لطالما مجدت النصوص الحقوقية الدولية حق تقرير المصير، و لكن حتى الدول التي تدعي راعية هذا الحق الدولي لم تقم باحترام قواعد هذا الحق. تمجيد حق من الحقوق الدولية هو شيء، و لكن عدم قابلية تطبيق هذا الحق شيء آخر نعطي هنا المثال بكيفية صياغة دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة؛ بحكم أن الدستور كما يقال هو أرقى شكل من أشكال التعبير عن إرادة الشعب و بواسطته يقرر مصيره. حق تقرير الشعب لمصيره يتم عبر سيرورة تاريخية طويلة و لا يتم عبر استفتاء تدور أحداثه البهلوانية في يوم واحد. دساتير الجمهورية الفرنسية تقهقرت مدة انجازها من خمس سنوات إلى اقل من ثلاثة اشهر دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة لسنة 1958 تم انجازه في مدة تقل عن أقل من ثلاثة أشهر و بدون ضجيج جماهيري أو صراعات حزبية و مذهبية كما حصل مع مشروع مدونة إدماج المرأة في التنمية بداخل المملكة المغربية أو كما حصل السنة الماضية و يحصل هذه السنة مع مشروع مدونة السير على الطرق. دستور الجمهورية الفرنسية سهر عليه فريق تشريعي مشكل من 39 عضو مقسمين على لجنتين ابتدأ عمله يوم 29 يوليوز 1958 و قدم مشروعه إلى الشعب الفرنسي للمصادقة عليه يوم 4شتنبر .1958 قوانين سنة 1875للجمهورية الفرنسية الثالثة و دستور سنة 1946 تم تهييئها بواسطة أشغال اجتماعات اللجان البرلمانية، بالإضافة إلى النقاشات الجماهيرية و دامت مدة طويلة في حين أشغال تهييء دستور الجمهورية الخامسة تمت في سرية شبه تامة تحت إدارة المناضل و المفكر و الكاتب ميشيل دوبري. ميشيل دوبري هذا ليس هو ريجيس دوبري صديق شي كيفارى و المستشار الخاص السابق للرئيس الفرنسي ميتران، بل انه ميشيل دوبري والد جان لوي دوبري رئيس المجلس الدستوري الفرنسي الحالي الذي تقلد هذا المنصب يوم 5 مارس 2007. فمن يكن ميشيل دوبري هذا؟ مشيل دوبري(1912-1996) رجل من رجالات السياسة الفرنسيين مناضل ورجل دولة مرموق مثله مثل كل السياسيين الفرنسيين ناضل على كل الواجهات وترك إرثا سياسيا وفكريا يشكل مرجعية مهمة لرجال الدولة الفرنسيين. حياة هذا الرجل حياة مفعمة بالأحداث والأفكار وحتى المغامرات. من بين مؤلفاته: * موت الدولة الجمهورية نشر سنة1947 * هؤلاء الأمراء الذين يحكموننا نشر سنة1957 * فكرة حول فرنسا نشر سنة1972 * الديكولية نشر سنة1978 * هل بإمكاننا محاربة البطالة؟ نشر سنة 1982 * "مذكرات" نشر في أربع أجزاء ويخص الفترة الممتدة من سنة 1984 إلى سنة 1995 تدرج هذا الرجل بجميع المراحل من مناضل مضطهد تلاحقه المخابرات إلى مناضل يكتب باسم مستعار فمسئول جهوي ثم وزير ليستطيع في الأخير الترشيح لرئاسة الجمهورية الفرنسية سنة 1981. قبل الترشح لرئاسة الجمهورية الفرنسية التي لم يحصل فيها إلا على1.66%من الأصوات تقلد منصب وزير العدل(1958-1959)، وزير أول(1958-1962) وزير الاقتصاد والمالية (1966-1968) وزير الخارجية(1968-1969)، وزير الدفاع الوطني(1969-1973)، برلماني أوروبي(1979-1980) كلف سنة 1958 من طرف الجنرال دوكول للإشراف على التهييء لدستور الجمهورية الخامسة. صياغة دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة، تمت على أربعة مراحل: 1. المرحلة الأولى تمت خلال النصف الأول لشهر غشت 1958 وقد تحددت في أشغال اللجنة الاستشارية الدستورية. تمت هذه الأشغال في سرية تميزت بعدم توزيع حتى التقارير التحليلية على أعضاء اللجنة الدستورية نفسها. 2. المرحلة الثانية امتدت من 20 إلى 28غشت 1958 وتخص تصريح مجلس الدولة. وسواء تعلق الأمر بأعمال اللجنة الخاصة أو بأعمال الاجتماع العام لهذه اللجنة، أو حتى بآرائها وتصوراتها النهائية فان كل هذه العمليات لم يتم الكشف عنها للعموم بل لقد تم التعامل معها فقط من أجل تغذية أفكار وتحاليل الحكومة الفرنسية؛ حيث لم توضع رهن إشارة المحللين سواء كانوا صحافيين، رجال سياسة أو باحثين وأساتذة أي أعمال كفيلة بشرح المراحل، المسار أو التناقضات والاختلافات التي ينضوي عليها نص مشروع الدستور المقبل. لقد تم تجاوز طابع العمومية الذي ميز قوانين سنة 1875 ودستور سنة 1946لآنها كانت تتطلب استغراق وقت كبير، والجنرال دوكول، مهندس هذا الدستور كانت لديه برمجة دقيقة أشبه ببرمجة القيادات العامة للقوات المسلحة. لقد كانت برمجة دقيقة ومحددة الآجال، حيث كان من اللازم المصادقة على هذا الدستور قبل يوم الثلاثاء الأول من شهر أكتوبر 1958 وهو نفس التاريخ الذي ينص عليه البند التاسع من دستور 1946 في ما يخص اجتماع المجلس الوطني الفرنسي. 3. المرحلة الثالثة تخص اكراهات محتويات القانون الدستوري ليوم 3يونيو 1958 الذي ينص بنده الأول على ضرورة مراجعة الدستور من طرف الحكومة أولا. لهذا تم تنصيب هذه الحكومة يوم 1 يونيو، أي يومين قبل موعد تقديم مشروع الدستور للمصادقة عليه. 4. يوم 4 شتنبر 1958 قدم مشروع الدستور إلى الشعب الفرنسي للمصادقة عليه. بعض سكان العالم المتخلف، المصابين بكل الأمراض الاجتماعية المختلفة من الكذب و الزور و المحتجزين بداخل إيديولوجيا لا تاريخية يعطون لأنفسهم الحق لكي يدعوا أنهم أكثر تحررا من الشعوب الأخرى التي قطعت مسافات طويلة في طريق التحرر و التقدم. فهل محتجزي مخيمات تندوف مثلا أكثر تحررا من الشعب الفرنسي؟