يوم الأربعاء 9 دجنبر 2009، ليلة حلول الذكرى الواحدة والستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. بساحة البريد بعاصمة المملكة، وعلى بعد خطوات فقط من المدخل الرئيسي لمقر نواب الأمة، البرلمان، تجمع ساخطون آتون من كل فجّ عميق من المغرب السعيد، للتعبير عن تنديدهم وسخطهم وتقززهم، الظاهر والدفين، بخصوص السياسات الاجتماعية والقطاعية ونهج التنمية المعتمدة من طرف الدولة.. وقفوا وتظاهروا منتصبي الهامات، في نظام وانتظام، على مرآى "وليدات العنيكري الذي نُفي مؤخرا إلى أكادير.."، وقف هؤلاء بهدوء واحتشام، متمنين أن تنشق الأرض لتبلعهم، بفعل ظهورهم صغارا لا يكادون يبينون، من جراء إشعاع الجيش العرمرم من المعطلين الساخطين.. لقد بدا "وليدات العنيكري" "قططا من ورق"، لا حول ولا قوة لهم، يخفت كل واحد منهم بصره إلى الأرض، كلما نظر إليه أحد الساخطين الذين ذاقوا كلهم "حلاوة هراواتهم" في فترة من الفترات.. لم يتدخل عناصر الأمن ولم يجرؤا حتى على إظهار "هراواتهم المستوردة"، أغلبهم ظلوا يخفونها عن الناظرين.. في تلك الليلة، لم يدق المعطلون الساخطون "مذاق هراوات وليدات العنيكري". لقد كان من الطبيعي جدا أن لا تحرك قوات الأمن ساكنا ما دام الساخطون أتوا دفعة واحدة، وعزموا على الصراخ بصوت واحدا للتنديد والتعبير عن تقززهم.. فهل ما وقع، يفسره كون "المخزن يخاف ما يحشم".. لم تمر سابقا أية وقفة أمام البرلمان ، نظمها المعطلون الساخطون دون تفعيل "الهراوات"، لكن ليلة الأربعاء، بدا أصحاب هذه "الهراوات" "قططا من ورق" وليس حتى "نمور من ورق" كما قال ماوتسيتونغ لوصف "جهابدة" الإمبريالية، أمام حشود الساخطين.. ومع ذلك انتهت الوقفة ولم يحدث شيئا لأن من نظموها كانوا حضاريين ولم يفعلوا إلا تكريس حقهم الأكيد في الاحتجاج والتعبير عن عدم الرضا وتعرية ما يعتبرونه تجاوزا أو شططا أو فسادا، وهذا أمر عاد جدا في كل البلدان الديمقراطية أو التي تدعي أنها كذلك. فلماذا ظل المخزن لا يسمح بالوقفات الاحتجاجية التي دأبت مجموعات المعطلين تدعو إليها للتعبير عن السخط والمطالبة بالحقوق ولم تفلت أية واحدة منها من "الهرمكة والهراوة"؟ الآن، بعد الأربعاء 9 دجنبر، إذا كان القائمون على الأمور عندنا يتوفرون على عزة نفس ونفحة من "الاحترام والتقدير الذاتي" عليهم أن يحرصوا، من الآن فصاعدا، أن لا يأمروا بتفعيل "الهراوات المستوردة" بمناسبة أية وقفة احتجاجية حضارية في أية ساحة عمومية على امتداد المملكة، حتى ولو حضرها أقل من 10 أشخاص، لأنه لو فعلوا ذلك فستتأكد مقولة "المخزن عندنا يخاف ما يحشم".. فكم من مرّة استفرد "وليدات العنيكري" بالمحتجين الساخطين على الوضع أمام مجلس نواب الأمة لنشر الرعب في صفوفهم والتنكيل بهم وإشباعهم ضربا حتى المكفوفين منهم؟ وكم من مرة حدثت إصابات بالغة بفعل استخدام "الهراوات المستوردة" التي ظلت ساكنة يوم الأربعاء الماضي في ساحة البريد بالعاصمة وأمام البرلمان رغم كثرة الرقاب والظهور المتوفرة لها وقتئذ؟ لقد شهدت هذه الساحة تدخلات همجية، لا تعد ولا تحصى، للسلطات العمومية ويمكن المطالبة بإدخالها في سجل "كينيس" لكن يوم الأربعاء 9 دجنبر، تغير كل شيء إذ ظهرت "الهراوات" كأنها "هراوات مُواطِنة" لساعات أمام أمواج الساخطين الآتين من كل فج عميق، فهل فعلا عزم المخزن على التخلي عن نهج تفعيل "الهراوات المستوردة" ضد المحتجين أمام البرلمان وغيره، مهما كان عددهم، أم أنه لم ولن يقو على ذلك لأن طينته تفرض عليه أن "يخاف ما يحشم".. وإلا كيف يمكن أن يفسر القائمون على سياساتنا الأمنية، إشباع المحتجين ب "الهراوة والهرمكة" طيلة السنة، لكن الامتناع عن ذلك عندما أتى المعطلون الساخطون يوم الأربعاء الماضي من كل فج عميق إلى ساحة البريد وأمام البرلمان بالعاصمة؟ فهل سنحيى، بعد يوم الأربعاء، مرحلة جديدة، مرحلة المخزن المقتنع ب "الهراوة المُواطِنة" ليتخلص من وصف: "المخزن يخاف ما يحشم". [email protected] mailto:[email protected]