قدمت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، خلال يوم الأربعاء 7 أكتوبر بالرباط، تقريرا حول «حرية تكوين الجمعيات» في المغرب، وضعت له عنوانا فرعيا هو «نظام تصريحي بالاسم فقط». ويطرح هذا التقرير سؤال المهنية في إعداد التقارير الدولية التي كثيرا ما يتم التعامل مع مضامينها بنوع من الجاهزية واستعمال مضامينها من طرف تنظيمات أخرى كمرجعية للاحتجاج، وأحيانا بناء مواقف من طرف الباحثين والمتتبعين لمجال تطور حقوق الإنسان في المغرب دون وضع المسافة وقياس درجة الحرفية في إعداد بعض التقارير مثل حالة تقرير «هيومن رايتس ووتش». وهو التقرير الذي يثير الملاحظات التالية: أولا، ملاحظات حول منهجية العمل : وتتمثل في ما يلي: 1 - صعوبات التوثيق في التقرير، مما يثير إشكالية صحة المعلومات من عدمها، فالتقرير يعتمد في العديد من مضامينه على مكالمات هاتفية وأحيانا على ما يصل المنظمة في البريد الإلكتروني. وتوضح زيارات أعضاء منظمة «هيومن رايتس ووتش» للمغرب، كما هو مشار إليه في التقرير، أحد احتمالين: إما اعتمادها المطلق على المعلومات التي تصلها، ولو كانت مجهولة، واستعمالها إياها دون تحقق؛ أو اعتمادها على هذه المعلومات، رغم أنها وجدت صعوبة في التحقق منها. وفي الاحتمالين معا، يثار سؤال الحرفية في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان في التجربة المغربية. 1- أضف إلى ذلك أن التقرير لم يلجأ إلى تمثيليات متعددة لكي يتمكن من بناء استنتاجات للوصول إلى معلومات فيها نوع من الالتقائية، إذ يلاحظ على مرجعية معلومات التقرير غياب الاعتماد على المعلومات التي تقدمها المنظمات الحقوقية المغربية ذات الخبرة في المجال (كالمنظمة المغربية لحقوق الإنسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان ). 2 - صعوبة حصر زمنية محددة في التقرير، إذ إنه يشير أحيانا إلى وقائع تعود إلى التسعينيات، مما يعني غياب زمنية محددة في التقرير، فهو يتعرض، مثلا، لحالات تعود إلى العقد المذكور (حالة إبراهيم الأنصاري بتزنيت ص14)، وحالات تعود إلى سنة 2009، بمعنى أنه تناول وقائع خلال مدة تزيد على من عشر سنوات بمقاربة وحيدة ودون الانتباه إلى التطورات السريعة التي وقعت في المغرب في مجال الحقوق والحريات خلال هذه المدة الزمنية. 3 - في دراسة الحالة، تبدو العينات المنتقاة غير ذات تمثيلية، فهي تجمع بين جمعيات دولية دائمة (لا عاهرات ولا خاضعات) وحركات احتجاجية عابرة (الجمعية الوطنية لحاملي الشهادات المعطلين) من جهة أولى، وبين جمعيات تتضمن أنظمتها الأساسية الثوابت الدستورية للدولة، مقابل حركات تسعى إلى الاشتغال خارج إطار الثوابت الدستورية والضوابط الشرعية للدولة (كوديسا) من جهة ثانية، الشيء الذي لا يمكن أن يقود إلى استنتاجات تشخيصية مضبوطة، ولا إلى توصيات دقيقة قابلة للتنفيذ، مادامت التوصيات هي السبب المعاكس للأسباب؛ 4 - خروج التقرير عن موضوع «حرية تكوين الجمعيات» وامتداده إلى مجالات حقوقية أخرى، مثل الحق في التشغيل (مثلا، إثارته لمسألة الحق في التشغيل في القطاع العام في قضية المعطلين (ص12 من التقرير)، وهو ما قد يجنب التقرير الدقة ويطرح سؤالا حول مضمونه: هل يتعلق بكل أنواع الحريات والحقوق في المغرب أم بحرية تأسيس الجمعيات وحدها؟ ويثير الاستفهام حول استنتاجات وخلاصات التقرير نفسه: هل هي مرتبطة بحرية تأسيس الجمعيات أم بقضية الحقوق والحريات في المغرب؟ إضافة إلى خروج التقرير، في الكثير من الأحيان، عن نطاق الحق في تأسيس الجمعيات ليتناول قضية استدعاء أو عدم استدعاء السلطة لجمعية مرخص لها لحضور لقاءات رسمية. 5 - التقرير يعتمد أحيانا على حالة وحيدة أو اثنتين لبناء استنتاجات، وهي مسألة غير صائبة في إعداد التقارير وبناء التوصيات، كما أنه لا يوضح بالحجج كيف يساهم عدم تسليم الوصل، مثلا، في إضعاف «جمعيات» معينة، رغم أن الجمعيات نفسها التي تقدم هذا الادعاء تعترف بأنها تشتغل (الجمعيات الأمازيغية وحركات المعطلين وجمعية حماية المال العام). 6 - استعمال مفاهيم دون ضبطها قانونيا وحقوقيا، فمفهوم استعمال القاعات العمومية استعمل بكيفية غير دقيقة في التقرير، ويمكن إعطاء مثال بحالة جمعية العاطلين بمدينة الناظور التي تقول إنها تستعمل مقرات النقابات في تجمعاتها، وفي نفس الوقت تطالب باستعمال القاعات العمومية، وهنا يمكن توضيح ما يلي: إن الحركات الاحتجاجية في كل دول العالم تستعمل مقرات الأحزاب والنقابات، بينما يمكن للحركات محدودة العدد، ولو كانت غير مرخص لها أو كانت في طور الترخيص لها، أن تستعمل القاعات العمومية، ونعطي المثال هنا بحركة المطالبة بدستور ديمقراطي أو حركة المطالبة بتخليق الحياة السياسية، رغم أنهما لم يضعا ملفيهما القانونيين، فقد استعملا في حالات متعددة القاعات العمومية. 7 - اعتماد التقرير على حالات لازالت معروضة على أنظار القضاء (الفقرة الأخيرة من ص 16)، وهو ما يبين عدم ثقة واضعي التقرير في القضاء، وهو حكم مجانب للصواب في بناء المعلومات يثير مسألة درجة الحياد في بناء المواقف من عدمه، رغم أن القضاء الإداري المغربي له العديد من الاجتهادات القضائية التأسيسية الإيجابية في مجال حرية الجمعيات. ثانيا: ملاحظات حول مضمون الحالات المنتقاة وتتمثل في ما يلي: 1 - اختيار حالة «كوديسا» التي لا تعتبر جمعية، ولكنها فرع لحركة البوليساريو الانفصالية، وهي غير ذات تمثيلية، ولا توجد أية دولة في العالم ترخص قانونيا لحركة موالية لحركة انفصالية، تهدد السلامة الترابية لإقليمها وترفض ثوابتها الدستورية. ويبدو أن المعلومات، التي قدمت إلى منظمة «هيومن رايتس ووتش» حول «كوديسا» من طرف المرجعيات المشار إليها في التقرير، لم تكن دقيقة، حيث تم فيها الخلط ما بين حضور أفراد من «كوديسا» في ملتقيات دولية احتجاجية خارج المغرب، وإمكانية الاشتغال داخل المغرب، وهي الإمكانية التي لا يمكن أن تقبلها أية دولة في العالم؛ 2 - حالة منظمة «لا عاهرات ولا خاضعات»، والتي أشار التقرير إلى استباق السلطات العمومية إلى الإعلان عن رفض الترخيص لها، وردت المعلومات عنها بطريقة غير دقيقة في التقرير، إذ تغيب في هذه النقطة الحرفية، بمعنى قدرة الحقوقي على استشعار الأخطار السوسيولوجية والسياسية والنفسية في زمن الانتقالات القيمية داخل المجتمع، والانزلاقات التي قد تفرزها بعض الإشارات بالترخيص لمنظمات وليدة في تجارب وسياقات أخرى، خاصة وأن هناك العديد من «المطالب النائمة» التي تنتظر ما يمكن تسميته ب»الشقوق التنظيمية» لتجميع وبناء الحجج وصياغة المطالب بكل أنواعها، ونعطي مثالا هنا بما أثارته تصريحات بعض الشاذين جنسيا ومضمون مطالبهم؛ 3 - حالة الجمعية الوطنية لحاملي الشهادات هي غير ذات تمثيلية ولا يمكن القياس عليها في هذا المجال، لوجود العديد من حركات المعطلين منذ 1996، وهي حركات احتجاجية قد تنهي عملها في أسبوع أو في سنتين، بمجرد حصول مكوناتها على الشغل. وبالتالي، فهي لا تصنف ضمن الجمعيات بل ضمن حركات احتجاجية تستعمل الشارع (التواجد الدائم بشارع محمد الخامس، أمام مقر البرلمان). 4 - اعتماد التقرير في حالة الجمعيات الأمازيغية على حجج غير مقنعة في تفسير وضعيتها، إذ يورد التقرير رأيا مفاده أن «... السلطات رفضت تسليم الوصل لأن الشبكة تؤيد في الأرضية المنبثقة عن المؤتمر المنعقد في غشت 2008 فكرة الفصل بين الدين والدولة...»، وهنا يثار التساؤل حول معنى الحجة التي يأخذ بها معدو التقرير؟ وحول درجة ضعف أو قوة الحجة لاستعمالها؟ 5 - التقرير اعتمد على حالة «لعمال الإنعاش الوطني» في الجنوب، رفضت السلطة الترخيص لهم بتأسيس نقابة، وهنا تغيب الحرفية بتغييب المتغير الدستوري، لأن النقابة ترتبط بالتمثيلية، وعمال الإنعاش الوطني ليست لهم، في هذه الحالة، الصفة التمثيلية لتأسيس نقابة، فهم لا يمثلون قطاعا عماليا بصفة مستمرة، فالإنعاش الوطني هو منحة اجتماعية تمنحها الدولة لأفراد عاطلين في انتظار تشغيلهم، وبالتالي لا يمكن إعطاؤهم، قانونيا ودستوريا، الحق في تأسيس نقابة لأنهم يفتقدون صفة التمثيلية. إن هذه الملاحظات تعيد التساؤل حول الحرفية في إعداد تقارير بعض المنظمات الحقوقية، الحرفية بمعنى جمع المعلومات واختيار العينات والتحقيق في مضامين المعلومات ودرجة قوة أو ضعف الحجج، وتقييم التقارير والأوراق الفرعية مهنيا، وضبط درجة تكييف المعلومات في علاقتها بالأنظمة القانونية الوطنية والإعلانات العالمية، وقياس التكلفة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الإيجابية والسلبية قبل صياغة التوصيات. وبالعودة إلى النقاش حول مضمون هذا التقرير ودرجة حرفيته، فإنني أسرد هذه الواقعة، وحضرت إلى أحد الاجتماعات في المدارس الابتدائية. وأثناء النقاش، طلب أستاذ الموسيقى من أولياء التلاميذ أن يحتفظوا «بآلة المزمار» في المنازل وألا يضعوها في محفظات التلاميذ في الوقت الراهن، رغم أنها طلبت ضمن الأدوات المدرسية، لأن الوقت لم يحن بعد لاستعمالها في تدريس الموسيقى، والسبب، حسب الأستاذ، هو أن التلاميذ لما يلجون حصة الموسيقى يبدؤون في اللعب ب«المزمار» وينسون ضبط قواعد الموسيقى بطريقة مكتوبة، في حين أن برنامج الشهور الأولى هو تعلم قواعد الموسيقى كتابة، قبل الانتقال إلى استعمال آلة المزمار. إن هذه الواقعة تنطبق على مضمون التقرير أعلاه (أمام انتشار ظاهرة عدوى التقارير)، إذ إنه قبل استعمال المزمار (في مجال حقوق الإنسان)، يجب أولا ضبط قواعد استعماله.