قضت المحكمة الابتدائية بالرباط بسنة سجنا نافذا في حق إدريس شحتان مدير تحرير أسبوعية "المشعل" مع تطبيق مقتضيات الفصل 392 من قانون المسطرة الجنائية، أي إيداعه فورا السجن رغم الاستئناف المقدم من طرفه ضد الحكم الابتدائي فيما يشبه النفاذ المعجل لحكم سالب للحرية؟؟؟. وظلت الأسبوعية مستمرة في الصدور بانتظام تحت إشراف مدير نشرها المودع بالسجن، مادام الحكم الصادر في حقه لم يجرده من حق من حقوقه الوطنية أو حقوقه المدنية، إلى أن تدخلت النيابة العامة في شخص السيد وكيل الملك بالدارالبيضاء لتوجيه قرار شفوي إلى هيئة التحرير بإيقاف نشر توزيع الأسبوعية. هل هذا الاتجاه الذي سارت فيه الأمور يتماشى مع روح القانون وغايات المشرع ويعكس روح الدستور الذي جعل من حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا، مرتكزا على كل القوانين الوطنية في محاولة لتفسير الإجراءات المتخذة بروح من المسؤولية وعلى قاعدة حسن النية، حاولنا فهم هواجس النيابة العامة من احتمال وقوع حادث يستوجب المساءلة القانونية في غياب مادي لمدير نشر الأسبوعية، المغيب قسرا، بعد تطبيق مقتضيات الفصل 392 من قانون المسطرة الجنائية في غير محله، وبعيدا عن الغايات التي من أجلها شرع أصلا، تقدمنا للسيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط بطلب الإذن لإدريس شحتان بتوقيع تفويض لصلاحياته كمدير نشر، لأحد أعضاء هيئة التحرير في انتظار خروجه من السجن، فأحالنا أحد نوابه الأولين على أحد نوابه بملحقة سلا، الذي وجهنا بدوره إلى مدير المؤسسة السجنية المعتقل بها إدريس شحتان بعلة أن القرار الإستئنافي القاضي بتأييد الحكم الابتدائي أصبح نهائيا لأنه لم يكن محل نقض من أي طرف، لكن مدير السجن أحالنا من جهة على السيد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بسلا باعتباره مختصا للبت في هذه الحالة لكون المؤسسة السجنية، تقع تحت دائرته الترابية. إلا أن هذا الأخير واجهنا بنص في القانون المنظم للمؤسسات السجنية الذي لا ينص صراحة على حالة توقيع وتبقى عادية، بل يقتصر على صحتها أحد العدول أو الموثقين أو ضابط الحالة المدنية، وبعد أن ذكرناه بان توقيع الوثيقة يدخل ضمن الحقوق المدنية العادية للسجن، طالبنا بشهادة عدم النقض. وبعد الاتصال مجددا بكتابة ضبط محكمة الاستئناف، تبين أن أجل النقض مازال ساريا، والقرار الاستئنافي بالتالي لم يصر بعد نهائيا، وصلاحية البت في طلب الإذن يرجع للوكيل العام لمحكمة الاستئناف، لنجد أنفسنا فيما يشبه حكاية أكلة البطاطس أمام النائب الأول للوكيل العام، الذي ارتأى أن يجيبنا كتابة عن طلب الإذن، الشيء الذي لم يتحقق إلا بعد انصرام ما يزيد عن أسبوعين، لكن سيكون قمة العبث في هذا المسار السيزيفي، جواب السيد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالدارالبيضاء قصد قرار المنع، على طلب السماح للأسبوعية بمعاودة الصدور بالرفض بعلة، للأمانة ننقلها بالحرف و مفادها أن "التفويض الصادر عن السيد إدريس شحتان لا ينبني على أساس سليم، وذلك وإن كان له الحق في تفويض كل أو بعض مهامه إلى مدير مفوض، فإنه لا يمكنه بأي حال من الأحوال تفويض صفة مدير النشر التي اكتسبها استنادا لمقتضيات الفصلين الرابع والخامس من قانون الصحافة..." وأن "المصادقة على تعيين السيد مصطفى ريحان كمدير نشر مفوض للجريدة والمؤسس أيضا على مقتضيات الفصل 16 من قانون الصحافة أتت من أشخاص ينتمون لهيئة التحرير وهؤلاء ليست لهم صفة الأشخاص الذين عددهم النص القانوني المذكور وهم الملاكون الشركاء أو الشركاء الآخرون أو المجلس الإداري للشركة أو هيئة أخرى تقوم بإدارة الشركة..." وإن "تواجد المسمى إدريس شحتان مدير النشر الفعلي لجريدة "المشعل" رهن الاعتقال، يجعله في استحالة مادية لمباشرة المهام المرتبطة بصفته هاته، إذ أن عائق الاعتقال يحول دون تواجده المادي الذي يتيح له إمكانية البحث عن الخبر ومصدره واطلاع الجمهور عليه وما يستتبعه ذلك من مسؤولية جنائية ومدنية، الشيء الذي يتضح معه بان الوضعية القانونية للجريدة لم تتغير". عود على بدأ، هل هذه الإجراءات فيها احترام لروح القوانين والمواثيق الدولية؟ نجيب جزما بالنفي انطلاقا من المرتكزات التالية: 1- السيد إدريس شحتان مدير نشر أسبوعية المشعل، لم يحكم عليه بالحرمان من حقوقه الوطنية أو المدنية، ومازال يحمل صفته كمدير للنشر، ويمكنه من داخل معتقله الاستمرار في الإشراف على الأسبوعية. وكان حريا بالمؤسسة السجنية وكذا النيابة العامة تسهيل مأموريتة هاته أخذا بالاعتبار صفته كصحافي ومدير للنشر، وإعمالا للمواثيق المتعلقة بمعاملة السحناء. 2- الفقرة الثانية من الفصل 16 من قانون الصحافة تبقى المسؤولية المدنية والجنائية على عائق مدير النشر ولو قام بتفويض بعض أو كل صلاحياته لمدير نشر مفوض، الشيء الذي أراد به المشرع حل مشكلة غياب أو تغييب مدير النشر عن مزاولة مهامه لبعض الوقت، وهو ما كان لزاما على النيابة العامة أن تقرأه قراءة إيجابية بدل اتخاذه ذريعة لإغلاق الجريدة. 3- إن قرار توقيف جريدة عن الصدور، وضعه المشرع في قانون الصحافة كإجراء استثنائي بيد وزير الداخلية في حالات خاصة، مع ضرورة تعليل قراره ومنح الجهة المتضررة حق الطعن في القرار إداريا أمام المحكمة الإدارية. وإن وضعية جريدة "المشعل" تدخل ضمن هذه المقتضيات ولا حق للسيد وكيل الملك تبعا لذلك في إصدار قرار بمنع صدورها أو نشرها، وهو ما يضفي على قراره المتخذ صفة التعسف في استعمال السلطة، وهو ما حذا بنا مكرهين لسلوك مسطرة الطعن بالشطط أمام المحكمة الإدارية. 4- إن بلدنا، في نظرنا، في غنى عن قرار من هذا القبيل يزيد إساءة إلى سمعتها في المحافل الدولية، ولا أدل على ذلك قرار المجلس الوزاري للاتحاد ضمن مطالب أخرى، بإعداد مدونة جديدة للصحافة خالية من العقوبات السالبة للحرية والتي يمكن أن تؤدي إلى متاهات كالتي فرضت على جريدة "المشعل" ومدير تحريرها. الأستاذ الحسني الإدريسي محام بهيئة الدارالبيضاء /نشر بالحياة الجديدة في العدد 84