الصورة: الطالب الراحل عبد الرحيم الحسناوي بداية نتقدّم بخالص التعازي لأسرة الشهيد عبد الرحيم الحسناوي، ونتمنى لأهله وذويه الصبر والسّلوان، كما نتمنى أن تأخذ العدالة مجراها حتى لا يضيع دم "الشهيد" من دون حساب. نرى لزاما علينا أن نؤكد في البداية على ما يلي: إن إزهاق حياة إنسان بريئ لهو رزءٌ كبير، ومصابٌ جلل؛ إن قتل المخالف لهوَ من المصائب الكبيرة التي ما فتئت الانسانية تواجهها؛ إن جميع الأديان والمذاهب والفلسفات الحياتية ترفض القتل على الرأي وتمجّ مقترفيه؛ إن الإجرام والعنف لا دين ولا مذهب، ولا يمكن تبريره أو تسويغه لأي كان؛ إن الجامعة هي أرض للعلم والتربية على تدبير الاختلاف، وتحصيل الشواهد والتجارب؛ إن أي إنسان يمتلك ذرّة من الانسانية والتحضّر، لا يمكنه إلا أن يدين ويندد بمقتل طالب في مقتبل العمر؛ إن حمل السلاح داخل الجامعات، وترهيب الطلاب، لهو من شيم الجبناء والكسلاء كيفما كان مذهبهم؛ إن الاختلاف سنة كونية، أكدت عليه الأديان والفلسفات الانسانية، ورامت البشرية البحث عن سبل تدبيره؛ إن الجبناء يموتون ألف مرة قبل موتهم، الشجعان يموتون مرة واحدة، و يبقى الشجعان أحياء في ذاكرة الوطن وإن رحلت اجسامهم؛ إن الجرأة والقوة التي ينبغي أن يتّسم به الإنسان الذي يزعم النضال، ينبغي أن تكون في التفوق العلمي؛ إن التناقض الحقيقي ليس مع المخالف في الرأي، بل مع الاستبداد والفساد، وقمع الحريات؛ إن من لا يؤمن بالحرية لِمن يختلف معه، لا يمكنه أن يوفّر الحرية لمن يتّفق معه؛ إن من يمارس العنف لا يمكنه أن يحقق العدالة الاجتماعية، ولن يقوى على تحقيق بناء مجتمع متساوٍ؛ إن التضامن والمواساة والإخاء، لهي صفات لا يمكن أن يتّصف بها إلى من تلَّمك القيم النبيلة؛ إن ممارسي العنف، ومجرمي المدرجات، لهم قتلة عن سبق إصرار وترصّد؛ إن قيم السلم والحب والتسامح، لهي نِتاجٌ لأشخاص أسوياء ومذاهب متجذّرة؛ إن "ثقافة" الترهيب والتخويف والتهديد، لهي نتاج لفهومات وتأويلات ومذاهبَ آيلة للسقوط؛ إن الارهاب في الجامعة المغربية لم يقتصر على فصيل دون غيره، لقد كان ضحيته كل الفصائل والمذاهب؛ وبعد؛ وكما يتّضح من خلال التقديم أعلاه، فإن استعمالنا صيغة التأكيد "إن"، هي من قبيل الجزم والتأكيد على أن تلك المصفوفات لا يمكن أن تتجزأ، أو يطالها التمييز. لقد قُتل شاب في مقتبل العمر، شاءت الصدف أن يكون منتميا لتوجه سياسي معين، كما شاءت الصدف أن يكون قاتله محسوب على توجه معين، وكان يمكن أن يكون الشهيد محسوبا على اليسار والقاتل محسوبا على اليمين، ولكن كان للأقدار ترتيبٌ آخر، وجرت الأحداث على نحو غير معهود في تاريخ الجامعة المغربية، وربما لذلك أساب ومسببات لا زلنا نجهل حيثياتها حتى الآن، ويمكن أن تتوضح مع مرور الزمن. لسنا من هوّاة نظرية المؤامرة، أو استباق التحقيقات، ولكن – من باب عدم استبعاد أي سيناريوهات - لا يمكن أن نُفوت طرح الأسئلة الآتية: لماذا يقع هذا الحدث عشية الحوار الإسلامي اليساري الذي تم تدشينه مؤخّرا؟ ولماذا يقع فعل القتل بمناسبة ندوة عنوانها: الاسلاميون واليسار والديمقراطية؟ من يخشى الإسلاميين واليساريّين والديمقراطية؟ ألا يجوز أن نوظّف المقول المشهورة في علم الاجرام: ابحث عن المستفيد من أي جريمة؟ لا يمكن التسرّع بالإجابة عن هكذا أسئلة، أو الادعاء بصوابية طرحها، وذلك قياسا على تاريخ العنف في الجامعة من جهة، وعدم انتهاء التحقيقات من جهة ثانية. غير أن أي تقاعس في البحث عن الجناة الحقيقنين ومَن خلفهَم، وتقديمهم للعدالة وإنزال أشد العقوبات بهم، حتى يكونوا عبرة لغيرهم من كل التوجهات، سيدفع (التقاعس) إلى إعادة طرح الأسئلة السالف ذكرها، وربما ربط ذلك بأجواء الفعل السياسي، ومحاولات الإلهاء المعهوودة على الاستبداد. واتساقا مع التساؤل الذي عنونا به هذه الأسطر، فإن الحاجة ماسة اليوم، حتى يتم تفويت الفرصة على المتربصين بالوحدة المغربية (نقصد وحدة أطياف الشعب المغربي ضد الفساد والاستبداد)، إلى تكاثف الجهود والمبادرات الحوارية، وإتمام ورش الحوار الإسلامي اليساري، والإسلامي العلمانيي، واللبرالي اليميني، وغيرها من الحوارات التي تروم رده الهوة بين من تجمع بينهم نفس الأهداف وإن اختلفت توجّهاتهم. لقد حاول قاتلو "الحسناوي" تجميد التفاعل ببين الاسلاميين واليساريين، ومن تم تكريس الهوة بين هؤلاء، حتى تدفع الناس إلى تبادل الاتهامات حول من كان السبب في ذلك. وبالتالي فإن الوسيلة الوحيدة لتخييب أمل هؤلاء هو الاستمرار في التقارب بين المختلفين، وأول مبادرة لتحقيق ذلك هي أن يبادر رموز اليسار المغربي وقواعده إلى التضامن مع عائلة الشهيد الحسناوي، أو زيارة أسرته لتقديم التعازي، مع ضرورة تفعيل هذا الحضور بإجراءات دالّة، تدبيج بيانات تواكب الحدث وتشجب الجريمة، ورفع الغطاء على المجرمين، وعدم تمكينهم من أي مساندة شعبية، مع توفير المحاكمة العادلة طبعا حتى لا يتم التضحية بالأبرياء و الابقاء على الجناة خارج أسوار السجين. أما من جانب الاسلاميين وأهل الفقيد، فينبغي عليهم عدم التعميم، أو تصنيف الكل في خانة واحدة، فالذين قتلو الشهيد لا فكر لهم، ولا لون لهم، بل إن المعلومات المتوافرة تؤكد أنهم لم يسلم من بطشهم حتى أقرب المقربين منهم، ولهذا ينبغي أن لا يُمنع أي شخص من حقه في التضامن مع عائلة الشهيد، أو الحضور لتقديم التعازي، وألا يتم استغلال الحدث في الصراع السياسي. أما من الناحية الاستراتيجية، فإن مقتل الشهيد الحسناوي ينبغي ألا يكون لحظة عابرة دون أخذ العبر والاستنتاجات، وهو مناسبة لفتح ورش كبير، حول العنف بشكل عام، والعنف داخل الجامعات بشكل خاص، فضلا عن ضرورة الحذر من الأجندات الفاعلة في المجتمع المغربي، والهادفة إلى تسييد أفكار الرِدّة والإرتكاس، وإظهار الشعب المغربي وكأنه جزرا متناحرة، لا يحق لها المطالبة بالحرية أو شم رائحتها، وأن الحل لذلك هو الاستبداد والقبضة الأمنية. * باحث في العلوم السياسية ّ** باحث في حوار الأديان