أصبح التحرش الجنسي ظاهرة في المجتمعات العربية ومعلومة أولى تلقن للسائحات الأجنبيات في دلائلهن السياحية ، وهي ظاهرة لا يمكن معالجتها إلا من بوابة التعليم. وقد آن الأوان لإيجاد صيغة ملائمة لإدماج الثقافة الجنسية في المنظومات التربوية ، ذلك أن منظومة الوعظ الديني لم تفلح في معالجة الظاهرة لا بل على العكس فاقمت منها وهولتها ، لأن هذه المنظومة ترفض التجديد من جهة ، ومن جهة أخرى فقدت ميزان الأولويات في معالجة قضايا الناس وتلك مسألة أخرى. إن التحرش الجنسي لا يرجع إلا مجرد الإشتهاء ، بل إن أساسه نفسي مرتبط بالتصور العام للمرأة في المجتمعات العربية ، لا أرى أي علاقة بين النص الديني وفهم الفقهاء لهذا النص ، فهم الفقهاء ساهم في بروز تصور تقليدي هول من جسد المرأة ، بل أدى بعضه إلى ظهور نظرة شاذة تجاهها لا تقل انحرافا عن التطرف الكنسي الذي يرى المرأة مصدر الغواية والفجور وينبوع المعاصي والشرور ، ف"النساء حبائل الشيطان" ، و"المرأة عورة يستشرفها الشيطان" فهما مقولاتان منسوبتان لنبي الإسلام فإن قيل في الأولى لا أصل لها ويمكن في الثانية أن تفهم بوجه لا يسيء للمرأة ، إلا أنهما ومثيلاتها من المأثورات حتى على مستوى الأمثال الشعبية شكلت إطارا للتعامل مع المرأة عموما وفق تصور عام يحط من شأنها ! وهي نظرة أساسها نفسي انفعالي لا عقلاني. لابد أن ندرك أن بجانب الفهم دائما حالة سيكولوجية تؤثر على مستوى الخطاب ، والخطاب الدعوي عموما لاعقلاني يدغدغدغ الشعور الديني أكثر مما يتوسل بأدوات الإقناع الحجاجي العقلاني ، هذه الحالة السيكولوجية هي نوع من الزيادة على النص وهو ما يجعل الفهم بشريا محضا قابلا للأخذ والرد ، وهو جانب لا عقلاني لا يخضع للأصول والقواعد وإن كان ممكنا حمله على مركب اللغة وإخفاءه بأساليب البلاغة ! كما أن هذا التحرش الجنسي هو تعبير خفي من الرجل على حالة عدم الرضى لأن المرأة خرجت من طوق التقليد وجلبابه معانقة الندية ، معبرة عن حريتها وكذلك ركوب المغامرة اللامحدودة على قدم المساواة مع الرحل ! أي أن الرجل التقليدي يعي أن المرأة منافس ولم تعد تابعا !