للإسلام أعداء .. أعداء كثر وشتى ، طوائف ومذاهب ونحل . لكن أعداءه الداخليين أشد مضاضة على ربيعه، ونضارة شرعه وتعاليمه ، من أعدائه الموسومين بالكفار والمشركين ، من الملل والنحل المناوئة للملة الحنيفية . لأن عداء هؤلاء من الوضوح والظهور ما ينهض لمواجهتهم مُتصدين من أصاغر المسلمين قبل أكابرهم ؛ لكن الأعداء الداخليين من بني جلدة الإسلام ،ومن حاملي لوائه ، أشد وأخطر عليه من مهاجميه الأغيار. فهم ممثلو الإسلام الوحيدين في هذا العالم ، وصورته المثلى لدى الشعوب والأمم غيرالمسلمة. بهم يُعرف هذا الدين ، وعلى نهج سلوكهم يُقْتدى ويُسْتن . فبصلاحهم تصلح صورة هذا الدين في عيون الناس ، وبفسادهم تفسد. فالحكومات والأنظمة المسلمة التي ترفع شعار الإسلام وتستبدل تشريعاته ونظم حكمه ، بنظم وشرائع غيره ، ممارسة وتشريعا... تسيء إلى الإسلام . والأحزاب وكذا التنظيمات المدنية والنقابية الموسومة ب"الإسلامية" و التي ترفع شعار:" الإسلام هو الحل" ، وتجعله عنوان برنامجها الانتخابي ، ومشروعها المجتمعي ، ثم تذبحه على عتبة الصفقات المشبوهة مع الحكومات المتوالية في تملص صارخ من العهد الذي قطعته مع من اختارها صوتا له ، وأعلاها الكرسي الوثير الذي أنساها صرخات المستضعفين والأيامى والأرامل والمعوزين ... تسيء إلى الإسلام. والنقابيون المحسوبون على الصف الإسلامي ، الذين يبدأون برصيد "صفر" من الشهرة والمال والجاه ويصيرون بعد وقت وجيز من ذوي النفوذ الذين لا يشق لهم غبار ، ولا يرد لهم طلب ؛ فيركبون ظهر الإسلام التزاما صوريا يخدعون به الرعاع والدهماء ؛ يكسبون أصواتهم ، ويقلبون ظهر المجن على الدين وأهله بعد أن يحققوا شيئا من مآربهم ... يسيئون إلى الإسلام. والملتحون من ذوي القمصان القصيرة ، الذين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها على أمور، زعموا أنها بدع وضلالات ، اختلف فيها سلف هذه الأمة وخيارها ، فيحيلون المساجد إلى حلبات للصراع ، وواغات للحروب و الفتن ، ويذرون الإنكار على الظلم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والحقوقي المسلط على رقاب الأمة... يسيئون إلى الإسلام. والذين لا يفهمون إلا لغة الحرب، ولا يقرأون من القرآن إلا آيات القتال ؛ فيرهبون المدنيين والآمنين من الناس ، قتلا وتفجيرا... يسيئون إلى الإسلام. والذين يحملون في صدورهم هذا الكتاب العظيم ، من "الطلبة " و"الفقها" ويتلاعبون بآيه تنذرا وسخرية* و"تلوزا" في قراءته فيما يشبه صراخ من به مس من جن ، فيما يعرف عندهم ب"تحزابت" ، وهي من بدع القراءة الضالة التي تقام لها المواسم والأعياد في القرى والمداشر السوسية على وجه الخصوص.... يسيئون إلى الإسلام. والذين يقبِّلون أرجل ورؤوس ونعال شيوخ الزوايا والطرق البدعية ، ويذبحون القرابين على عتبة إقاماتهم الفاخرة ، تبركا وتزلفا إليهم ... يسيئون إلى الإسلام. والذين يقدمون للأجانب هذا الدين على أنه دروشة وأذكار ، ورؤى تُصْلِح الأحوال ... يسيئون إلى الإسلام. والذين يرفعون لواء الإصلاح والمقاومة ، و"يتقربون" إلى الله بسبِّ أوليائه من الصحابة و التابعين وسائر مخالفيهم من خيرة هذه الأمة وفضلائها ... يسيئون إلى الإسلام. والذين يشغلون الأمة بالفتاوى الغريبة من قبيل رضاع الكبير ... ويغضون الطرف عن قضاياها المصيرية ، وحاجاتها المستعجلة... يسيئون إلى الإسلام. والذين يترددون على بيوت الله بكرة وعشية ، ويتزاحمون بالرُّكَبِ في الجُمَعِ والجماعات ، ولا يتورعون عن أكل الحرام ، وإداء الجيران ، وظلم الناس... يسيئون إلى الإسلام. والذين يقولون ما لايفعلون ، ويهرفون في الدين بما لا يعرفون ... يسيئون إلى الإسلام. ... المسيئون إلى الإسلام- إذن- هم كل المتزيين بزي الإسلام ، والمتكلمين باسمه ، والمدعين الانتماء إليه ؛ ممن تخالف أقوالهم أفعالهم ، وظاهرهم باطنهم، وحقيقتهم ادعاءاتهم ، وسلوكهم منهج هذا الدين وشرعه... المسيئون إلى الإسلام هم كل من تُنكر الفطرة السليمة سلوكهم، ويربأ العقل النبيه عن سماع أخبارهم ، بعد أن يَبِينَ له تناقض أفعالهم مع أقوالهم ، وصعوبة تصديق ادعاءاتهم... المسيئون إلى الإسلام – أخيرا- هم كل أولئك المنافقون ، والأفاكون ، والمراؤون ، والدجالون ، والمتفيقهون ... الذين يُحسَبون على الإسلام والإسلام منهم براء !! ---------- * كقول بعضهم لبعض إذا رأى امرأة ذات سيقان مكتنزنة :" انظر إلى "والتفت" وهو يقصد قوله تعالى :" والتفت الساق بالساق" ، أو قولهم حينما يرغبون في سب أحدهم :" انظر إلى "وثامنهم" ، ويقصد " وثامنهم كلبهم"، وقولهم " وأنهار" إذا حضر الكسكس ، وهم يقصدون قوله تعالى :" وأنهار من لبن لم يتغير لونه"...