نقاشٌ غني حول مراجعة مدونة الأسرة وواقع حقوق النساء بالمغرب كانت "الجامعة الدولية بالرباط" شاهدة على تفاصيله، مساء الاثنين، وذلك في إطار فعاليات لقاء رسمي تم خلاله التأكيد على كون المنظومة القانونية بالمملكة تضم ثغرات لا تسمح بتمكين النساء من حقوقهن كاملة، خصوصا على مستوى نصوص مدونة الأسرة المعمول بها منذ سنة 2004. وجرى ضمن اللقاء الذي احتضنته الجامعة المذكورة تقديم مجموعة من الأمثلة عن الإشكاليات التي تعاني منها النساء بالمغرب، نتيجة لأمور تتعلق بالجانب القانوني والمسطري، وهي المسائل التي شدد عبد اللطيف وهبي، وزير العدل أحد أعضاء لجنة مراجعة مدونة الأسرة، على أولوية تجاوزها لإنصاف العنصر النسوي. وكان الطلبة الذين حضروا هذا اللقاء على موعد مع عرض الفيلم السينمائي "الوصايا"، لمخرجته سناء عكرود، الذي حظي بدعم بارز من عدد من المؤسسات الوطنية، خصوصا من قبل وزارة العدل، لكونه يعالج في الأساس واقعا تعيش عدد من نساء المغرب مظهرا من مظاهره، لا سيما ما يرتبط بالولاية القانونية على شؤون الأبناء في حالة الطلاق. وأكّدت المخرجة والفنانة سناء عكرود أن "هذا الفيلم يأتي من أجل نقل صورة أوضح عن واقع مرير تعيشه عدد من النساء المغربيات، لا سيما المطلقات منهن، إذ يجدن أنفسهن أمام واقع قانوني واضح يمنح الامتياز للرجال أكثر منهن، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بشؤون المحضون، إذ إن القوانين لا تسمح عادة بتولية المطلقات أمور أبنائهن الإدارية". وأوضحت عكرود، ضمن مداخلتها، أن "هذا العمل يتحدث عن واقع عدد من النساء اللواتي يعشن كذلك داخل أسر لا تعرف معنى للود والاحترام وصون كرامة النساء، مما يجعل الزوجات يصبرن على ذلك مخافة من الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية، وإدراكا منهن كذلك لعدم حماية المنظومة القانونية لهن بشكل كاف". في كلمة له حول "الوصايا"، قال عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، إن "الموضوع الذي يناقشه هذا الفيلم السينمائي (يتعلق بالولاية القانونية على الأبناء) عشته كطالب ومحام وحقوقي، ثم كوزير يأخذ القرار، وتعاملت معه كذلك كمشرّع (خلال الوقت الراهن) للمرحلة المقبلة"، موضحا أن "هناك اختلافات كبيرة اليوم حول عدد المواضيع المطروحة التي لها علاقة بالأسرة، بالنظر إلى وجود عناصر مرتبطة بالتداخل والمصالح". وأكد وهبي، ضمن مداخلته، أن "زواج القاصر بالمغرب من بين هذه الإشكاليات المطروحة كذلك، إذ توجد فتيات قاصرات يتزوجن ولا يكملن دراستهن، وهو أمر واضح، بالنظر إلى كون الأب يزوّج ابنته قاصرا ولا يحرص أساسا على استكمالها دراستها، إذ إن الأمر بالنسبة له يبقى بمثابة التخلص منها لا غير، لتتحمل مسؤولية وأعباء أسرة كاملة". ووصف المسؤول الحكومي قصص الفتيات القاصرات والمتزوجات في سن جد مبكرة، 14 سنة مثلا، ب"المأساة"، موضحا أن "هناك نقاشا حادا حول هذا الموضوع على مستوى مدونة الأسرة، ولديّ قناعة مطلقة بخصوصه". كما استحضر أبرز المستجدات التي من المرتقب أن تعرفها مدونة الأسرة، حيث بيّن أن "المتعة من بين هذه الإشكاليات التي تم طرحها، وهذه الكلمة في الأساس ليست في محلّها، ولذلك اقترحنا مصطلح المتاع، وهو المنطقي في نهاية المطاف". وانتقد عبد اللطيف وهبي النزوع نحو التفرقة بين الأبناء، ذكورا وإناثا، إذ أشار إلى "عدم وجود فرق بينهما، لأن من يعتقد بأفضلية الولد على البنت فهو يعيش في عهد أبي لهب وليس في عهد محمد السادس"، ملمّحا لدى حديثه عن مسألة الاجتهادات القضائية إلى أن "القضاة محافظون" موردا: "لدي خلاف مع المحافظين، لأن الأمور يجب أن تتغير". وبعدما انتقد، بشدة، "توالي الانتقاص من المرأة المطلقة"، التي تبقى، بحسبه، "ذات تجربة في الحياة شأنها في ذلك شن المطلّق"، أبى وهبي إلا أن يرسل إشارات إلى أفراد معينين، إذ قال: "إذا كان أحدهم يظن أنه بعد سنة 2020 يمكن الاعتماد على مدونة الأسرة نفسها، فإنه يضحك على نفسه، لأن المغرب سيتغير، وذلك التغيير يأتي بقوة، ولعل أبرز مثال على ذلك نتائجُ البكالوريا (يقصد أن الفتيات يتفوقن دائما على الذكور في حصد المعدلات المرتفعة)".