افتتح الملك محمد السادس السنة الجديدة بقرار استراتيجي، إطلاق ورشة الجهوية المتقدمة تروم تطوير وتحديث هياكل الدولة وأسلوب جديد في الحاكمة الترابية والنهوض بالتنمية، يتم في إطاره حل ملف الصحراء الذي استنزف قوى المغرب طيلة أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، وذلك من خلال تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية المطالبة بالانكباب على وضع نموذج مغربي للامركزية ينسجم مع خصوصيات البلد ولا يكون تقليدا واستنساخا لهذه التجربة أو تلك في هذا البلد أو ذاك داخل أجل 6 أشهر، تليها استشارة للمجتمع السياسي والمدني في أفق وضع خطة تقوم على تحقيق التكامل والتضامن بين المناطق وعلى رأسها منطقة الصحراء المغربية التي سيمنح أهلها سلطات واسعة في تدبير شؤونهم. وفي هذا القرار إشارة واضحة لا لبس فيها إلى أن المغرب لن يقف مكتوف الأيدي أمام مناورات جبهة البوليساريو ومن يدعمها وتحديدا الجزائر، وسينطلق في تنزيل مقترحه والبرهنة على جدية طرحه ومصداقيته وكذا على نجاعته. وتلى القرار المذكور إجراء تعديل وزاري أو حكومي بعد يوم من الإعلان عن تنصيب اللجنة المشار إليها، مما يؤشر لوجود رابط بين الأمرين. فالتعديل الذي شمل خمس وزارات وعلى رأسها وزارتي العدل والداخلية، بحيث غادر الأولى وزير حزبي الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي الأستاذ عبد الواحد الراضي، وعوضه المحامي محمد الناصري، وغادر الثانية السيد شكيب بن موسى رجل تقنوقراطي وإداري وعوضه الأستاذ الطيب الشرقاوي رجل قانون بامتياز ، يحمل إشارة إلى انطلاقة مبكرة في الإعداد للانتخابات التشريعية المقبلة لسنة 2012، بعدما عرفت الانتخابات المحلية لسنة 2009 في بعض الأقاليم الكثير من الجدل والقيل والقال، واتهمت بعض الأحزاب السياسية الإدارة بمحاباة الحزب الجديد الأصالة والمعاصرة في عدد من الجهات . وفي تعيين وزيرين جديدين لوزارتين معنيتين بشكل أساسي بالشأن الانتخابي إشارة مبشرة بالقطع مع المرحلة السابقة، وفتح لورش إصلاح القوانين الانتخابية وإعادة النظر فيها و في التقطيع الانتخابي بما ينسجم مع الوضع الذي سيقرره الملك عقب إنهاء اللجنة الاستشارية للجهوية الموسعة لأشغالها، والاستشارات التي ستليها مع القوى الحية للبلاد كما سلفت الإشارة. إشارة أخرى لاتقل أهمية تخص المشهد السياسي حملها التعديل الحكومي ، بتعيين قيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي السيد إدريس لشكر في منصب الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، وهو الذي كان يطالب بخروج الحزب من الحكومة إلى المعارضة والتقارب مع حزب العدالة والتنمية ، وتصدى بالنقد لحزب الأصالة والمعاصرة، واصفا إياه ب"الوافد الجديد" و... وبهذا التوزير تصبح الدعوة لخروج الاتحاد الاشتراكي من الحكومة من الماضي، وآفاق التقارب بين الاتحاد الاشتراكي و حزب العدالة والتنمية - الذي تجسد عمليا في تحالفهما في تشكيل المكاتب المسيرة لأكثر من مجلس بلدي وقروي- محدودة الافق، خاصة في ظل تحسن العلاقة بين رفاق عبد الواحد الراضي و حزب الأصالة والمعاصرة. وجلوس السيد لشكر إلى جانب السيد فؤاد علي الهمة زعيم الوافد الجديد في الحلقة الأخيرة من برنامج "حوار" التي استضافت قيادي من حزب "الجرار" فيها من الرسائل مايكفي لقياديي حزب "المصباح" ليقرأوها بتأني في أفق انتخابات 2012 التشريعية، ولا يستبعد أن تحصل مشاداة بين فريق الحزب النيابي مع الوزير الجديد المكلف بالعلاقة مع البرلمان تحت قبة هذا الأخير وتتكرر مشاهد عرفها الفريق مع الرجل أيام كان رئيسا للفريق النيابي الاتحادي، ولكن بأسلوب آخر وغطاء وزاري. أما افتقاد حزب التجمع الوطني للأحرار لمنصبين وزاريين، فيشير إلى أن الحزب الإداري فقد الكثير من بريقه وإصابته ببعض من أمراض الشيخوخة التي قد تتطلب أحيانا عمليات جراحية ، يمكن أن تحمل الأمل بالتحسن ويمكن أن يزيد الوضع معها سوءا. وبالرجوع للجهوية الموسعة فمن المؤكد انها ستحل عددا من الإشكالات،من قبيل عدم المشاركة السياسية، وعدم تجدد النخب، وسيكون الوضع مختلفا في اتجاه الأحسن في هذا المستوى، فضلا عن أن المدن المغربية الكبرى تحظى بميزانيات ضخمة في وقت لاتملك فيه إلا صلاحيات ضئيلة، مع وجوب الرجوع في كثير من القضايا ذات الطابع المحلي إلى الإدارة المركزية أو مايعرف بسلطة الوصاية . وأمام هذه الورش الكبير (الجهوية الموسعة) الذي سيخلق مغربا متجددا سيكون من الصعب الحفاظ على التقسيم الحالي للجهات (16 جهة) باستحضار شروط التضامن والموارد المالية والموارد البشرية والتقارب في التقاليد والعادات، وما إلى ذلك من شروط يعتبرها متخصصون أساسية لقيام جهات أقرب ماتكون لحكومات إقليمية قابلة للاستمرار والتطور، ومن تم سيكون خيار تقليص العدد إلى سبعة جهات وربما أقل أكثر منطقية ومعقولية، الأمر الذي سينعكس قوة وكفاءة على التدبير الاقتصادي والتنموي والسياسي كذلك للمغرب الجديد أو المتجدد.