أبلغ رئيس وزراء هايتي جين ماكس بيليريف شبكة CNN أمس الأربعاء، بأن الزلزال المدمر الذي ضرب بلاده مساء أول أمس الثلاثاء، أوقع مئات الآلاف من القتلى، فيما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أن نحو مائتي شخص من أفراد بعثة المنظمة الدوليةبالدولة الواقعة في البحر الكاريبي، في عداد المفقودين. وقال رئيس وزراء هايتي: "أرجو ألا يكون هذا صحيحاً، وأتمنى أن الوقت كان كافياً أمام الناس للخروج" من المباني التي دمرها الزلزال، إلا أنه أضاف قائلاً: "نظراً لأننا نرى كثيراً من الناس في الشارع الآن، فليس في مقدورنا معرفة أين يعيشون، ولكن كثير من المباني وكثير من الأحياء تدمرت تماماً، ولم نشاهد ناجين في أحياء أخرى." إلى ذلك، أعربت منظمات دولية عن مخاوفها من أن الآثار الكارثية الناجمة عن الزلزال المدمر، الذي بلغت شدته سبع درجات على مقياس ريختر، قد طالت نحو ثلاثة ملايين شخص، يمثلون ثلث سكان الدولة الواقعة في البحر الكاريبي. كما قال بول كونيالي، المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر لCNN، إن فرق الإنقاذ تواجه صعوبات بالغة بسبب حجم الدمار الهائل الذي خلفه الزلزال. وكانت الأممالمتحدة قد أعلنت في وقت سابق أن مقر بعثة حفظ السلام تعرض للانهيار جراء الهزة الأرضية العنيفة، مما ترك "عدداً كبيراً من الموظفين الدوليين في عداد المفقودين"، فيما أكدت السلطات الأردنية مصرع ثلاثة عسكريين، من القوات الأردنية المشاركة ضمن البعثة الدولية. ونقلت وكالة الأنباء الأردنية "بترا" عن مصدر عسكري مسؤول أن القتلى هم الرائد عطا عيسى حسين المناصير، والرائد اشرف علي محمد الجيوسي، والعريف رائد فرج مفلح الخوالدة، مشيراً إلى إصابة 21 آخرين، إلا أنه ذكر أن جميع إصاباتهم خفيفة. ولم يتضح حتى اللحظة عدد القتلى والجرحى الذين قضوا في الهزة، إلا أن الخارجية الأمريكية توقعت، وعلى لسان الناطق باسمها، بي. جيه كرولي، "خسائر فادحة في الأرواح." وتسببت الهزة المدمرة التي وقعت خارج العاصمة "بورت أو برينس" في خسائر فادحة وانقطاع خطوط الكهرباء والاتصالات في دولة تعد فيها البنية التحتية من بين الأسوأ في العالم، وفق ريمون جوزيف، سفير هايتي لدى الولاياتالمتحدة. وقال جوزيف لCNN: "لقد كانت كارثة في انتظار أن تحدث." وتُعد الهزة أقوى زلزال تشهده هذه الدولة الكاريبية الفقيرة خلال أكثر من عقد، مما أثار مخاوف من سقوط آلاف القتلى إثر الدمار الكبير الذي خلفه، وخاصة في العاصمة بورت أو برينس. وأوضح شهود عيان أن المدينة المحاطة بالتلال غطتها سحابة ضخمة من الغبار مباشرة بعد وقوع الزلزال، في إشارة لانهيار عدد ضخم من المباني هناك. وأكدت مصادر مسؤولة من الأممالمتحدة فقدان عدد كبير من أفراد بعثة حفظ السلام التابعة للمنظمة الأممية "مينوستاه"، إثر انهيار مقر البعثة في "بورت أو برينس." وقال آلان لوروي، الوكيل العام لعمليات حفظ السلام في المنظمة في بيان: "الأممالمتحدة تؤكد أن مقر بعثة تأمين الاستقرار في هايتي قد تعرضت لأضرار كبيرة، إلى جانب عدد من المنشآت الأخرى للمنظمة." وقال إن المنظمة"ما زالت في طور جمع المعلومات عن مدى الضرر، ووضع موظفي الأممالمتحدة"، مشيراً إلى أن الهزة "أعاقت بشدة" خطوط الاتصالات"، إلا أنه "في الوقت الراهن، فإن عدداً كبيراً من الموظفين ما زال مصيرهم مجهولاً." وفي وقت سابق، كشف مسؤول بالأممالمتحدة، شريطة عدم كشف هويته لCNN أن مبنى البعثة انهار تماماً، ويعمل المهندسون على رفع الأنقاض. ويبلغ قوام البعثة الأممية التي تقودها البرازيل تسعة آلاف فرد، وتضم قرابة ألفين من عناصر الشرطة ونحو 500 مدني، كانت قد أرسلت إلى هايتي عام 2004. وقال مركز المسح الجيولوجي الأمريكي إن قوة الهزة بلغت 7 درجات، وتمركزت على بُعد 10 كيلومترات تحت باطن الأرض، وهو عمق ليس بالكاف لامتصاص قوة الهزة التي شعر بها في شرقي كوبا، مما استدعى إعلان إنذار من تسونامي، جرى إلغائه في وقت لاحق. وتبع الزلزال القوي عشر هزات ارتدادية، بلغت قوة اثنتين منها 5 درجات، حسب المركز. وذكر شهود عيان أن مباني العاصمة تهاوت بفعل قوة الزلزال، الذي دمر حتى المقر الرئاسي. ووصف الطبيب لويس آيفرز، في رسالة بالبريد الإلكتروني، الوضع قائلاً: "العاصمة فجعت هناك الكثير من القتلى.. النجدة." زلزال هايتي.. لماذا كل هذا الدمار؟ شهد العقد الأول من القرن العشرين ستة زلازل كبيرة أسفرت عن مصرع مئات الآلاف من البشر، وكان آخر أضخم الزلازل ذلك الذي ضرب مقاطعة سيشوان الصينية وأدى إلى مقتل قرابة 70 ألف شخص، أما في منطقة أمريكا الوسطى والبحر الكاريبي، فكان آخر أكبر زلزال ضرب المنطقة ذلك الذي وقع في المكسيك عام 1985، وأسفر عن مصرع حوالي 10 آلاف شخص، على أنه خلال الربع قرن الأخير كانت الزلازل الكبيرة كلها في آسيا تقريباً. أما زلزال هايتي فهو الأكبر في جزيرة "هسيبانيولا"، وهي الجزيرة التي تشترك فيها هايتي مع جمهورية الدومنيكان، منذ ما يقرب من قرنين، رغم أنه لم يتم حتى الآن حصر الخسائر في الأرواح أو الخسائر المادية للزلزال وتوابعه. على أن الصور ولقطات الفيديو تكشف عن حجم دمار هائل للزلزال البالغة قوته 7.0 درجات بحسب مقياس ريختر. ما يميز زلزال هايتي أنه وقع على بعد 16 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من العاصمة، وأنه قريب من القشرة الأرضية، وربما يكون هذا السبب وراء الخسائر الناجمة عنه. العلماء سبق أن حذروا من احتمال وقوع هذه الكارثة منذ سنوات، فقد قدم خمسة من العلماء دراسة خلال المؤتمر الجيولوجي الثامن عشر لمنطقة الكاريبي، الذي عقد في مارس عام 2008 بسانت دومينغو في الدومنيكان، جاء فيه أن منطقة الصدع الواقعة في الجزء الجنوبي من الجزيرة معرضة "لخطر زلزالي كبير." وزلزال هايتي هذا يقع في نطاق المنطقة التي حددها العلماء في دراستهم، أي في منطقة الصدع المعروفة باسم "صدع إنريكيو-بلينتين غاردن" وهو صدع قريب الشبه بصدع "سان أندريز" في كاليفورنيا الأمريكية. وقال بول مان، أحد العلماء ممن أعدوا الدراسة والأستاذ في المعهد الجيوفيزيائي بجامعة تكساس: "لقد كنا نشعر بالقلق بشأن هذا الأمر، فالمشكلة في مثل هذه الزلازل أنها قد تظل هادئة وساكنه لمئات السنين قبل أن تضرب من جديد." وأوضح أن هذا هو السبب وراء عدم القدرة على التنبؤ بوقوع الزلزال. ومن مميزات صدع إنريكيو-بلينتين غاردن أن الصفائح فيه تتحرك باتجاه بعضها بعضاً بصورة أفقية، بحسب ما أفاد مان. وتقع جزيرة "هيسبانيولا" بين صفيحتين تكتونيتين، صفيحة أمريكا الشمالية وصفيحة الكاريبي، وتعمل الصفيحتان على خنق الجزيرة وتحطيمها، ومن هنا جاء الزلزال المدمر، بحسب الخبير مايكل بلانبيد، المنسق المساعد لبرنامج المركز الجيولوجي الأمريكي لأخطار الزلازل. وخلال خمسة قرون، شهدت المنطقة القريبة من جزيرة بورتوريكو وهيسبانيولا وجزر العذراء، في البحر الكاريبي، وقوع ما يزيد على 10 زلازل تزيد قوتها على 7 درجات بحسب مقياس ريختر، بحسب ما أشار العلماء. وكان آخر زلزال كبير ضرب المنطقة في العام 1946، وبلغت قوته آنذاك 8 درجات بحسب مقياس ريختر، ووقع بالقرب من جزيرة هيسبانيولا، وتسبب بحدوث موجات مد عاتية "تسونامي"، وشردت ما يزيد على 20 ألف شخص، بحسب مركز المسح الجيولوجي الأمريكي. أما آخر زلزال ضرب منطقة مدينة بورت أو برينس فكان في العام 1770.