الكاتب الأمريكي صمويل هنتنجتون الذي أثار جدلا عالميا حول كتابه الشهير "صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي الجديد" يطل بعد رحيله على قراء العربية بكتاب آخر يعترف فيه بأن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن حدد هوية الولاياتالمتحدة "بأنها أمة مسيحية" منذ هجمات 11 سبتمبر أيلول2001. ويقول إن بن لادن "حدد بدقة" الهوية المسيحية لأمريكا وإنه "عدو جديد خطير أكيد" ملأ الفراغ الذي أحدثه الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل جورباتشوف. ويضيف هنتنجتون "1927-2009" في كتابه "من نحن؟.. المناظرة الكبرى حول أمريكا" تحت عنوان "الإسلام المتشدد في مواجهة أمريكا" أن أمريكا في نظر المتشددين الإسلاميين عدو للإسلام "ولا يمكن للأمريكيين إلا أن يروا في المتشددين الإسلاميين عدوا" لبلادهم ويعتبر المؤلف هذه العلاقة حربا جديدة لها كثير من سمات الحرب الباردة. ويحدد بعض هذه السمات بشبكة من الخلايا عبر العالم يقول إن الجماعات الإسلامية المتشددة تحتفظ بها مثلما فعل الشيوعيون خلال الحرب الباردة. ويقول إن وصف الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان للاتحاد السوفيتي بأنه إمبراطورية الشر "يماثل" وصف الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش " لدولتين إسلاميتين هما العراق وإيران إلى جانب كوريا الشمالية بأنها إمبراطورية الشر" بما يعني تحويل الحرب الأيديولوجية مع الشيوعية إلى الحرب الدينية والثقافية مع الإسلام المتشدد. وبما يشبه الاتفاق في الرأي يسجل هنتنجتون التساؤل الذي طرحه الكاتب الأمريكي جون أبدايك.. بدون الحرب الباردة ما جدوى أن تكون أمريكا؟ ويقول هنتنجتون إن النظرية الاجتماعية والشواهد التاريخية تدل على أن عدم وجود عدو خارجي أو "آخر" يشجع على عدم الوحدة الداخلية فغياب التهديد الخارجي في رأيه يقلل من الاحتياج لحكومة قوية وأمة متماسكة. وكتاب "من نحن؟.. المناظرة الكبرى حول أمريكا" الذي ترجمه إلى العربية أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة أحمد مختار الجمال يقع في 526 صفحة كبيرة القطع وصدر عن المركز القومي للترجمة في القاهرة وراجعه وقدم له السفير المصري السابق السيد أمين شلبي الذي يقول إن كتاب هنتنجتون الجديد "امتداد وتوسيع" لكتابه "صدام الحضارات". ويضيف أن المؤلف "يحذر من تآكل الهوية الأمريكية وأساسها الأنجلو- بروتستانتي وما يتهددها من انقسام لغوي وثقافي... يضع أمريكا في مواجهة الإسلام". ويقول هنتنجتون إن أحد أسباب "عداء" المسلمين لأمريكا هو "التأييد الأمريكي لإسرائيل" ولا يستبعد أن تنخرط أمريكا في السنوات القادمة "في أنواع مختلفة من الصراعات العسكرية مع الدول والجماعات الإسلامية" إلا أنه يتساءل.. هل ستوحد هذه الحروب أمريكا أم أنها ستؤدي إلى انقسامها؟ ويقارن بين موقف أوروبا وأمريكا من الدين مسجلا أن التدين يميز الأمريكيين عن معظم الشعوب الأوروبية إذ إن "الأمريكيين مسيحيون بشكل طاغ... تدين الأمريكيين يقودهم إلى أن يروا العالم على أساس الخير والشر" بدرجة تفوق رؤية الآخرين لهذه الثنائية. ويتابع قائلا إن زعماء المجتمعات الأخرى يرون "هذا التدين ليس فقط فوق العادة بل إنه أيضا مزعج بالنسبة للقيم الأخلاقية العميقة التي يولدها هذا التدين" عند بحث قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية من خلال منظور ديني. ولا يرى هنتنجتون غرابة في هذا إذ "سار الدين مع القومية متعانقين في تاريخ الغرب". ويقول إن عقد التسعينيات شهد تحولا كبيرا نحو الدين إذ "أيد الأمريكيون بشكل ساحق" أن يكون للدين دور أكبر في الحياة العامة وأيد 78 بالمئة عام 1991 أن يسمح للتلاميذ بأداء الصلاة داخل المدارس بعد أن كانت المحكمة العليا عام 1962 "حظرت الصلوات الإجبارية في المدارس". ويسجل أن الدين لعب دورا بارزا في الانتخابات الرئاسية عام 2000 إذ أنشأ الرئيس السابق بوش في البيت الأبيض بعد عشرة أيام من توليه السلطة مكتبا للمبادرات القائمة على الدين ذات الطابع الخيري وخصص له مراكز في خمس وزارات لتسهيل تنفيذ برنامجه وهو "إجراء غير مسبوق لم تفكر فيه الإدارات السابقة وأصبح الدين عنصرا شرعيا في أداء الحكومة الفيدرالية لوظائفها بطريقة لم تحدث من قبل". ويقول إن القرن الحادي والعشرين هو بداية "عصر الدين فالنماذج العلمانية الغربية للدولة تواجه تحديا ويتم استبدالها" في أكثر من دولة ومنها الجمهورية الإسلامية في إيران وروسيا التي "اعتبرت الأرثوذكسية أمرا جوهريا" وتركيا والهند. وفي الولاياتالمتحدة عام 2002 "آمن 59 بالمئة بأن التنبؤات الغيبية في سفر الرؤيا ستتحقق".