المغرب يخطط لبناء مطار في جنوب الصحراء لمكافحة الإرهاب في الساحل    أنفوعرافيك | بسبب الأمطار الأخيرة.. حقينة السدود المغربية تجاوزت حاجز ملء 37٪    إتلاف أكثر من 500 كيلوغرام في تطوان من المواد غير الصالحة للاستهلاك منذ بداية رمضان    في تحد لجميع القوانين.. الجيش الإسرائيلي "الأكثر أخلاقية في العالم" يقصف مستشفى بقطاع غزة    اعتداء خطير على ضابط أمن ممتاز خلال حملة لتحرير الملك العمومي بالقصر الكبير    العثور على ستيني داخل منزله بشفشاون جثة هامدة    جِيرَاندُو هَرَب    الدرك الملكي يقوم بعملية نوعية ب" القلة " لتفكيك شبكة إجرامية خطيرة    دوري الأمم الأوروبية .. إسبانيا والبرتغال يعبران لنصف النهائي    حرائق غابات جديدة في أمريكا تلتهم أكثر من 800 هكتار    "الأوقاف" تستفسر إماما ظهر في فيديو "يمنع" النساء من أداء صلاة التراويح بمسجده    بودشيش يدعو إلى تأطير المحتوى الرقمي    دوري الأمم الأوروبية لكرة القدم.. إسبانيا تبلغ نصف النهائي بتفوقها على هولندا بركلات الترجيح (5-4)    مهرجان باريس للكتاب يكشف عن برنامج المغرب كضيف شرف    شركات التكنولوجيا العالمية تجتهد لإيجاد حلول لمكافحة "التزييف العميق"    CNSS يطلق خدمة رقمية جديدة لإرسال أوراق العلاج إلكترونيا    سلطات تطوان تتلف أكثر من 500 كلغ من المواد الفاسدة    مباراة الأسود وتنزانيا.. الموعد والقنوات الناقلة    مراكش تتفوق كأفضل وجهة للطعام في إفريقيا والعالم العربي وتحقق مرتبة عالمية متقدمة    تركيا.. تعليق مهام رئيس بلدية إسطنبول بعد حبسه على ذمة التحقيق    انتخابات تشريعية مبكرة في كندا    برنامج دور سدس عشر كأس العرش    تجدد شكايات المربين يعيد شبح غلاء أسعار الدجاج في أسواق المغرب    السرحاني بالأكاديمية الدولية للشعر    التساقطات المطرية المهمة تبشر بموسم فلاحي جيد بجهة الشمال    مقتل عضو المكتب السياسي لحماس إسماعيل برهوم في غارة إسرائيلية على مستشفى بغزة    الجيش الملكي يستعيد لاعبيه استعدادًا لمواجهة المغرب الفاسي    ثلوج كثيفة على مرتفعات الجهة الغربية لاقليم الحسيمة (صور)    ندوة علمية لحزب الاستقلال بطنجة تناقش مراجعة مدونة الأسرة: بين المرجعية الإسلامية ومتطلبات العصر    قصر الفنون يصدح بالمديح والعرفان في ختام رمضانيات طنجة الكبرى    حرب الإبادة في غزة.. 7% من السكان بين شهيد وجريح وآلاف يحتاجون علاجًا طويل الأمد    نسبة ملء السدود بالمغرب تبلغ 37 بالمائة    نقابة تحذر الحكومة من التغاضي عن تنامي الاحتقان الاجتماعي والاستقواء بأغلبيتها ضد الخيار الديمقراطي    السل في المغرب.. 50% من الحالات رئوية و85% نسبة الكشف المبكر    بوركينا فاسو تُثني على القيادة المغربية في مجلس السلم والأمن الإفريقي وتدعم دوره في تعزيز الاستقرار القاري    تبون من التصعيد إلى الاستنجاد.. كيف أصبح ماكرون "المرجع الوحيد" لحل الأزمة الجزائرية الفرنسية؟    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يتعادل وديا مع نظيره الأمريكي (2-2)    5 مواجهات حاسمة بتصفيات المونديال    التونسي منير شبيل مدربا جديدا لأولمبيك خريبكة    إصابات في تدخل للسلطة لمنع مسيرة تضامنية مع غزة والجبهة تستنكر    حاتم البطيوي أمينا عاما لمؤسسة منتدى أصيلة    الملك محمد السادس يهنئ الرئيس الباكستاني بالعيد الوطني لبلاده    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    استئناف التوزيع المنتظم لدواء الميثادون بالمراكز الصحية المتخصصة بالمملكة    حامي الدين: "الإبراهيمية" محاولة لاختلاق دين جديد لأغراض سياسية    المجلس العلمي يحدد قيمة زكاة الفطر بالمغرب    المديرية العامة للأمن الوطني تكشف عن تعيينات جديدة    المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بطنجة ينظم أول إفطار رمضاني لتعزيز الروابط بين القضاة    البطيوي أمينًا عامًّا لمنتدى أصيلة    من "الأبارتهايد" إلى الإبادة.. "أمنستي المغرب" تناقش حقوق الإنسان بفلسطين    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفلا قرآنيا لتكريم الفائزين بالمسابقة القرآنية المحلية    شراكة تعزّز الوعي بصحة الفم بالمغرب    انطلاق فعاليات "زهرية مراكش"    المجلس العلمي الأعلى يحدد مقدار زكاة الفطر لهذه السنة    المجلس العلمي الأعلى يرفع قيمة الزكاة في المغرب    الصيام بين الفوائد الصحية والمخاطر    منظمة الصحة العالمية تدعو لاتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة السل    صحة الصائم الجيدة رهينة بالتوازن في الأكل و النوم و شيء من الرياضة..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عاش الوداد.. عاش الرجاء
نشر في هسبريس يوم 13 - 03 - 2025

يبدو أن أبرز سمة تميز الصداقة التي تنسج خيوطها بمدرجات ملاعب كرة القدم أنها محدودة في الزمان والمكان وتكاد تكون افتراضية بمعنى من المعاني، وتبدأ في الغالب مع صافرة بداية المباريات أو بعدها بقليل وتنتهي مع صافرة النهاية أو قبلها بقليل. هذه هي القاعدة العامة وإن كانت هناك حالات يتوقف فيها التواصل في أي وقت ولأكثر من سبب وخاصة عندما يتضح أن الطرف الآخر ما هو في واقع الأمر إلا "عدو" وضعته الأقدار على يمينك أو على يسارك مباشرة. وطبعا في هذه الحالة، وبسبب تنافر المشاعر والولاءات وجنوح البعض لتغذية الكراهية المجانية وما قد ينجم عنها من أعمال عنف داخل الملعب وبمحيطه، تتحول صداقة التسعين دقيقة إلى قنبلة موقوتة وتصبح الغاية الأسمى هي النفاذ بالجلد والعودة إلى البيت بأسنان كاملة غير منقوصة وعظام خالية من الكسور أو الشقوق مع احتفاظ العينين بلونهما الأصلي واحتفاظ الأنف بشكله المستقيم.
في هذا السياق، أذكر جيدا كيف أن جارا لي بمركب رياضي لم تسعفه ألوان ملابسي في تحديد اتجاه رياح قلبي فاضطر إلى البحث عن تصنيفي منذ انطلاق أحد ديربيات الدار البيضاء حتى يقرر دون تأخير ما إذا كانت صداقتنا مؤهلة للتمديد أم لا فرمى على وجهي السؤال الكلاسيكي: هل أنت ودادي أم رجاوي؟
لم يتأخر الرد وأجبته بأن قلبي يتسع لهما معا وبأني لم أميز بينهما طوال حياتي. فهما يمثلان مدينتي، كما أني لا أجد لا في سحنات وجوه اللاعبين ولا في طريقة لعبهم ما يوحي بأننا أمام مجموعتين بشريتين مختلفتين جينيا وعرقيا ودينيا وثقافيا أو ما يوحي بأننا أمام قبيلتين أو عقليتين متمايزتين حد العداء المتبادل. الأقمصة وحدها هي العامل المميز بينهما، ومن غير المستبعد أن ينتقل جزء من لاعبي الفريقين للعب لحساب المعسكر الآخر في القادم من المواسم في زمن أصبح فيه لكرة القدم بورصة خاصة بها: ميركاتو الصيف وميركاتو الشتاء. أما التمادي في الادعاء بأن معقل الرجاء هو درب السلطان وبأن معقل الوداد هو المدينة القديمة فيظل سلوكا مضللا مادام أن هذه المعلومة تفتقر إلى الدقة والإحصاءات وما دام أن أحياء العاصمة الاقتصادية تعد بالعشرات وما دام أن أنصار الفريقين يوجدون في كل مكان داخل الوطن وخارجه. الأكثر من هذا وذاك أن المرحوم الأب جيكو كان من مؤسسي نادي الوداد قبل أن يفك ارتباطه به ويقدم على تأسيس نادي الرجاء، كما لا أعتقد بأن هناك من المغاربة من يتمنى لأحدهما الإخفاق عندما يمثل البلاد في الاستحقاقات الكروية الدولية.
لم يظهر على محيا الصديق ما يفيد باقتناعه بكلامي واكتفى بطرح سؤال جديد: هل أفهم من كلامك أن نتيجة ديربي اليوم لا تهمك؟
لم أتردد من جديد في التعبير عن حيادي الذي بدا مشروطا هذه المرة حيث أجبته قائلا: فعلا النتيجة لا تهمني ما دمنا في الربع الأول من عمر البطولة. أنا اليوم أمني النفس فقط بفرجة في المستوى علها تنسىني عناء السفر وشدة الازدحام مع الاعتراف بأن ثمة ديربيات أتمنى فيها الفوز للفريق الذي يوقع على أحسن أداء أو للفريق الأكثر حاجة للنقاط الثلاث في حال كان هذا الفريق الأقرب إلى التنافس على لقب البطولة أو على المراكز المؤهلة للمشاركة في المنافسات القارية أو العربية.
تعمقت أزمة الصديق فاضطر إلى مصارحتي: هذه أول مرة أصادف فيها بيضاويا يتبنى هذه المقاربة تجاه الناديين.
آنذاك، وبدون وعي مني، وجدتني أبعثر الأوراق أكثر فأكثر حيث عقبت على استنتاجه قائلا: أنا لا أكتفي بحب فرق مسقط رأسي وفضاء نشأتي بما فيها فريقا الراسينغ والاتحاد البيضاويين. لي عشق خاص أيضا للنادي الممثل لمنطقة جذوري على الرغم من تذبذب نتائجه وتواضع تاريخه وتوفره على لقب وحيد وإن كان قد أنجب أسماء من العيار الثقيل أبلت البلاء الحسن حتى على مستوى المنتخب الوطني.
أتعاطف كذلك مع النادي الممثل للمدينة التي احتضنتني قبل سنوات لأسباب مهنية. مازلت حتى الآن استنشق هواء هذه الحاضرة وآكل من خيراتها وأتفاعل مع أهلها في انسجام تام، وامتناعي عن إبداء أي اهتمام بفريقها الأول وهو فريق يضرب ألف حساب سيعتبر حتما ضربا من ضروب الجحود والتنكر لما قدمته لي.
وكيف لقلبي أن يغلق الباب في وجه فريق عريق من طينة "الماص" الذي شكل في فترة من الفترات إلى جانب فريق شباب المحمدية مزود الفريق الوطني الرئيسي باللاعبين على مستوى كل الخطوط تقريبا؟
أما رجاء بني ملال فكيف لي أن أتجاهله ولي أخ لم تلده أمي يذوب في عشقه ويرافقه أينما حل وارتحل مهما كلفه ذلك من مال ووقت، بل ومستعد للتضحية بوظيفته المرموقة للتفرغ لتشجيعه ومناصرته وتأطير مناصريه المتشددين مدى الحياة؟ أليس من أبسط واجبات الصداقة الحقيقية التماهي مع الأصدقاء في ما يعشقون؟ وما دامت صداقتنا على سكة سليمة سأظل إسوة بصديقي الملالي أنزع قميصي فرحا كلما أفلح هجوم الفريق في التسجيل. أما إذا قدر لعلاقتنا أن تنتهي فسأسترجع أقمصتي وسيصدر عني في الوقت المناسب بلاغ شخصي بشأن مستقبل علاقتي بفريق أحمد نجاح والولد 1 والولد 2.
ومن الطبيعي أيضا أن أتمنى التألق الدائم لفريقي اتحاد طنجة والمغرب التطواني لا لشيء إلا لإسعاد جماهيرهما الحاضرة على الدوام والتي تشكل مدرسة في التحضر والرقي والانضباط وأينما ذهبت تترك أثرا طيبا. فهل من العدل إذن أن تغادر هذه الجماهير مدرجات الملاعب وهي منفطرة القلب ومكسورة الخاطر.
وعلى الرغم من أن قلبي تقلب سبع مرات منذ أن كان الفراق مصير علاقتي بمحبوبة مراهقتي فإن الإخلاص لفريق مدينتها الأصلية ظل مستمرا، وإلى يومنا هذا ما زلت أسترجع ذكراها الجميلة من خلال تتبع أخباره وكلي أمل في أن يسعفه الحظ ذات موسم في مغادرة أحد الأقسام السفلية الذي ظل قابعا به منذ نهاية حرب الفيتنام.
أتعاطف أيضا مع الفريق العسكري الذي لا أعتبره أحد ممثلي العاصمة على الساحة الكروية فحسب بل أعده فريقا بامتداد وطني ما دام أنه يمثل أيضا مؤسسة دستورية تحظى باحترام كل المغاربة.
ولا غرو أن تحتل فرق من قبيل نهضة الزمامرة والفتح الرباطي ونهضة بركان حيزا بقلبي كذلك، بالنظر إلى ما أبان عنه مسيرو هذه الأندية من قدرة هائلة على التدبير واستشراف المستقبل وهو الأمر الذي يفسر استمرار تميزها واستقرار نتائجها الإيجابية.
وبكل تأكيد، لن يهدأ لي بال حتى تعود فرق المولودية الوجدية والكوكب المراكشي وشباب المسيرة وأولمبيك خريبكة والنادي القنيطري إلى حظيرة القسم الوطني الأول، إذ لا يعقل أن تظل الحواضر المحترمة التي تمثلها هذه الأندية بمنأى عن التنافس الذي يعرفه قسم الصفوة.
كما أكن حبا خاصا كذلك لكل الأندية الأجنبية التي لعب أو يلعب لها عدد من لاعبينا المحترفين بما فيها أندية باناثينايكوس اليوناني وأهلي طرابلس الليبي وحمام الأنف التونسي وضمك السعودي.
بعد ذلك توقفت عن الكلام قليلا لالتقاط الأنفاس فاستغل صديقي فترة صمتي ليوجه لي سؤالا آخر فاحت منه رائحة السخرية إذ قال لي: هل حصرت لائحة فرقك المفضلة أم هناك المزيد؟
كان ردي هذه المرة أسرع من سابقيه: آه، لقد فاتني أن أذكر بأن إعجابي بثلة من المدربين المغاربة والأجانب الكبار يجعلني لا أتردد في التعاطف أيضا وبشكل تلقائي مع كل الأندية التي يشرفون على تدريبها.
في تلك اللحظة بالذات، وبعدما اتضح لصديقي وبشكل نهائي بأن الحديث معي "حرام" ما دام أن مفهومي للتعاطف الكروي يشذ عن القاعدة بل ومرفوض أيضا، أشاح بوجهه عني وراح يبحث عن صداقة جديدة مع الجار المتواجد على الطرف الآخر وكله أمل في أن يكون الحديث الجديد أكثر فائدة.
وددت لو تمدد التواصل لدقائق إضافية حتى أتمكن من سرد أسماء باقي فرقي الأثيرة لكن للأسف لم يمنحني "الصديق" فرصة إتمام "محاضرتي" والتي لم أهدف من ورائها سوى "تنوير" الرأي العام من خلاله!
ملحوظة إضافية: هذا الصنف من الصداقة أصبح جد شائع أيضا بالمقاهي التي تبث مباريات كرة القدم مع تسجيل فرق مثير للانتباه، ذلك أن عددا لا يستهان به من رواد هذه الأخيرة لا يجدون غضاضة في حجز مقعد لصديق لم يحضر بعد أو لن يحضر أبدا. ومباشرة بعد صافرة النهاية يتوقف تجاذب الحديث بشكل تلقائي، ومع توقفه تنتهي التعليقات والتحليلات والإشادات والمؤاخذات والانتقادات والهتافات والتصفيقات والتحفيزات وحتى الشتائم والكلام البذيء ودخان السجائر في أحيان كثيرة ويبدأ التجاهل المتبادل وكل "صديق" يؤدي ثمن ما استهلكه لا غير... وإلى اللقاء في استحقاق كروي وطني أو دولي قادم! هذا هو الروتين العام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.