شاهدت بالأمس فيلما فكاهيا بالأبيض والأسود لشارلي شابلان الفكاهي العالمي الغابر، وضحكت إلى أن آلمتني عضلات بطني، كان فيلما مصورا في العشرينات ولم يخل من رسالة أراد صاحبها إرسالها للمشاهد في قالب فكاهي مرح ملئ بالسخرية، لقد قدم شارلي شابلان-الفكاهي الخالد- عرضا ينتقد فيه الرأسمالية واستغلالها للإنسان وتشييئها له ! وسخر من النظرية التايلورية في العمل المتسلسل ! لقد كان رائعا حقا ،وأستعجب كيف لايزال الناس يستمتعون بأعمال هذا الفنان وقد مر عليها ما يقرب قرنا من الزمان ! وأتحسر على "فكاهتنا" كم هي رديئة وخسيسة تستخف بعقول الناس وتستغبيهم..كيف لا يخجل هؤلاء المهرجون من الظهور في التلفاز ببضاعة سافلة هابطة ؟! إن من يشاهد شارلي شابلان سيحس أن الرجل كان صادقا في عروضه وأراد من خلالها إرسال رسائل لاتتبدى للمشاهد بسهولة بل عليه وهو يضحك ويكركر ويقهقه أن يجهد تفكيره في فهم مغزى ومراد المبدع من خلال عرضه ! فكاهة راقية تحرك العقل والوجدان..كم مر على شارلي شابلان؟ الآن تغير الحال وأصبح الفن خادما تابعا للرأسمالية ولم يعد بوسعه السخرية منها بل الرأسمالية تقرر أي فن يبث للمشاهدين وفي أي وقت وبأية وجوه؟! وغدت العروض التلفزية عروضا متسلسلة على منوال العمل التايلوري ! "" إنالفكاهة نعمة من أجلنعمالله علىبني البشروموهبة اختص بهاالإنسان دونغيره من المخلوقت،فهيتبدد أحزانالنفسوانقباضها،وتخففف من آلامها ونصبها،وتجدد نشاطها وتوقظهمتها الفاترةوالإقبال علىالحياة..وكم من جفوة بينصديقين رثت بينها حبال الود،وزادت الوحشة بينهما هوة وعمقا،إلى أن عبرت روح المرح والفكاهة فوصلت من انقطع وأزالت الوحشة.. إنالفكاهة فن له رسالة،من خلال التهكم والسخرية والإستهزاء إشارةإلىسلوك شاذأو استغلال مقيت أو هضمللحقوق أو ظلمواستبداد أو سلوكياتمستفزة وغير ذلكمما يفسد المجتمعويلوثبيئتهالفكرية والوجدانية والخلقية..إن الفكاهةمزاج فكري تتوقفعلىنظرتنا إلىالأشياء ومايمكن استخراجه منها،فمثلا في الفيلم الذي شاهدته لشارلي شابلان يظهر من خلاله يقوم بحركات مضحكة داخل معمل..هي مثيرة للضحك لكن لو تأملنا وأمعنا النظر وجدنا أنها تنطوي على مآس وظلم..أجل..ذلك الإنسان الذي يعمل في مصنع لساعات طوال يقوم بنفس الحركات ولاحق له في الإستراحة أو تناول ما يقيم جسمه إلا إذا أنهى المدة التي حددت له دون رحمة من أرباب العمل الذين شيئوا هذا العامل وتعاملوا معه كالربوت..وفي الأخير مرض وأجر زهيد!هو واقع في المجتمعات البشرية حين حكمتها الرأسمالية فأتت على الأخضر واليابس من قيمها وإنسانيتها،فلاقيم غير قيم المادة ولا هوية ولا انتماء إلا إلى الرغبات والنزوات ! إنالمغاربة محرومونمن فكاهةراقيةهادفة،وكل سنةتكون برامجالقناتين علىموعد من الرداءةوالهزالالفنيبل والإستخفاف بالمشاهدين واستغباءهم واستبلادهم ! لايفتح المجال لفنانين قادرين على إضحاك المغاربة بعروض رسالية..لم يفتح لهم المجال لأن عروضهم هادفة ! والمتحكمون في زمام الإعلام التافه لايريدون للمغاربة إلا أن يكونوا كما تصورهم تلك التفاهات.. إنهم يريدون النيل من ثقافة المجتمع المغربي ومن قيمه..ومتى فهمنا أن وسائل الإعلام العصرية ينطلق استعمالها من مبدأ نكران وجود الذاتية الثقافية للمجتمعات فهمنا أن من نتائج ذلك توحيد النماذج والآراء والأذواق وتنميط الحياة ! وهذا يؤدي إلى خنق القدرة العقلية على التفكير والنقد والتحليل وهي مقومات رئيسية للثقافة..ثمة تحريف يمارسه أصحاب الفجور للثقافة لتغدو لهوا واستهتارا واستخفافا واستغباء وثمة برمجة للعقول وغسيل أدمغة تمارس على المغاربة..ألا ترى أن أذواق الكثيرين ونمط تفكيرهم وآراءهم واحدة ؟ لقد فقد غالبية الناس القدرة على التحليل والنقد فأصبحوا أوعية فارغة تملأ بأفكار شتى وقيم مختلفة ..والإناء لاينضح إلا بما فيه ! [email protected]