حينما نقرأ للملحدين تجرؤهم على الله وإلحادهم في آياته واستهزاءهم به وبصفاته وأسمائه الحسنى وأفعاله ومشيئته وذاته وقدرته جل وعلا نزداد إيمانا ويقينا بأن الله حليم فعلا ورؤوف رحيم ، يمهل عباده الضالين ويمنحهم مهلة من الزمن علهم يرشدون ويعودون عن غيهم وكفرهم وضلالهم ولعلهم يتوبون إليه ويستغفرونه عما بدر منهم في حقه من سفاهة وقلة أدب . "" حينما نقرأ أفكارهم وما يكتبونه من كلام كله كفر وسخرية واستهزاء بالله وبكتبه ورسله وملائكته نحمد الله على نعمة الإسلام والإيمان التي أكرمنا الله بها وعلى نعمة العقل والتعقل التي منحنا ووهبنا من دون سائر مخلوقاته . حينما نقرأ لهؤلاء الذين يحسبون أنفسهم أذكياء نجد أنهم قوم مساكين ينعمون في غبائهم وشقائهم ولو كانوا أذكياء حقيقة لعرفوا كيف يعيشون حياتهم بشكل طبيعي وكيف ينهونها بشكل طبيعي أيضا . والحقيقة التي لا غبار عليها أن الملحدين يعيشون حياة شقية كلها جحيم وعذاب وقلق وخوف من المستقبل وعقد نفسية رغم ما يحاولون به صبغ حياتهم من ألوان السعادة المزيفة والسكينة وراحة البال ، وغالبا ما تكون نهاياتهم دراماتيكية ومأساوية . وأنا أتساءل دائما ما الفائدة من ذكاء حتى لو كان خارقا إن لم يمنحني الطمأنينة الحقيقية في حياتي ولم يرحمني من جحيم الأسئلة الحارقة المحيرة التي لا أجوبة لها في هذه الدنيا ، وما قيمة ذكاء إن لم يقدني إلى طريق الخلاص وإلى النعيم الأبدي ولم ينفعني في عتق رقبتي من النار . ويعتقد الملحدون بأنهم وحدهم من يملكون القدرة على التفكير العقلاني ، بينما نحن أيضا لنا عقول نفكر بها ونعرف كيف نطرح مثل هكذا أسئلة وأعقد منها ، ولكن الفارق بيننا وبينهم هو أننا نخشى الله ونتقي سخطه وغضبه ، لأنه بكل بساطة لم يكلفنا بطرح مثل هذه الأسئلة المحيرة وهو الذي خلقنا ومنحنا عقولا غير قادرة على استيعاب هذه الأمور الغيبية والكونية بكل تعقيداتها وغموضها ، وقد رسم حدودا للعقل البشري وقدر له أن يفكر في نطاق محدود جدا بالزمان والمكان وأن يشتغل انطلاقا مما تتيحه له الحواس البشرية المحدودة والتي كما نعلم جميعا من خصائصها الضعف والفناء مع مرور الزمن. تراهم يطرحون أسئلة محيرة ولا يملون من تكرار طرحها حول الوجود وواجب الوجود وحول الأمور الغيبية الكبرى التي أخفاها الله سبحانه وتعالى عنا رحمة بنا ، وهذا ما لا يريدون فهمه وتقبله والتسليم به ويستمرون في جهلهم وعنادهم وطغيانهم الذي يعتبرونه ذكاء وتشغيلا للعقل . و عندما يطرحون مثل هذه الأسئلة يحاولون عبثا نفي وجود الله خالق هذه الأكوان ولا يعلمون أنهم في محاولاتهم تلك كمن يحاول نفي وجود الشمس فقط لأن هناك مغارة أو كهف لا تدخله أشعة الشمس . أما نحن فنعلم ونؤمن بأن الله موجود بلا مكان ولا يحده زمان ، هذا ما أخبرنا به القرآن الكريم الذي ثبت بما لا يدع مجالا للشك أدبيا وعلميا وتاريخيا أنه من عند الله وليس من صنع البشر ، وهذا ما أخبرنا به أيضا أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم الذي ثبت كذلك بالأدلة العلمية والتاريخية القاطعة بما في ذلك تاريخ الرسل والأديان بأنه رسول الله وخاتم النبيين. حينما أشغل عقلي وألقي نظرة من حولي وأرى كل هذه الأفواج والأمواج من المؤمنين المصلين من الذكور والإناث ومن كل الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية التي تلفظها المساجد بمختلف بقاع العالم عقب كل صلاة وخاصة عقب صلاتي التراويح والصبح في هذا الشهر المبارك ، يطمئن قلبي وأزداد يقينا بأن المستقبل لهذا الدين ، وأصل إلى استنتاج بسيط وهو أنه لا يمكن أن يكون كل الناس على خطأ إلا الملحدين من هم على صواب ، وماذا يعني مئات الأشخاص من الملايين أو عشرة من الآلاف ! وحينما أتأمل مثلا هذه الفوارق بالثانية والدقيقة والساعة بين كل آذان وآذان بحيث لا ينقطع صوت التكبير والتهليل والتسبيح لله وذكر اسم النبي محمد عليه الصلاة والسلام على مدار الساعة أبدا فوق هذه الكرة الأرضية ، فما أن ينتهي مؤذن هنا من النداء للصلاة حتى ينبعث صوت مؤذن آخر في مكان قريب يدعو للصلاة وللفلاح وهكذا تمضي مشيئة الله في خلقه وأكوانه رغم أنف الكافرين ولو كره المشركون ويصدق وعده لرسوله وحبيبه برفع ذكره في العالمين ، حينما أتأمل هذا أشعر بعظمة الله سبحانه وبعظمة هذا الدين الحق وأشعر بخشوع يمنحني اليقين بأن الله موجود حقا ، وتبدو لي بعد ذلك كل دعوات الملحدين المنكرين لوجود الله سخافة ومجرد صيحات في واد واعتبر نداءاتهم وتحركاتهم كمن ينفخ في الرماد ومن يحرث في ماء البحر. ومن خلال جولة عابرة ببعض المنتديات والمدونات الإلحادية وقراءة لما تحتويه من كتابات ومناقشات ، يتبين لنا أن أغلب هؤلاء الذين يحلو لهم أن يسموا أنفسهم ملحدين في وطننا العربي يقوم إلحادهم على أسباب شخصية أو نفسية أو اجتماعية ، وهم ينكرون وجود الخالق سبحانه لأنهم لا يريدون أن يتصوروا حدودا لمتعهم الحسية في الأرض وغالبا ما يكونون من جماعة الشواذ والمثليين الذين لا يجدون في الدين إلا الوعيد بالعذاب فهم يميلون إلى إنكار الدين من الأساس حتى يستطيعوا العيش مع ميولهم غير الطبيعية دون منغصات وبعيدا عن أي شعور بالذنب ، ودعوتهم لنبذ الأديان هي نوع من الهروب من القيود التي يتصورون أن الدين يفرضها عليهم و تنصلاً من التكاليف المطلوب منهم القيام بها وفق هذه الشرائع السماوية . فلا هم أصحاب فكر ولا هم أصحاب علم هم فقط مجموعة من المصابين بأمراض نفسية تجعلهم يشعرون بنوع من المتعة في تفريغ غضبهم وانفعالاتهم والتخلص من الشحنات السالبة بدواخلهم في سب الدين والرسل وأصحاب الرسل والمؤمنين المناصرين لهم بأقبح النعوت والألفاظ والاستهزاء بهم ، وهذا هو قدر العظماء دائما أن يكونوا عرضة لاستهزاء التافهين وسخرية الصغار . وبالإضافة إلى هذه الأمراض النفسية التي يعانون منها كأفراد فهم يشعرون كمجموعات بمركبات نقص كبيرة داخل المجتمعات التي يعيشون فيها ، ويعتبرون أنفسهم أكثر الأقليات تعرضا للاضطهاد وبأنهم لم يأخذوا حقوقهم كمواطنين بعد لأنهم لا يستطيعون إشهار إلحادهم لدواعي أمنية واجتماعية ولكونهم ليسوا منظمين ويتعين عليهم أن يثبتوا للعالم أنهم موجودون ومستعدون للنضال والتضحية لكي تكون أصواتهم مسموعة. هذا هو حال الشذوذ كيفما كان نوعه عندنا في مجتمعاتنا العربية المحافظة، دائما يشتكي من الظلم ويشعر بالقهر وازدراء الناس له وهو دائما في موقع الضعيف الذليل مهيض الجناح ومهضوم الحقوق . أما في البلدان الأوروبية والغربية عموما فإن قضية الشذوذ الفكري والإلحاد سائرة في طريق فرض شروطها وأفكارها وسمومها على الناس مع الأسف وعلى فئة الشباب بشكل خاص ، حيث يرى دعاة الفكر الإلحادي هناك بأن الناس في عصرنا هذا يعيشون في عالم تسيطر عليه حكومات دينية تجرم الشواذ جنسيا والخيانات الزوجية وتنكر على المرأة والأقليات حقوقهم الأساسية ومن ثم يرون أن من حقهم أن يعبروا عن آرائهم وقضيتهم بكل حرية وأن تكون لديهم مظلة عالمية تسمح لهم بترشيح من يمثلهم ويتحدث نيابة عنهم في المحافل الدولية . ولذلك تراهم يضغطون ويخرجون إلى الشارع معتمدين على وسائل مباشرة في الاتصال بالناس من أجل تسويق وترويج بضاعتهم الفاسدة. وقبل بضعة أشهر قامت مجموعات إلحادية أوربية بتنظيم حملات دعائية بكل من اسبانيا وانجلترا وألمانيا ودول أخرى مستعملين حافلات خاصة تجوب أهم الشوارع لكبريات المدن والعواصم الأوربية ومتخذين من عبارة " لا يوجد رب عش واستمتع بحياتك " شعارا لحملتهم ومن فكرة أنه " لا يوجد إله مثلما تعتقدون تخلصوا من القلق وابدؤوا الاستمتاع بالحياة على الأرض لأنه لا يوجد أحد في السماء " منطلقا وأساسا لحديثهم مع الناس . إنهم في واقع الأمر ليسوا سوى جماعة من الإباحيين الذين لا يستحقون لقب ملحد ، لا يختلفون كثيرا عن المجموعات التافهة عندنا في بلدنا المغرب وفي وطننا العربي التي تسمي نفسها زورا وبهتانا بمجموعات إلحادية تتحرك في الخفاء والظلام على شبكة الانترنيت كالخفافيش التي تخشى من النور وتكره أشعة الشمس الساطعة . وهناك شهادات من داخل قلعة الكفر والإلحاد تقصي هذه الشرذمة من دعاة إطلاق العنان للغرائز والشهوات الذين يدعون الانتماء لتيار الإلحاد والدفاع عن أفكاره وفلسفته ، ومواقف صريحة تدعو لطردهم وإبعادهم كليا من دائرتها ومنتدياتها ، وهذا جورج سميث الكاتب الملحد الشهير يرى أن هناك فرق بين رجل الشارع البسيط الذي ينكر فكرة الإله لأسباب شخصية أو نفسية أو اجتماعية أو سياسية و الملحد الحقيقي الذي يجب أن يكون غرضه الرئيسي هو الموضوعية والبحث العلمي وليس التشكيك أو مهاجمة أو إظهار عدم الاحترام للدين . ويرى ملحد آخر أن من يدعي الإلحاد عن جهل ويلجأ إليه كنوع من التخدير الذي يعطيه لضميره لكي ينغمس في الملذات والمحرمات ليس ملحدا حقيقيا ، وهذا النوع من الملحدين المزورين - يضيف - غالبا ما ينحدرون من المجتمعات ذات الثقافة المحدودة أو التي يسيطر الدين على تفكيرها بصورة مبالغة ومنها المجتمعات العربية بالطبع . قلت لكم في بداية هذا المقال بأن الملحدين قوم مساكين ينعمون في غبائهم وشقائهم ولو كانوا أذكياء حقيقة لعرفوا كيف يعيشون حياتهم بشكل طبيعي ، وأن الحقيقة التي لا غبار عليها أنهم يعيشون حياة شقية كلها جحيم وعذاب وعقد نفسية رغم ما يحاولون به صبغ حياتهم من ألوان السعادة المزيفة وراحة البال. يقول ملحد مصري عاش في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي في كتاب له بعنوان " لماذا أنا ملحد " ألفه سنة 1937 لكي يشرح فيه مسار تحوله من مسلم يحمل قيما ومعتقدات دينية إلى ملحد متحرر من كل قيود الجهل والظلام كما يزعم " إن الأسباب التي دعتني للتخلي عن الإيمان بالله كثيرة منها ما هو علمي بحت ومنها ما هو فلسفي صرف ومنها ما يرجع لبيئتي وظروفي ومنها ما يرجع لأسباب سيكولوجية ، وكانت نتيجة هذه الحياة أني خرجت عن الأديان وتخليت عن كل المعتقدات وآمنت بالعلم وحده وبالمنطق العلمي ، وقد وجدت نفسي أسعد حالا وأكثر اطمئنانا من حالتي حينما كنت أغالب نفسي للاحتفاظ بمعتقد ديني ، فأنا ملحد ونفسي ساكنة لهذا الإلحاد ومرتاحة إليه وأنا لا أختلف من هذه الناحية عن المؤمن المتصوف في إيمانه " ولكن الأيام ستفضح زيف ادعاءات هذا الملحد الذي اعتقد انه أدرك السعادة الحقيقة بتركه للدين وكانت المفاجأة التي هزت أركان المجتمع المصري آنذاك هي لما اكتشفت جثة المدعو اسماعيل أحمد أدهم الحاصل على الدكتوراه في الرياضيات من جامعة موسكو طافية على سطح شاطئ الإسكندرية في إحدى مساءات شهر يوليوز من عام 1940 أي ثلاث سنوات بعد تأليفه لكتاب لماذا أنا ملحد ، وقد أثبتت التحقيقات أنه مات منتحرا وكشفت أنه خط رسالة ووضعها في جيبه قبل انتحاره يقول فيها أنه قتل نفسه بالغرق بعدما يئس من الدنيا وبعدما ضاقت به الأرض بما رحبت وأوصى في رسالته بأن لا يدفن في مقابر المسلمين وبأن يحرق جسده ، ولكنه دفن في مقبرة إسلامية ولم يهتم أحد بوصيته . لقد كشفت هذه الحادثة المروعة أن هذا الملحد لم يكن سعيدا على الإطلاق بل كان شقيا تعيسا إلى الدرجة التى لم تعد لديه معها أية مقدرة على التحمل والاستمرار في الحياة ففضل الانتحار ، وقد كان يكذب على نفسه في حياته البئيسة وعلى الآخرين ممن كانوا يستمعون لكلامه وأوهامه ! [email protected]