هل يمكن اعتبار" الخبز الحافي " بيانا ضد العنف داخل الأسرة و خصوصا العنف الذي يمارسه الأب على الزوجة و الأبناء ؟ فقد مرت على كتابة هذه الرواية أكثر من أربعين سنة إلا أن الصرخة التي أطلقتها ضد العنف الأسري لا زالت تملأ العالم بما أن الكتاب ترجم إلى أكثر من 30 لغة . فالعنف الممارس على الأطفال يمثل تاريخا من الرعب تعرضوا له ، ولا زالوا ، في صمت . وبما أن الطفل طريدة سهلة في متناول الكبار و بلا حماية في الكثير من الحالات فهو معرض للضرب و الرفس و البصق ثم الصراخ و الشتم و المناداة بألفاظ مبتذلة و التهديد بالقتل إلى آخره .. و حيث لا زالت بعض التقاليد في مجتمعنا تحث على القسوة في تربية الأبناء على أساس أن للأب كامل الصلاحية في أن يعمل ما شاء بالابن في سبيل تربيته ، فشرعية احترام الأبناء لآبائهم و طاعتهم قد انبثقت عن التقاليد المغربية و العربية العريقة إلا أن محمد شكري خرق هذه الأعراف بإعطائه صورة عن أب عاث بهذه السلطة فسادا ستفقده هذه الشرعية لأنه تجاوز حدود القسوة في معاملة أفراد أسرته . فبدءا من الصفحات الأولى تطالعنا المشاهد القاسية التي ستجثم على عقل و قلب محمد طيلة أحداث الرواية السيرة الذاتية . فتسلط الأب لاحدود له . " دخل أبي . وجدني أبكي على الخبز . أخذ يركلني و يلكمني.. رفعني في الهواء .خبطني على الأرض . ركلني حتى تعبت رجلاه و تبلل سراويلي " . ولا شك أن المشهد الأكثر تأثيرا في الرواية و الذي لن ينساه أي قارئ هو لحظة قتل أخ شكري الأصغر عبد القادر من طرف الأب : " أخي يبكي . يتلوى ألما . يبكي الخبز . يصغرني . أبكي معه . أراه يمشي إليه . الوحش يمشي إليه . الجنون في عينيه .يداه إخطبوط . لا أحد يقدر أن يمنعه . أستغيث في خيالي . وحش ! مجنون ! امنعوه ! يلوي اللعين عنقه بعنف . أخي يتلوى . الدم يتدفق من فمه . " و ستظل ذكرى القتل البشع لأخ محمد شكري يشغل فؤاده بكراهية متصاعدة تجاه أبيه . فقد راكم أبوه التجاوزات ، حتى تمنى محمد موته على شكل" استيهامات قاتلة " . " في الخيال لا أذكر كم مرة قتلته . لم يبق لي إلا أن أقتله في الواقع . " إلا أن العجيب في محمد شكري أنه تعلم باكرا كيف يتعايش مع العنف المميت لأب سكير يهدد و يسب ويضرب زوجته و أبناءه. لكنه لا يخفي كراهيته للأب المتسلط : " لكي أخفف من كراهيتي الشديدة لأبي أخذت أبكي من جديد . كنت خائفا من أن يقتلني كما قتل أخي " . إن الأطفال ضحايا عنف الأب يتحاشون الاقتراب منه لاتقاء شره و ليس لديهم أي شعور بعاطفة نحو الأب : " أتمنى أن يعثر أبي على ذلك الجندي الواشي ويقتله حتى يطول غيابه مرة أخرى. أن يقتل أحدهما الأخر . هذا ما أتمناه . أحب غيابه حيا أو ميتا ." وإذا كان ماكسيم غوركي في سيرته الذاتية الشهيرة " الطفولة " قد عبر عن معاملة جده القاسية له بشكل شاعري فإن شكري استعمل أسلوبا عاريا حافيا ينم عن تمرد صارخ . فحتى طفولة محمد تم اغتصابها من طرف الأب عند دفعه للعمل . إن شكري يعرض الصورة العارية لأب سفاح يطارد أبناءه و يضرب زوجته و يعمل على تشغيل الابن الأكبر لمصادرة راتبه الهزيل . إنه الأب السكير ، العنيف ، والوقح الذي يستحوذ لوحده على مجمل الكره الذي يخنق محمد. فقد جعله أبوه يوما يأكل ضدا على رغبته وكل الطعام الموضوع على المائدة حتى أحس بفقدان التنفس ثم أصيب بغيبوبة أدت به إلى المستشفى : " بدا لي مثل عملاق يتحكم في الأقزام . نحن كنا أغنامه . يستطيع أن يبدأ بذبح من يشاء . أختي ارحيمو منكمشة على نفسها و أمي تبكي ." كان إذن محمد هو الهدف المفضل لشراسة أبيه ، وقد احتفظ طيلة فصول الكتاب بالجروح التي سببها له العنف الأعمى والكراهية . ولم يكن الأطفال وحدهم عرضة لاعتداءات الأب في الأسرة و داخل المجتمع . المرأة هي الأخرى لم تسلم من العنف المسلط عليها من طرف الأب/ الرجل المعتدي . " يضربها حتى يدميها أو يزرق لها إحدى عينيها " " يضرب أمي بدون سبب أعرفه . سمعته مرارا يقول لها : سأهجرك يا ابنة (...) . دبري أمرك وحدك مع هذين الجروين ." " أهرب خارج بيتنا تاركا إياه يسكتها باللكم و الرفس " " كسر الجيران مزلاج باب بيتنا لينقذوني أنا و أمي . كان يضربنا معا بحزامه العسكري . جسمي كله دام . عين أمي متورمة . ظللت أياما لا أعرف كيف أنام . تمنيت لو أنام في الهواء " ولا شك أن الأرقام التي تعلن عنها الهيئات المهتمة بالعنف ضد النساء بين الفينة و الأخرى تبعث على الأسف و على الغثيان . ولعل التعصب لبعض العادات و التقاليد التي تحط من قيمة المرأة لا زالت إلى الآن تعد سببا لتعرضها لأشكال من العنف النوعي ، مما يؤدي إلى تدمير آدمية المرأة و إنسانيتها . يمكن القول ، ختاما ، على لسان محمد شكري أيضا : " اللعنة على الآباء إن كانوا مثل أبي .." فلا يمكن تبرير العنف ضد الأطفال لأي سبب كان حسب كافة تقارير الأممالمتحدة. وإلى جانب معاقبة مرتكبي جرائم العنف ، يجب العمل على تغيير عقلية المجتمع المرتبطة بالعنف بكل الطرق الممكنة . فقد ظل الأطفال يعانون منذ عشرات بل مئات السنين من عنف الكبار ، و لذا فحمايتهم باتت ضرورة ملحة .. - أستاذ متقاعد المراجع : - الخبز الحافي . محمد شكري -العنف الأسري / د. خالد الحليبي 2002 - تقرير بشأن العنف ضد الأطفال / الأممالمتحدة 2002 - العنف ضد المرأة الأسباب و النتائج / موقع الناضور24 - Vallès, Gorki, Choukri . par Kamel Hamdi