يمثل تاريخ الإسلام في اليونان نموذجاً لتراجع الحضارة الإسلامية، وانكماشها لصالح الحضارة الغربية، فالناظر إلى تعداد الجالية المسلمة في اليونان، والتي تشكل ما يعادل 1.3% من تعداد سكان اليونان، يدرك مدى ما حاق بالمسلمين من انتكاسات وانكسارات في ذلك البلد الذي كان المسلمون يشكلون غالبية أو ما يقرب من 68 % من سكانه، في فترة المد العثماني في اليونان قبل الحرب العالمية الأولى. "" ويرجع الباحثون، ومنهم الدكتور سيد عبدالمجيد بكر، وعلي بن المنتصر الكتاني، في دراساتهم حول «الأقليات المسلمة في أوروبا» تاريخ الإسلام في اليونان إلى مرحلة تاريخية متقدمة، تعود بالتحديد إلى أوائل القرن الثالث الهجري، وبالتحديد عام 210 ه، حين قام المسلمون بغزو عدد من الجزر اليونانية، وكان ذلك الفتح إيذاناً بدخول الإسلام إلى اليونان. فترات زاهية استمر تواجد الإسلام في اليونان، وفقاً لما ذكره الباحثان بكر والكتاني، طوال الفترات التاريخية اللاحقة، وخلال مدة الدولة العثمانية شهد الإسلام في اليونان أزهى فتراته، ونشأ مجتمع إسلامي في ذلك البلد حتى قد وصل عدد المسلمين فيه إلى حوالي 68 % من نسبة السكان. وبالرغم من مرور أكثر من 80 عاماً على اتفاقية تبادل السكان بين اليونان وتركيا، والمعروفة تاريخياً باسم اتفاقية «المقاصة» والتي وُقّعت بينهما في عام 1344 هجرية، 1924 ميلادية، إلا أنَّ أعداد المسلمين في اليونان ظلت في نطاق الأقليات المسلمة التي يعوزها العديد من الحقوق حيث مثلت اتفاقية « لوزان» بين تركيا واليونان، نقطة البداية لإضعاف الكيان المسلم في اليونان بعد أن بلغت أعداد المسلمين الذين هاجروا من اليونان إلى تركيا مليونا و200 ألف نسمة من المسلمين.. ولم يتبق في اليونان من المسلمين.. في هذا الوقت سوى 200 ألف نسمة فقط. وطوال الثمانين عاماً الماضية.. لم تزد أعداد المسلمين في اليونان سوى 50 ألف نسمة فقط، ليصبح إجمالي عدد المسلمين في اليونان اليوم 250 ألف نسمة فقط، وفقاً للإحصائيات الرسمية اليونانية، فيما تشير تقديرات أخرى غير رسمية إلى أرقام تتجاوز النصف مليون مسلم بإضافة أعداد المسلمين الأجانب في اليونان، وفقاً لما ورد بموقع الإسلام اليوناني تحت عنوان « المسلمون في اليونان بين الواقع والمأمول». ويعود معظم المسلمين اليونانيين إلى أصول تركية وهم مقيمون في تراقيا الغربية، ويضاف إليهم عدد لا بأس به من العمالة العربية التي تقيم في اليونان بصفة شرعية وغير شرعية لأسباب اقتصادية. وخلال الفترة العثمانية من تاريخ اليونان ترك المسلمون خلفهم آلاف المساجد، التي تحول معظمها، وعلى الأخص في العاصمة أثينا بعد خروجهم وزوال حكمهم، إلى متاحف. مؤسسات إسلامية بالنظر إلى ذلك الماضي الزاهر للإسلام في اليونان، ووجود ما يقرب من 300 مسجد فيها، فإنه لا يوجد حتى الآن مسجد رسمي للمسلمين في العاصمة اليونانية أثينا، ولا في أغلب المدن اليونانية، لكن هناك مئات الزوايا التي يؤدي فيها المسلمون صلواتهم، كما أن السلطات اليونانية تسمح لهم باستخراج تراخيص تسمح لهم بإقامة صلوات الأعياد والتراويح في رمضان في الشوارع. أما في المنطقة الغربية من اليونان وهي منطقة (تراقيا الغربية) التي يتركز فيها غالبية المسلمين (125 ألف مسلم تقريباً) فإن أوضاع المسلمين فيها أفضل من بقية المناطق اليونانية، حيث يوجد لهم في مدينة كوملجنة حوالي خمسة عشر مسجداً كبيراً، وعشرات المساجد الصغيرة، كما أن المظاهر الإسلامية المتمثلة في مآذن المساجد لا تزال ماثلة في القرى التي يسكنها الأتراك المسلمون. ويوجد في تراقيا الغربية عدد من الجمعيات الإسلامية منها القديم مثل جمعية (اتحاد إسلام) أو (اتحاد مسلمي اليونان) التي أسست عام والحديث كجمعية (انتباه الإسلام) أو تنبيه الإسلام، كما يوجد في تراقيا الغربية أيضاً من المدارس الابتدائية أكثر من200 مدرسة يتعلم فيها أبناء المسلمين العلوم العصرية، إلى جانب العلوم الإسلامية بنسبة قليلة، ومدرستان متوسطتان، وأخريان ثانويتان كما توجد مدرستان تتوليان تدريس العلوم الشرعية بصفة خاصة، هما المدرسة الرشادية والمدرسة الخيرية. ومن أهم المؤسسات الإسلامية العاملة في اليونان أيضا بالإضافة إلى تلك الجمعيات في تراقيا اللجنة الإسلامية، بالإضافة إلى دور الإفتاء والقضاء الشرعي. ترد اقتصادي تتميز الحالة الاقتصادية للمسلمين الذين يعيشون في اليونان بالفقر والضعف إذا قورنت بالحالة الممتازة لليونانيين غير المسلمين الذين يعيشون في تركيا، ويعمل غالبية مسلمي اليونان بالزراعة ومن محصولاتهم (القمح والشعير والعنب والزيتون) بالإضافة إلى الثروة الحيوانية، وتعتبر الجماعات الإسلامية في اليونان من أضعف الطبقات وأفقرها وينعدم نهائياً أصحاب الأعمال التجارية الضخمة أو الصناعات الشهيرة. وتتنوع مشكلات المسلمين ومعاناتهم في اليونان، وفقاً لموقع الإسلام اليوناني، باختلاف المنطقة التي يقطنون بها ففي تراقيا الغربية تفتقر بعض المناطق خاصة المناطق المحاذية لبلغاريا وهي قرى جبلية من المناطق العسكرية التي يحظر فيها التجول إلى الدعاة، فهذه المناطق التي لا يسمح لدعاة غير اليونانيين بالتجول فيها ولضعف سكانها اقتصادياً أصبحت في معزل عن العالم وخاصة العالم الإسلامي، حيث توشك أن تنقطع صلتهم بالإسلام. مشاكل متعددة تبدو مشكلات المسلمين مختلفة في العاصمة أثينا، إذ ترتبط بخلو العاصمة من المساجد الكبرى اللازمة لإقامة الصلوات والشعائر، فحتى عام 2007 تاريخ افتتاح المركز العربي اليوناني للثقافة والحضارة العربية والمسجد الملحق به كانت العاصمة أثينا خالية من أي مسجد كبير. وبرغم أن البرلمان اليوناني كان قد اتخذ أكثر من قرار لبناء مسجد في أثينا إلا أن جميعها باء بالفشل وكان آخرها قرار بناء مسجد على مساحة 34 فدانا في منطقة بيانيا القريبة من مطار أثينا الدولي والذي اصطدم بمعارضة السكان المحليين والكنيسة الأرثوذكسية اليونانية بدعوى أن وجود مسجد بمأذنة على طريق المطار من شأنه أن يعطي صورة للسياح مفادها أن اليونان بلد إسلامي. وعن إنشاء المسجد الملحق بالمركز العربي اليوناني للثقافة والحضارة العربية، وعن كيفية نيل موافقة السلطات اليونانية على إقامة مسجد قال رئيس اتحاد مسلمي اليونان نعيم الغندور: «نحن لم نقم ببناء مسجد.. ولكن يحق لنا ممارسة طقوس العبادة ضمن مكاننا». وهو ما يعني أن المسجد ليس مرخصاً كمسجد قائم بذاته، وإنما كمكان لإقامة طقوس العبادة.