يبدو أنه ليس الإنسان وحده الذي يعاني بهذا الوطن الصبور من التعسفات المستمرة للآلة السلطوية ومن بطش بعض العقليات التي تحن إلى العهد البائد لوطن القمع والتنكيل، بل أصبح السيناريو ذاته يتكرر مع ذوات الأربع دون رحمة في مغربنا المعاصر. في أحداث فاس مطلع التسعينيات كانت الدماء الأولى التي خضبت زقاق " الطالعة الصغيرة " الشرارة التي فجرت الأوضاع. لم تكن تلك سوى دماء حمار " بّا بنعيسى"، حيث كان تلك الصبيحة يبيع نعناعه كالعادة في أحشاء المدينة العتيقة حين داهمته أمواج بشرية غاضبة قبل أن يتطوع شابان ويسقطا الحمار أرضا ثم يذبحانه من الوريد إلى الوريد. كانت دماء حمار "بّا بنعيسى" مؤشرا مبكرا على مجزرة الإضراب العام آنذاك0 المشهد ذاته يتكرر هذه الأيام مع المواطن السوسي أحمد أجرود (44 سنة) من دوار مزديفة سابادو أيت أورير إقليممراكش، عندما داهم شيخ القبيلة وقائد الجماعة مسكنه وحجز حماره منذ 15 أبريل الماضي، الشيء الذي دفعه لتقديم شكاية بالمعتديين ورجال السلطة المتواطئين معهما. لكن بعدما سدت أمامه كل السبل على مستوى ولاية مراكش، وبعدما أصبح مصدر عيشه وراء القضبان، وبدافع الإحساس بالمهانة وهو يرى حماره يحتضر من الجوع والعطش منذ شهور أمام أعين سلطة مجردة من أي إحساس، قام صاحب المعتقل غير العادي ( الحمار ) بتحرير رسالة مفصلة تتضمن كرونولوجيا دقيقة ومؤلمة لمسار هذا الحيوان. وشد الرحال إلى العاصمة الرباط صبيحة الخميس 3 دجنبر2009 عازما على وضع نسخة منها على مكتب السيد شكيب بن موسى، وأخرى على مكتب السيد أحمد حرزني رئيس المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان، ورئيس الجمعية المغربية للرفق بالحيوان. لتشاء الأقدار مرة أخرى أن نودع سنة 2009 بمعاناة حمار تم اختطافه قسرا وسجنه وتجويعه دون أي سبب يذكر