(1) لم يكد نجمُ حركة (20 فبراير) يظهرُ في سماء حياتنا السياسية حتى سارعت الدولةُ المخزنية، بكل إمكانياتها الظاهرة والخفيّة، "القانونية" وغير القانونية، إلى محاولة طمسِ نوره والحيلولة دون تحوّله إلى منارة شعبية ذات مصداقية لحشد الجماهير وتوعيتها وتعبئتها وتنظيمها، والنهوض بها لتصبح معارضةً حقيقية لدولة الاستبداد والفساد والتعليمات. ما قامت به الدولةُ للقضاء على حركة 20 فبراير، أو على الأقل لإضعافها وإبعاد خطرها، بات معروفا ومقروءا بالصوت والصورة الناطقة الكاشفة الفاضحة. وقد مضى الأمرُ وكأن شيئا لم يقع، وكأن الدولةَ لم تكن طرفا ظالما في الموضوع، وكأنها لم تقمع، ولم تعتقل،و لم تعذب، ولم تلجأ إلى خدمات الرعاع والغوغاء، ولم تستغلَّ الإعلامَ العمومي للكذب والتلفيق والتشويه وإذاعة الباطل، ولم تجرّبْ كلَّ ما في جعبتها المخزنية من أساليب الكيد والمكر والمخاتلة والترغيب والترهيب. لقد مضى الأمرُ، كما مضت من قبله أمورٌ وأمورٌ، وفرَضَ المخزنُ دستورَه الممنوح، كما أراد، وبطريقته المعتاده، وتكلم الناسُ، وانتقدوا، وصاحوا حتّى بُحّت أصواتُهم من الصياح، ثم رجعَ بنا الزمان إلى ما قبل 20 فبراير، بل إلى ما قبل هذا التاريخ بعقود وعقود. فها هي الساحةُ السياسية تغلي مرة أخرى، والمتهمُ دائما هو المخزن، والجريمةُ دائما هي القمع والمنع والظلم والتحكم في كل الخيوط من أجل فرض التفسير المخزني للدستور في طبخته الأخيرة، والسيرِ بالأمور وفق ما هو مرسوم ومقرّرٌ في السياسات المخزنية العليا، وما وزارةُ الداخلية، كما كانت دائما، إلا الذراع المخزنيّ القوي الضارب، الذي تنحصر مهمتُه في تنفيذ التعليمات والأوامر، والسهرِ على أن يجريَ تطبيقُ السياسات المرسومة بالدقة المطلوبة. ونعرف جميعا خبرةَ وزارة الداخلية المخزنية الهائلة في المناورة والمراوغة والكيد والإثارة والتهديد وما إلى ذلك من أساليب، من أجل ضبط المسار وفق الخطة المرسومة، وإخضاع اللاعبين للقواعد المملاة، للبلوغ إلى الأهداف المرجوّة. والذي ما يزال يعتبرُ ما تقوم به وزارةُ الداخلية سياسةً حكوميةً لا علاقة لها بسلطة المخزن، أو ما يزال يعتبرُ أن ما تقوم به وزارة الداخليةُ هو اجتهاد سياسي لوزير الداخلية والأطر العاملين تحت إمرته، لا علاقة له بالسلطة المخزنية العليا، ولا علاقة له بسياسات مرسومة ومقررة بعيدا عن الحكومة والأحزاب والمنتخبين- الذي ما يزال يعتقد هذا، وهو يعتبر نفسه سياسيا، يحتاج، في رأيي، إلى أن يبحث لنفسه عن عمل آخر، وأن يترك ميدان السياسة لأهله. في اعتقادي، المخزنُ، قبل 20 فبراير وبعدها، ما يزال، في جوهره، هو مخزن "عهد تازمامارت"، وسيكون هذا المخزن العاملَ الخارجيّ-أقول الخارجي- الرئيسَ في تقهقر حركة 20 فبراير واضمحلالها، إن كُتب عليها الاضمحلال، لأن القمع والمنعَ وسائرَ أشكال الظلم والبطش لا يمكن معها الانفتاحُ والتطور والنماء والنضج والإثمار. (2) لن تسمح دولةُ الاستبداد بوجودٍ سياسيٍّ طبيعيٍّ لمعارضة حقيقية، مهما كان حجمُ هذه المعارضة صغيرا، فأحرى وجود حركة شعبية عارمة هادرة كاشطة كاسحة. لقد وقف الاستبدادُ بكل أذرعه وصنائعه وغوغائه في وجه حركة 20 فبراير، وكذلك فعْلُه دائما كلما تعلق الأمر بأمر يهدد وجوده ويسعى للمس بسلطانه. فلا مجال، مطلقا، للمقارنة بين قوّة حركةِ فتيّةٍ لَمَّا تَثْبُتْ أقدامُها في الأرض، وبين قوّة دولة دأَبت أن تضربَ بكل عنف وشراسة كلّ من يسعَى للخروج عن طاعتها، والاعتراض على سياساتها. هذا عن العامل المخزني، الذي نجحت الحركةُ، رغم أنها ما تزال في البدايات، في الصمود في وجهه، بل وفضحِه والتشهير به. أما العاملُ الذاتي الداخلي، فهو، في نظري، العاملُ الحاسم إما في سيرورة الحركة وصعودها نحو الثبات والتمكن والانتشار، وإما في جمودها وانحدارها إلى الضعف والتصدع والانهيار. أنا لا أنفي وجودَ مستقلين في الحركة، لكني أقول وأكرر أن هؤلاء المستقلين لا يمثلون ثقلا في النواة الصلبة للحركة، ومن ثَمَّ فهم رقمٌ لا يمثل شيئا بالمقارنة إلى رقم المتحزّبين من سائر المشارب والاتجاهات، وفي مقدمتهم الإسلاميّون واليساريّون. نعَم، من حق مناضلي الحركة و داعميها أن يتمنّوا أن تتحول الحركةُ إلى جبهة سياسية معارضة جامعة، وأن تصمد وتنتشر وتتسع لتشمل جمهورا واسعا من مختلف الشرائح الاجتماعية، وخاصة الشرائح التي يقع عليها الظلمُ الكبير من جرّاء سياسات دولة المخزن الاستبدادية. من حقّ الحالمين أن يحلموا، لكن الواقعَ غيرُ الحلم، والحقيقة المعيشة غيرُ الحقيقة المُتَمَنّاة. إن تجربة حركة 20 فبراير، بعد ستة أشهر من وجودها، تكشّفت عن خلل عميق في بنائها الذاتي الداخلي، وهو خلل بات يهددها بالتصدع والانهيار في كل لحظة، لأنه ليس هناك، حسب ما أعلم، مبادراتٌ حقيقية لإصلاح هذا الخلل من جذوره. إن حركةً يتمنّى لها أصحابُها وداعموها أن تكونَ حركة لكل الشعب المغربي التوّاق إلى التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، لا يمكن أن تعيش طويلا وهي تسير بأكثر من رأس. لا يمكن للحركة أن تثْبُتَ في الأرض إن كان لها رأسان، أحدهُما يُشرّق، والآخر يغرِّب. كيف ذلك؟ إن سير الحركة برأسين يمكن قراءتُه في مستويين اثنين: المستوى الأولُ يتعلق بالاختلاف الحاصل بشأن سقف المطالب السياسية بين توجّهين متدافعين متنافسين، توجّهٍ يحصر السقفَ في مطلب الملكية البرلمانية، ويمثله تحالفُ اليسار الديمقراطي، وتوجّهٍ يُبقي السقفَ مفتوحا على كل الخيارات، إما اقتناعا مبدئيا أو سياسةً وتكتيكا، ويمثله جماعةُ العدل والإحسان ويساريّو النهج الديمقراطي ومن لفّ لفّهم. هذا على المستوى الأول. أما على المستوى الثاني، فإن السيرَ برأسين متنافرين متدابرين يتجلى في أن الحركة بات يحكمها اختياران اثنان لم يظهر لحد الآن أن هناك إمكانية للتقريب بينهما. أما الأول، فهو اختيار يفرض على الحركة أن تسير وفق تصور يرجع في حقيقته إلى مبادئ اللادينية، أي إبعادِ الحركة وعزلِها عن كل ما يمتّ إلى المرجعية الإسلامية. وقد عبّر أصحاب هذا الاختيار عن هذه الحقيقة في أكثر من مناسبة، بل قرأنا في بعض الكتابات، وسمعنا في بعض التصريحات، حديثا لا لَبْس فيه عن اتهام الإسلاميين، والعدل والإحسان بالتحديد، بمحاولة السيطرة على الحركة، والاتجاه بها لتحقيق أهدافٍ تخالف الأهداف التي قامت من أجلها الحركة. والمتأمل في هذا الاختيار داخل الحركة لن يفوته أن يجد له أصلا في المزاعم والاتهامات والافتراءات التي روّج لها المخزنُ وأعوانُه، وما يزال، للوقيعة بين مكونات الحركة، ومن ثم تفكيكها وإضعافها. أما الاختيار الثاني، فهو الذي تمثله جماعةُ العدل والإحسان ومن يذهب مذهبَها في التشبث بالمرجعية الإسلامية بما هي اختيارٌ جماعيٌّ للشعب المغربي، وليس اختيارا إيديولوجيّا لهذه الجماعة أو تلك، كما يزعم خصوم الإسلاميين. المرجعية الإسلامية ممثلةً في المبادئ والأصول الإيمانية، التي لا يصح إسلامٌ إلا بها، هي التي ما فتئ الإسلاميون يعلنون أنهم دائمون عليها، مستندون إليها، في النظر والتحليل والتقويم، كما يستند غيرُهم إلى مرجعيات أخرى، يصفون بعضَها بأنها إنسانية كونية، وما هي بإنسانية ولا كونية، وإنما هي مرجعية السيّدِ الغالب بالحديد والنار، يفرضها على المغلوبين وهمْ أّذلّة صاغرون. يشترك اليساريّون، بمختلف فصائلهم في حركة 20 فبراير، في الدفاع عن اختيار اللادينية بما هو اختيارٌ استراتيجيّ في خريطة طريق الحركة. لكن الذين لا يمضغون كلماتِهم، ويُسمّون الأشياء بأسمائها، من هؤلاء اللاّدينيّين قليلون، لأن غالبيتَهم، ونظرا لما يعرفون من حساسية المسألة الدينية في أوساط الشعب المغربي، وأيضا لما يعلمون مما للإسلام من حضور وترسّخ وتجذر في البيئة الفكرية والثقافية المغربية، يلفّون ويدورون، ويستعملون مفردات ملتوية للتهرب من الصراحة، ومواجهةِ المغاربة المسلمين بما يعتقدون، وبما تخفيه صدورهم في شأن الدين عموما، والإسلام على وجه الخصوص. غالبية هؤلاء المدافعين الساعين لتكون حركة 20 فبراير حركةً بمرجعية "كونية" لادينية، يعرفون أن دفاعَهم وسعيَهم فاشلٌ ألفا في المائة، وقد جرّب بعضهم، وحاول أن ينزل إلى الشارع بمعزل عن تعبئة الإسلاميين ومشاركتهم، فكانت المهزلةُ الفضيحةُ، إذ كان عدمُ تجاوب الناس معهم دليلا عمليا على أن فهمَهم للمرجعية الإسلامية يحتاج إلى مراجعة جذرية، وحجةً عليهم من أرض الواقع والممارسة تؤكد أن كثيرا من تصوراتهم وأحكامهم عن الإسلام وعقائده وشرائعه وآدابه وأخلاقه، وعن اجتهادات الإسلاميين العصرية، وخاصة في المجال السياسي، هو من المعتقدات الفاسدة، القائمة على الأحكام الظالمة المُبيَّتَة، والاتهامات الباطلة، والمعلومات المغشوشة، والمصادر المجرَّحَة، والجهلِ الفاحش بالإسلام، في أصوله القاطعة، ومبادئه المُشرقة، وقواعده الكونية الشاملة. المرجعيةُ الإسلامية أصولٌ وقواعد وقيم ومبادئ، يعتمدها المجتهدون الإسلاميون للنظر والفهم والتقويم، وللقراءة والنقد والتصحيح، وللتحليل والموازنة والترجيح. اليساريُّ، مثلا، يرى أن حرية الاعتقاد حقٌّ من حقوق الإنسان في المرجعية الإنسانية الكونية، والإسلاميُّ يرى ما يراه اليساري، لكن بمنظار المرجعية الإسلامية. الشيءُ نفسُه يقال عن أحكامٍ ومواقف أخرى كثيرة، في مجالات متعددة، تتفق فيها المرجعيةُ الإنسانية مع المرجعية الإسلامية. أما عندما تتعارض المرجعيتان، فطبيعي أن ينتصر المسلمُ لمرجعيته، وهو مطمئن لا ينتابه أدنى إحساس بالحرج، وإنما الحرجُ على من يطلب إلى المسلم أن يُسَلّم للمرجعية البشرية على حساب دينه، وهو طلبٌ مستحيل إلا عند من هان عليه دينُه، واتخذه وراءه ظِهْرِيّا. (3) يصرّ خصوم الإسلاميين ومنافسوهم ألاّ يروا في مشروع الإسلاميين إلا واحدا أو اثنين في المائة من الاجتهادات الشاذة، والمواقف المتطرفة، والتفسيرات المتشددة، التي تمثلها تياراتٌ لا تمثل ثقلا معتبرا في العالم الإسلامي. أما النسبة الباقية، تسعة وتسعون(99%) أو ثمانية وتسعون(98%) في المائة، فهُمْ عنها مُعرِضون، بل منهم من يتعمّد عدَم رؤيتها، وعدَم النظر في اجتهاداتها واعتبارِ مواقفها والاطلاّعِ على أطروحاتها. إن اجتهادات الإسلاميين اليوم في مجال السياسة وتدبير شؤون الحكم وإدارة الدولة وما يتعلق بها من موضوعات وقضايا، قد عرفت تطورا كبيرا على يد مفكرين وعلماء مجتهدين، استطاعوا أن يثبتوا، بما استنبطوه وما بيّنوه وما رجّحوه، أن أصول الإسلام ومبادئه العامة كافية لاستيعاب مستجدات العصر، والاستجابة لحاجات الناس وتحقيق مصالحهم أفرادا وجماعات. هل قرأ خصوم الإسلاميين هذه الاجتهادات وفهموها واستوعبوها؟ هل حاولوا أن يناقشوها بموضوعية وفكر منفتح لا يتعصب إلا للحقّ والمصلحة الراجحة؟ هل حاولوا أن يفهموا أن المقصود بالمرجعية الإسلامية، في شؤون السياسة خاصة، إنما هو أصول وقواعد ومبادئ، وليس أحكاما ظرفية وفتاوى مشروطةً وآراء فردية؟ أعتقد أن حركة 20 فبراير إلى تفتّت وضعف إن استمر فيها الوضع على ما هو عليه الآن من التجاذب والتضارب والتدافع. لقد سمعنا قياديين في تحالف اليسار الديمقراطي يصرحون بأن الحركة إلى انشقاق ما لم تتوحد المطالبُ ويتحدد السقف السياسي، وهم يقصدون طبعا سقفَ الملكية البرلمانية. وقد تكرر هذا الخطاب، المُنْبئ بالاختلاف والانشقاق، في مناسبات كثيرة، ومنها بعضُ الندوات التي نظمتها جهاتٌ يسارية للنظر والتحاور في موضوع علاقة الإسلاميين باليساريين، والتناقش في واقع الحركة وآفاقها. عند الإسلاميين، عزلُ الدين عن السياسة مستحيلٌ على مستوى الأصول والثوابت والقيم العامة الشاملة. ثم إن السياسيَّ، في الممارسة الديمقراطية الحقيقية، إنما يُحاسب على ما يقوم به من أعمال، وما يكون منه من ممارسات في الواقع، بغض النظر إن كانت هذه الممارساتُ ناتجةً عن مرجعية إسلامية أم عن مرجعية وضعية. الشعبُ السيدُ هو الذي يرجع إليه أمرُ الحكم إن كان يرضى عن هذه الممارسات أم لا، وإن كان يقبل هذه السياساتِ أم يرفضها، وإن كان يرتاح لهذا المنهج في التخطيط والسياسة والتدبير أم يعارضه. لقد برهنَ الإسلاميون داخل حركة 20 فبراير أن مرجعيتهم الإسلاميةَ قادرة على استيعاب قيّم العصر، في مختلف المجالات، وخاصىة في مجال الحقوق والحريات، وأبانوا بسلوكاتهم ومشاركاتهم ومبادراتهم والتزاماتهم ومستوى علاقاتهم بالآخرين أن الإسلاميين حريصون أكثر من غيرهم على الاحتكام إلى صوت الجماهير، والإذعان إلى ما تقرره الإرادةُ الجماعية وإن جاء بما لا يحبون وما لا يشتهون. قد يكون هناك مبالغة من بعض الأفراد. وقد يحصل انحراف هنا أو هناك، من عناصر محسوبة على الإسلاميين، وقد يقع من بعض الإسلاميين خطأ أو أخطاء في الرأي والتقدير، وهذه كلها أمور طبيعية وعادية، لأنه لا أحد، في الأولين والآخرين، ادّعَى أن الإسلاميين لا يخطئون، ولا يبالغون، ولا يزيغون، ولا يذنبون. الأصل شيءٌ، وما ينبني على هذا الأصل من فروع واجتهادات وأفهام شيءٌ آخر. الدليل القطعيّ شيءٌ، وما يمكن أن يستنبطَ من هذا الدليل من فقه وتقدير وترجيح شيءٌ آخر. باختصار، المسلمُ، في اجتهاده، قد يصيب، وقد يخطئ، وهو في كلتا الحالتين مأجور، لأنه ما برح يطلب ما يراه حقا ومصلحة وصوابا. (4) هل ستنتهي حركة 20 فبراير إلى ما انتهى إليه الاتحاد الوطني لطلبة المغرب(أ.و.ط.م)، بعدما لم يقبل اليساريون بالمنافسة الشريفة، ورفضوا الاحتكام إلى صوت الجماهير، بل رفضوا أصلا أن يكون للإسلاميين حقّ في الوجود؟ لقد بدأت بوادرُ التصدع تظهر في بعض الخطابات، وفي بعض المبادرات، وفي المواقف اليسارية الجامدة على مواقفها القديمة من الإسلاميين، وخاصة من العدل والإحسان، لا لشيء، إلا لأن جماعة العدل والإحسان خصمٌ منافسٌ يحرص على احترام أصول التعدد والاختلاف، والالتزام بقواعد التنافس الشريف، والاحتكام إلى إرادة الجماهير. هل يطلب اليساريّون من العدل والإحسان، ومن غيرهم، شيئا غير هذا؟ لماذا يصر اليساريون وغيرهم من خصوم الإسلاميين على التفتيش في مطويات الصدور، واتهام النوايا، وإصدار الأحكام المبَيَّتَة الظالمة؟ ألا يعتبرون بالثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا؟ أليس الإسلامُ هو قلبُ المعركة النابض؟ أليس الإسلام هو الروح المُنهِض المُجيّش المُعبّئ؟ ألم يكن المسجدُ، في الغالب، هو قاعدة التجمّع والتحريض والانطلاق؟ ألم يتحول يومُ الجمعة إلى يوم الثورة بامتياز؟ اليساريون ومن على مذهبهم في حركة 20 فبراير منعوا حتى البسملة(بسم الله الرحمن الرحيم) أن تظهر في رأس البيانات التي تصدر عن تجمعاتها، تماما كما كانوا، وما يزالون، يفعلون في الجامعة، وكأن البسملة رمزٌ طائفي إديولوجي خاص بالإسلاميين!! ومع ذلك، سكت الإسلاميون، وتسامحوا وتجاوزوا من أجل التواصل والتقارب والتفاهم والتعاون، لأن التصدي لنظام الاستبداد والفساد يحتاج إلى الصفّ المرصوص، والإرادة المجموعة، والجهد الموحد، لكن اليساريين لا يريدون أن يروا ويعتبروا ويُقدِّروا هذه الخطوات التي يخطوها الإسلاميّون نحوهم. وكأن لسان حالهم، والحالة هذه، يقول للإسلاميين إما أن نكون نحن القادةَ الآمرين وتكونوا أنتم التابعين المطيعين، وإلا فلا تعاون، ولا تقارب، ولا تشارك! يا عباد الله، كيفما كانت ملتُكُم ومذهبُكم ومشربُكم وتوجّهُكم، هل يعي اليساريون في حركة 20 فبراير، أنهم، بهذه السلوكات الطائشة، والمواقف المتحجرة، والمطالب المستحيلة، آخذون في تشييع الحركة إلى مثواها الأخير؟ هل يعي هؤلاء القوم أنهم، بهذه التصرفات تجاه الإسلاميين-أرادوا أم لم يريدوا، قصدوا أم لم يقصدوا- واقفون مع الاستبداد، وفاتلون في حبله، ومطيلون في عمره؟ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.