزائر سنة 1654 م ، لكن الظروف الصعبة التي كان يملر بها المغرب في مطلع الدولة العلوية ، فقد اضطر السلطان امحمد ( محمد الأول ) أن يتعهد للأتراك الذين كانوا يبحثون عن حدود مع المغرب بأن لا يتجاوز وادي تافنا ، فأخذ الأتراك هذه الصيغة كاتفاق للحدود وتشبتوا بها وأرغموا السلطان المولى اسماعيل على قبولها ، فقبل ق 19 نزلت فرنسا عند مصب نهر النيجر ومصب نهر السنيغال حيث أنشأت مراكز تجارية هناك ظلت تلعب دورا محدودا إلى غاية 1848 كتوطئة لإقامة مشروع امبراطورية فرنسية تدخل التراب المغربي في شنقيط وتوات التي كانت محط أطماع الفرنسيين لدعم توغلهم التجاري والجغرافي وحاولت تحقيق مشروع خط السكة الحديدية ليربط مابين الجزائر وتمبكتو عبر توات لكنها عجزت عن تحقيق ذلك في تلك الفترة لوجود خريطة دولية لحدود المغرب مصادق عليها من طرف ممثلي الدول الأروبية في طنجة سنة 1844 م ، كما اشتهرت بالسيادة المغربية باعتبار وجود الجيش والإدارة ، هذا فضلا عن موقف بريطانيا ضد أي تغلغل فرنسي في التراب المغربي . غير أن فرنسا كانت قد شرعت في تطويق المغرب وتصغير حجمه من جهة الجنوب تمهيدا إلى تطويقه من جهة الجنوب الشرقي باحتلال توات ، عبر اكتساح شنقيط ثم توصلت إلى باماكو سنة 1883 م ، وفي سنة 1894 م سقطت تمبكتو ثم تقدمت فرنسا من جهة الشمال ومن جهة الجنوب لتطوق الإدارة والجيش المغربي بتوات حتى اكتسحتها نهائيا مابين 1899 – 1902 م ، وبذلك استطاعت فرنسا. تصغير حجم المغرب وعزله ووضعت اتفاقية الحدود وأرغمت المغاربة على توقيعها سنة 1845 م وبهذا الانتصار كتب الجنرال " دو لاري " إلى وزير الخارجية الفرنسي " جيزوت " : " ... يمكنني الآن أن أبتهج ، لقد استطعت أن أجعل خصومنا يقبلون كل شروطنا ، وذلك بعدما جريت المفاوضين المغاربة إلى حصن مغنية ، حيث أصبحوا تحت رحمة مدافعنا ، ليوقعوا هناك اتفاقا يتعلق بتقسيم التراب المغربي ، وأحسن من ذلك كله هو تقسيم شعب واحد مسلم بهذه المنطقة " . لقد حاولت فرنسا بكل الطرق اكتساح أراضي شاسعة للتراب المغربي تارة بالقوة والهجومات العسكرية التي امتدت من سنة 1852 م إلى حدود سنة 1907 م وتارة بالضغط السياسي والتجاري للتوقيع على معاهدات تخدم مصالحها الاستعمارية حتى وصلت إلى مشارف مدينة تازة بعدما دخلت مدينة وجدة سنة 1907 م وهو التاريخ الذي احتلت فيه مدينة الدارالبيضاء إلى أن وصلوا إلى مدينة فاس بقيادة اليوطي سنة 1911 م وأرغم السلطان عبد الحفيظ على توقيع عقد الحماية يوم 30 مارس 1912 م . لقد انتهى عهد الاستعمار ، وانبثق فجر الاستقلال ، لكن خيوط الماضي ومخلفات المخطط الفرنسي ظلت لصيقة إلى حدود اليوم ، فمشكلة الحدود السياسية أو فكرة الحدود لم تكن معروفة في تاريخ العلم الإسلامي ولم يكن لها وجود مذهبي أو قانوني في العلاقات بين الدول أو الإمارات الإسلامية ، وهذه من بين الأسباب التي استغلتها فرنسا وباقي الدول الامبريالية الأوروبية لبسط سيطرتها على الدول الإسلامية بل أنها قامت بتزوير بعض الوثائق لتحقيق غاياتها بشكل قانوني مادام الأمر يكاد يكون منعدما بين الدول الإسلامية ، أما فيما يخص المغرب فيعزي بعض الباحثين إلى مرجعية الحدود الشرقية وتأريخها ابتداء من 1830 وهي السنة التي احتلت فيها فرنسا مدينة الجزائر إلى حدود سنة 1902 م أي احتلال إقليم توات المغربي ، ولقد كانت أطروحات بعض الباحثين في علم التاريخ تصب في هذا المنحى كما هو الشأن للأستاذ أحمد العماري في محاولة لنيل دبلوم الدراسات العليا في التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة فاس في الثمانينات ، لكن ما نود قوله في هذا الصدد هو العبارة التي افتتحت بها مقالي حول المفارقة للبلدين الجارين الذين تربطهما علاقات صداقة للبلد الذي كان سببا في خلق أزمة الحدود بينهما ، بينما يتم إقصاء التاريخ في الكشف عن حيثيات الأزمة والعودة إلى العلاقات التي كانت عليه دول المغرب العربي قبل ظهور مشكلة الحدود السياسية.