منذ انهيار الاتحاد السوفيتي المذهل، وسقوط الكتلة الشرقية في أعوامٍ قليلة معدودة، وذهاب الفكر الشيوعي بلا رجعة، رأى بعض المحللين والراصدين للأوضاع داخل الاتحاد السوفيتى، أن ميخائيل جورباتشوف الرئيس السوفيتي آنذاك استجاب لنداء العقل والمنطق، ولم يتكبر بأن يعلن عن التحول السوفيتي في نظريته التي سماها فيما يعرف "بالبروسترويكا والجلاسنوست"، وبالفعل انتهت الإمبراطورية السوفيتية في غضون عامين أو يزيد قليلًا، بما يوحي برمزية النظرية وصدق توقعات جورباتشوف في الأعوام الأخيرة، ويرجع المحللون سقوط الاتحاد السوفيتي وما تبعه من انهيار للشيوعية إلى عدة عوامل، من أبرزها إقصاء الدين عن الحياة العامة، والهزيمة الروسية المذلَّة في حرب تحرير أفغانستان، والتي بدأت بالغزو الروسي في 27 ديسمبر عام 1979م، ثم الخروج الروسي والهزيمة المذلة أمام ميليشيات وطنية كانت تدافع عن وطنها من منطلق دافع وطني وديني، ومن أبرز القادة الذين قاوموا الروس في أفغانستان، وتسببوا في هزيمتهم المذلة عبد رب الرسول سياف، قلب الدين حكمتيار، أحمد شاه مسعود وغيرهم. شبح فيتنام وفي نفس الظروف تقريبًا تخوض أمريكا حربًا ضروسًا في أفغانستان، ويحلق في الأفق شبح الهزيمة على الجنود الأمريكان، لذلك انطلقت الصيحات من كل حدبٍ وصوب بضرورة الخروج من المستنقع الأفغاني قبل أن تلقى أمريكا نفس مصير الاتحاد السوفيتي السابق، مما دعا بعض القادة العسكريين والسياسيين بضرورة مراجعة السياسة الأمريكية فيما يخصُّ الحرب الأفغانية، لذلك دعا سياسي أمريكي مخضرم وكاتب مرموق الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى مراجعة استراتيجيته في أفغانستان، محذرًا من مغبة فشل ذريع مع استمرار نزيف الأموال والأرواح، على غرار الإخفاق السوفيتي، والذي انتهى بانهيار دولة عظمى، السيناتور الديمقراطي السابق جورج ماكجيفرن الذي نافس ريتشارد نيكسون في انتخابات 1972 خرج عن صمته الطويل ودعا إلى الاعتبار من انهيار الإمبراطورية السوفيتية غداة هزيمة مذلة في أفغانستان، مذكِّرًا أيضًا بالفشل الأمريكي الكبير في فيتنام التي حشدت لها البنتاجون نصف مليون جندي، ومليون من المرتزقة وأشار إلى أن واشنطن واصلت الحرب لدعم حكومة فاسدة في سايجون. ماكجيفرن الذي قاد في ستينيات القرن الماضي حملة لإعادة الجنود من فيتنام، حذَّر أوباما من إرسال مزيد من القوات إلى أفغانستان، وقال: إن الحسنة الوحيدة لتراجيديا فيتنام هي منع الرؤساء بعد ليندون جونسون من المخاطرة العسكرية، وأعرب عن اندهاشه من قرار أوباما بالتصعيد في حرب خاطئة، وبنفس المنطق جدَّد التذكير بأن المزيد من القوات الأمريكية سيحمي حكومة فاسدة في كابول، وأن الحرب ستؤدي إلى إفلاس أمريكا؛ فديونها بلغت 12 تريليون دولار، والبلاد تمرُّ بحالة كساد خطير، ماكجيفرن الذي ينتمي إلى فئة الوطنيين القدامى والساسة قليلي الكلام إلا في الحالات القصوى، رأى المحللون في تحذيراته شيئًا مهمًّا، لأنه لم يكن ليخرج عن صمته لولا رؤيته خطرًا عظيمًا يهدد أمريكا. تزايد المخاوف ماكجيفرن لم يكن الوحيد الذي حذَّر من الكارثة والانهيار الأمريكي، فالكاتب المرموق جيم هوجلاند أكَّد أن الولاياتالمتحدة انزلقت إلى الشرق الأوسط الكبير نتيجة لهزيمة بريطانيا العظمى في حرب السويس (1956) واضطرارها للانسحاب من عرش الإمبراطورية العظمى، وأشار هوجلاند إلى أن الإمبراطورية الأمريكية المنتشية بقوتها الاقتصادية والعسكرية غاصت في المستنقع الشرق أوسطي أكثر فأكثر بسبب المغامرات العسكرية الصهيونية في المنطقة العربية، وانتقد هوجلاند إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش، ووصفها بالكارثة، واتهمها بتوريط الولاياتالمتحدة في حربين بأفغانستان والعراق، وطالب بلجنة تحقيق مستقلة نزيهة على غرار لجنة التحقيق البريطانية (لجنة شيلكوت الخماسية) لكشف زيف الادعاءات التي ساقتها الإدارة السابقة لشن حرب غير شرعية. وفي النهاية فإن من يتتبع السياسة الأمريكيةالجديدة في أفغانستان بعد مجيء الرئيس الأمريكي باراك أوباما لا يلحظ أي تغير واضح أو تحوُّل ملحوظ، بل على العكس تمامًا، باراك أوباما طالب بزيادة أعداد الجيش الأمريكي، وأيضًا طالب بزيادة الميزانية الأمريكية المخصصة من أجل الحرب في أفغانستان، على أية حال فالواضح أن شبح فيتنام بدأ يخيِّم بقوة على الحرب في أفغانستان، وأن الهزيمة الأمريكية هناك ستكون مدويةً، وبخاصة بعد تحذيرات ماكجيفرن وهوجلاند بأن أمريكا نفسها أصبح مستقبلها على المحكّ، فهل سيشاهد هذا الجيل السقوط الأمريكي الكبير في أفغانستان، كما شاهد من قبل انهيار الشيوعية وكان أحد أبرز أسبابها الفشل أيضًا في افغانستان؟ ربما. *الإسلام اليوم