العلاقات الدبلوماسية بين مملكتي بريطانيا و المغرب عمرها 800 سنة و هذا ما يفسر وجود قنصلية التاج البريطاني في واحد من أعرق زقاق المدينة القديمة بالرباط و تحديدا بزنقة "القناصلة" غير أن أحدا لم يكن يعرف البيت التاريخي الذي كان يطل منه القنصل البريطاني على نهر أبي رقراق و ميناء سلا رعاية للمصالح الاقتصادية و السياسية لواحدة من أكبر الأمم التي وصلت هيمنتها الى جل القارات. هيو روبرتسون، وزير الدولة في الشؤون الخارجية لمنطقة شمال افريقيا و الشرق الأوسط و الكومنويلث، زار الرباط و دخل زحام "السويقة" بحثا عن جزء من تاريخ بلده بعد لقاءات مع وزراء و برلمانيين و فاعلين مدنيين. كنت أظنني في بيت القنصل الفرنسي.. كان موعد لقاء الوزير البريطاني محددا في الساعة الثالثة بعد الزوال، غير أن روبرتسون "تَمَغْرَبَ" في موعده وتأخر زهاء النصف ساعة بعدما تجاوز لقاءه مع بعض أعضاء البرلمان المغربي الوقت المخصص، إحدى العاملات بقسم الاتصال بالسفارة البريطانية علقت على الموضوع باسمة بالقول "أن الموعد يبقى بريطانياً بتأثير مغربي..". في انتظار الوزيرن تحدثت هسبريس الى أحد سكان البيت الذي كُلِف باستقبال الوزير صحبة السفير. بالنسبة للخمسي، الذي ولد و ترعرع بالقنصلية البريطانية داخل زنقة "القناصلة" و البالغ من العمر 43 سنة، فالبيت كان في ما مضى مقرا للقنصلية الفرنسية دون أن يعرف يوما، لا هو و لا الأسر الأربعة التي تقطن المكان حاليا، أن مسقط رأسه و حضن طفولته هو في الواقع قنصلية سابقة للتاج البريطاني. ظهر الوزير البريطاني صحبة السفير و بعض أعضاء السفارة البريطانية بالمغرب فتبعه المصورون بكاميراتهم الى أحد البازارات حيث اقتنى عددا من المنتوجات التقليدية المغربية التي وضعها في كيس بلاستيكي قبل أن يتوجه صوب القنصلية القديمة. هناك كان الخمسي في الانتظار، الذي تبادل صحبة البريطانيين أطراف الحديث و طلب منهم تسلق الدرج لزيارة البيت إلا أن السفير اعتذر بأدب جم مخبرا إياه أن البرنامج لا يسمح و أن عددا من المغاربة الذين درسوا في بريطانيا ينتظرون قدوم الوزير في مكان غير بعيد. هسبريس علمت، من مصادر داخل السفارة، أن السفير إبان بحثه قبل أيام عن مكان القنصلية، صعد الى البيت و زار السطح و قارن الصور التاريخية الموجودة بأرشيف السفارة بالبناية فتأكد من أنه في المكان الصحيح غير أنه قرر عدم الصعود للبيت صحبة الوزير نظرا للتغييرات التي وقعت بالبيت و اكتظاظ سكانه بعدما تحول الى سكن لأربعة أسر. من "دار البناية السعيدة" الى الأوداية في منتصف القرن التاسع عشر عين السلطان مولاي سليمان أحد الفقهاء وسيطا مع القناصلة و بعدها تأسست "مؤسسة" مخزنية تسمى دار السعادة تعنى بالاتصال مع التمثيليات الدبلوماسية بتطوان و طنجة، بما فيها التمثيلية البريطانية الوازنة أنذاك، غير أن الزمن تغير و هو ما يفسر سلاسة تنقل وزير الدولة البريطانية في الشؤون البريطانية بين أزقة المدينة القديمة و لقائه مع فاعلين مختلفين بنفس سلاسة التنقل مشيا على الأقدام. نزل الوزير و الوفد المرافق له درجا مطلا على نهر أبي رقراق و دخلوا مقر "دار الصانع" الذي يحتضن معرضا للصناعات التقليدية من دول مختلفة، نظمه الجسم الدبلوماسي بالمغرب بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. توجه السفير بضيفه الوزير مباشرة نحو معرض لوحات فنية رسمتها نساء السفراء و بناتهم. قدم السفير ألدرتون لضيفه لوحة "الفرس الأزرق" التي رسمتها "روزي ألدرتون" إبنة السفير بمداد أزرق و كتبت تحتها "لوحة غير معروضة للبيع". خرج الوفد الدبلوماسي من المعرض كما دخل على إيقاع موسيقى أندلسية يترأسها منشد كفيف كان يغني معتمدا في قراءة قصيدته على طريقة "براي". توجه الجمع نحو مقهى قصبة "الأوداية" عبر حديقتها الأندلسية حيث كان في انتظار الوزير 9 أطر مغربية من أجيال مختلفة استفادوا من منح دراسية ببريطانيا. قدم الحاضرون للوزير أنفسهم و مساراتهم العلمية و الجامعات التي ولجوها ببريطانيا قبل أن ينصب الحديث عن المنح و البعثات الجامعية و سبل تقوية العلاقات البينية بين البلدين عبر بوابة الثقافة و المجتمع المدني و دعم مشاريع الحكامة بأوجهها المختلفة. الوزير الذي استبدل الشاي البريطاني بشاي مغربي منعنع و حلوى "كعب غزال" كان يتفاعل مع مختلف المتدخلين معتمدا على الدعابة و الروح المرحة التي يمتاز بها. استمع الوزير بعد ذلك لشروحات حول مشروع تهيئة ضفتي نهر أبي رقراق و مشروع المسرح الضخم على نفس الضفة قبل أن يستقل الجميع سيارات السفارة نحو إقامة السفير. حديث عن القضايا "الشائكة" قبل أن يأتي الوزير "هيو" الى المغرب صرح لصحافة بلده أنه يتطلع كثيرا الى زيارة المغرب بعد توليه لمنصبه الجديد كوزير لشؤون الشرق الأوسط و شمال إفريقيا. الوزير الذي اعتبر المغرب شريكا هاما للمملكة المتحدة في القضايا الدولية وُوجه بأسئلة متفاوتة من الصحافة الوطنية و الدولية التي استضافتها الإقامة. في جوابه عن سؤال لوكالة المغرب العربي للأنباء حول "الإصلاحات الطموحة التي يقودها الملك محمد السادس.." أجاب الوزير أن المملكة المتحدة لا تعطي الدروس لأي دولة.." قبل أن يضيف "أن المغرب ليس نموذجيا في كل شيء رغم تحقيقه بعض الانجازات..". أما في جوابه عن سؤال لوكالة الأنباء الفرنسية حول زيارة وفد بريطاني للأقاليم الصحراوية و حديث أحد الصحفيين البريطانيين المرافق للوفد عن "قمع أمني ووجهت به إحدى المظاهرات السلمية هناك.." فقد أجاب "هيو روبرتسون" أن وفدين برلمانيين زارا الصحراء و ليس وفد واحد و انه التقى الوفدين كما التقى الصحفي المعني بالسؤال و لم يحدثه أي منهم عن حادث من هذا النوع. الوزير جدد موقف بلده الرسمي و الداعي الى دعم مساعي الأممالمتحدة و التمسك بالشرعية الدولية. هسبريس طرحت سؤالا عن الآلية المعتمدة لتتبع برنامج "الشراكة العربية" بين المغرب و المملكة المتحدة و التي خصصت لها لندن مبلغ 2.5 مليون جنيه إسترليني لدعم البلد في مجالات: تعزيز المشاركة السياسية و الحكم الرشيد و تحسين الولوج الى المعلومة و مكافحة الفساد.. الوزير أجاب أن المشروع جاء لدعم طموحات شعوب المنطقة في الدمقرطة بمناسبة "الربيع العربي" موضحا أن عددا من الخبراء في السفارة بالرباط و لندن يتتبعون المنجزات و كذلك الصعوبات و أن التقييم إيجابي عموما وفق تصريح البرلمانيين الذين تحدثوا إليه قبل لقاء الصحافة.