عادت يومية "الأحداث المغربية" في عددها ليوم الجمعة الماضي في ركن "من صميم الأحداث" لتمارس لعبة التشويش على مسار الانتقال الديموقراطي وإرادة طي صفحة الماضي ببلادنا، متناسية حديثها المنتظم عن الحداثة والديموقراطية، وكان يكفيها أن تقرأ فقط التغطية التي أنجزها أحد صحفييها لافتتاح أشغال الدورة الأولى للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ببلادنا، لتجنب الخوض في هذا الملف. فقد عمد محرر الركن إلى التهجم والافتراء على اللائحة الأولية للمعتقلين السياسيين الإسلاميين، التي نشرتها يومية "التجديد" في عددها الصادر يوم الخميس الماضي بدعوى أنها تضم عددا من القتلة والأشرار. وبالنظر إلى أن هذه الاعتراضات لا تطرح لأول مرة من أجل الوقوف في وجه المطالبة بإطلاق ما تبقى من المعتقلين السياسيين، وإنما هي نغمة مكرورة منذ بداية التسعينيات، واقتضت حوارات عدة مع الهيئات الحقوقية الوطنية حتى تبنى عدد منها غالبية المدرجين في اللائحة المنشورة بيومية التجديد، على اعتبار أن تلازم حصول أحداث عنف في بعض الحالات مع عملية الاعتقال لا ينفي الخلفية السياسية الموجهة، فضلا عن أن المعتقلين في كل من قضايا مجموعة 71 ومجموعة 26 -وجدة ومجموعة مراكش الإسلامية (1986)، لم يرتبطوا بأحداث عنف والحكم بأنهم مجرمون عبارة عن كذب مبين يقوم بمواصلة ترديد افتراءات أجهزة القمع السلطوي ببلادنا والتي بدأنا نتعافى منها في العهد الجديد لولا بعض الجهات المتنفذة ذات الامتدادات الإعلامية والتي تحرص على استمرار العهد البائد. لقد تطوعت يومية الأحداث بإعطاء الدروس بخصوص كيفية الرد حول المطالبة بتصفية ملف المعتقلين السياسيين، رغم أن القرارالسياسي ببلادنا قد تجاوزها عند ما عفا عن ستة أفراد ضمن مجموعة بن جلون في عفو 1998، ولم يتبق منهما إلا الأخوان مصطفى خزار وأحمد سعد واللذين سبق لهما الاستفادة من تخفيض الحكم من الإعدام إلى المؤبد ثم إلى 30سنة، لم يتبق منها إلا ثلاث سنوات وتنتهي، كما تم العفو عن غالبية أفراد مجموعة 71 المحكومة في صيف 1984 باستثناء فردين منها، هما الأخوان أحمد شهيد والشايب أحمد، رغم خصوصية ملفهما بحكم محاولتهما الفرار وما ترتب عن ذلك من أحداث، إلا أن خلفية الاعتقال بقيت في الأساس خلفية سياسية، ونفس الأمر نجده مع الأخوين المتبقيين من مجموعة وجدة والتي حوكمت في سنة 1985 وتم العفو عن 14 معتقلا منها واستثني إثنان هما حكيمي بلقاسم ومصطفى عوقيل، مع الإشارة إلى أن حالة حكيمي بلقاسم تتسم بمفارقة صارخة حيث تم أعفي عن أخيه وتم استثناؤه رغم أنهما كانا محكومين بنفس الحكم وهو الإعدام. وحقيقة عندما يطلع القارئ على ما احتواه ركن من صميم الأحداث يحمد الله على أن محرره ليس ممن يحكمون في هذا البلد وإلا ازدادت أوضاع الحريات انتكاسا ولبقي المعتقلون المسجلون في القضايا الآنفة الذكر حبيسي السجن أبد الآبدين. وبخصوص القضايا المتعلقة بملفات تهريب السلاح إلى الجزائر والتي كانت محط محاكمتي 1994 و1996 وأدت إلى سجن أربعة عشر معتقلا، فلا يجب أن نكون في هذه القضايا جزائريين أكثر منهم، فمع مجيء الرئيس الجزائري بوتفليقة في ربيع 1999 طرح مشروع الوئام الوطني بالجزائر والذي اعتمد بالاستفتاء الشعبي في شتنبر1999 وكانت محصلته العفو على المتورطين في الأحداث الدامية التي عرفتها الجزائر طيلة عقد التسعينيات وشاهد الرأي العام الدولي عملية المصالحة الوطنية، على الرغم من الأصوات الشاذة التي عملت على عرقلة هذا المسار. محررالركن عمد إلى إعادة طرح قضية ملف طلبة وجدة الذين توبعوا على إثر أحداث العنف الجامعي والتي عرفها مطلع التسعينيات ببلادنا، وبالتالي مصادرة حقهم في الاستفادة من العفو بدعوى تورطهم في جريمة قتل طالب جامعي، والحاصل أن نفس الأحداث والتي شارك فيها نشطاء اليسار القاعدي تم العفو عنهم رغم تورطهم في أحداث العنف الجامعي، فضلا عن أن عمليات تصفية ملف الاعتقال السياسي ببلادنا شهدت حالات من نفس النوع وتم العفو عنها من مثل حالة المعتقل السياسي السابق أحمد الخيار والذي تورط في عملية قتل، وغيرها من حالات المتورطين في الأحداث الانقلابية والمؤامرات المسلحة المدعومة من الجزائر وغيرها في السبعينيات، والتي مافتئت يومية الأحداث المغربية تنشر حوارات مطولة مع فاعلين سابقين في هذه الأحداث وتقدمهم كمعتقلين أو معارضين أو منفيين سياسيين سابقين، والحاصل أن المرء علبه أن يكون منسجما مع ذاته، فما يحله لنفسه لايحرمه على الآخرين، اللهم إلا إذا كان يعاني من الازدواجية. يضاف لماسبق أن هناك حالات فريدة ضمن القائمة المنشورة كحالة كل من محمد بوصوف وعبد الوهاب النابت والتي جرت محاكمتهما بعد تدشين مسلسل العفو في 1994، والتي لم ترتبط بأدنى جرائم أو أحداث دموية، ومما يبرز إرادة التضليل ادعاء محرر ركن من "صميم الأحداث" أن القائمة تتضمن المعتقلين في أحداث محاكمة فاس 1995 والمعروفة بأحداث أطلس أسني، وهذا محض كذب. فرغم أن المقال تطرق إليهم إلا أن القائمة المنشورة لم تتضمنهم وإلا أصبح عدد المدرجين في القائمة 42 معتقلا عوض 36 معتقلا وهو الرقم الذي ورد في ركن من صميم الأحداث مما يدل على القراءة المتسرعة التي قام بها صاحب الركن للمقال، رغم أن قضيتهم تحتاج لمعالجة خاصة، ومراجعة الأوضاع القاسية لاعتقالهم وخصوصا بالسجن المدني بسلا. يبقى أن نذكر بأن عددا من الهيئات الحقوقية ببلادنا تبنت ملفات غالبية المعتقلين الذين أوردتهم جريدة "التجديد" وخاصة كل من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف واللتان تبنتا القضايا المرتبطة بكل من مجموعة 71 ومجموعة 26 ومجموعة مراكش بمحاكماتها الثلاث، ومحاكمة يونيو1999، والمحاكمتين العسكريتين ل1994 و1996، بل إن المنتدى قد انخرط مؤخرا في سلسلة مبادرات لتحريك المطالبة بتصفية هذه الملفات، فهل ستتهم يومية "الأحداث المغربية" القائمين على هاتين الهيئتين الحقوقيتين بكونهما يصدق عليهما المثل الذي استشهدت به من أن "المدافع عن الشر والأشرار فهو منهم". الأكثر من ذلك هو أن المجتمع المدني بدأ يتحرك لصالح قضايا المعتقلين وتشكيل لجن عمل للمطالبة بإطلاق سراحهم، مثل "لجنة العمل من أجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين حكيمي وعوقيل". أما عن المتابعات الجارية سواء ما رتبط بقضية المتابعين من جماعة العدل والإحسان بسبب أحداث اليوم العالمي لحقوق الإنسان، أو المتابعين في القضية المسماة بملف "السلفية الجهادية" أوفي قضية المحالين على القضاء بعد تعرضهم للاختطاف من طرف الأجهزة الأمنية لمدد تفوق الشهر، في مختلف هذه القضايا برز الوجه الحقوقي جليا حيث تفتقد المتابعات الجارية الأدلة الملموسة المبررة للمتابعات، بل على العكس من ذلك فإنها تزيد من تشويه صورة المغرب في مجال حقوق الإنسان وتهدد بالارتداد على المكتسبات المحققة. المعطيات الآنفة الذكر تثبت حجم التخلف الحقوقي الذي تعرفه يومية الأحداث المغربية، والتي في سعيها للتهجم على حزب العدالة والتنمية ويومية التجديد لم تتوان في المتاجرة بقضية حقوقية هي فوق الاعتبارات السياسية والحزبية والفئوية الضيقة، وأحرى بها أن تأتي البيوت من أبوابها. مصطفى الخلفي.