قبل السنة الماضية، كان المغاربة يترجون من الخالق مدهم بأمطار كافية تقيهم شبح الجفاف، وتحمي أراضيهم وماشيتهم من الموت عطشا وجوعا، وتضخ الدماء في قطاع الفلاحة الشريان الذي لا يزال المغرب يعتمد عليه في اقتصاده، وكانت الأخبار القادمة من بعيد عن الخسائر البشرية والمادية التي تخلفها الأمطار غريبة عن المغاربة وغير مفهومة، لكن منذ السنة الماضية أصبحوا أكثر حذرا في التعامل مع قطرات الغيث، ويصرون في دعواتهم بأمطار الخير على أن تكون في مقدرا الانتفاع بها، فلا يفتأ مغربي يردد "الله يعطيها لينا على قد النفع". "" مؤسسات العاصمة تغرق... ساعات قليلة زارت فيها الأمطار سماء العاصمة المغربية كانت كفيلة بإغراق عدد من مؤسساتها، لم تفرق بين الحي الشعبي والحي الراقي، الجميع ذاق طعم السباحة إجبارا في أواخر أيام رمضان،"هسبريس" كانت هناك ووقفت على حجم الأضرار المادية التي خلفتها الأمطار، مؤسسة تعليمية بضواحي العاصمة غرقت في مستنقع من المياه والوحل، تراكض المسؤولون في أكاديمية التعليم، في الداخلية، والأمن، لعلهم ينقذون ما تبقى من مؤسسة أخطأ المسؤولون منذ البداية في اختيار مكان تشييدها. وفي حي أكدال الراقي، وبمحطة القطار التي يضرب بها المثل في الأناقة وحسن التصميم، كان المسافرون على موعد مع مفاجأة غير سارة، كثير منهم أجبروا على العودة إلى ديارهم، ومن آثر البقاء مرغما نزع حذائيه وثنى سرواله واستعد للغوص في المياه الضحلة لعله يجد مخرجا يوصله إلى باب القطار. الطرقات بدورها لم تسلم من لعنة الأمطار، واختلط فيها الحابل بالنابل، الوحل والمياه الضحلة من جهة، وقيادة السائقين لسياراتهم بمنتهى الأنانية والخطورة في استهتار تام بسوء الأحوال الجوية والأضرار المحتمل التسبب فيها، وزاد من سوئه أشغال بناء ترومواي العاصمة التي أدخلت شوارعها وأزقتها في فوضى كبيرة، وارتفعت وتيرتها في سويعات المطر. الأمطار بريئة من ذنب المسؤولين... "المطر رحمة من عند الله نحمد الله عليها ونشكره، ولا دخل لها في الضرر الذي يلحق بنا، المسئولون من يجب أن يلاموا وليس الطبيعة!"، لا أحد من المواطنين المغاربة يلقي باللوم على الأمطار، كلهم ينطقون بلسان واحد العبارة السابقة، يقول عبد الواحد، أستاذ:"هذه المؤسسة التي أدرس فيها منذ سنوات، وفي سويعات غرقت، لا يجب منذ البداية أن تبنى في هذا المكان، فقد شيدت في منحدر مما يعرضها للفيضانات ولخطر الغرق بسهولة، هذا الأمر لا يحفزنا على أداء عملنا في أحسن الظروف، ولا يشجع التلاميذ على تحصيل جيد، والطامة الكبرى أن هذا الحدث يتزامن مع الدخول المدرسي!". نجيبة، موظفة بمحطة قطار الرباط-أكدال، قالت ل"هسبريس":"يقول المثل المغربي المزوق من برا آش اخبارك من لداخل، للدلالة على أن الجوهر هو الأساس وليس الظاهر، وأن حسن المنظر لا يمكن أن يشي دوما بقوة الداخل، وهذا حال محطة القطار هذه، جميلة الشكل، وأنيقة تتلاءم مع الحي الراقي الذي شيدت فيه، لكن ما حدث في السويعات الممطرة الماضية عرى عن الوجه الحقيقي للمحطة، وكشف سوء تدبير المسئولين، الذين لم يخطئوا فقط في تشييد المحطة على أساس متين يحميها من التقلبات الجوية، لكن أهملوا أيضا وضع خطة للتدخل العاجل في الأحوال الطارئة". سويعات من المطر أغرقت مؤسسات العاصمة، فما بالك بالمؤسسات المشيدة في الضواحي والمناطق النائية؟ وإلى متى سيتخلى المسئولون عن سياسة التدخل عند وقوع الضرر، ويعوضونها بسياسة الوقاية خير من العلاج؟