لا أحد في المغرب مُستثنى من الاكتواء بنار الرشوة، بما في ذلك الشباب من كِلا الجنسيْن، ومن مختلف الشرائح الاجتماعية سواء في الحواضر أو البوادي؛ فقد كشفت دراسة ميدانية لجمعية الشعلة، أعدّها عبد الكريم البريبري، أنّ الشبابَ المغربيّ يعتبر الرشوة ثاني أكبر مشكل في المغرب بعد التشغيل، متقدّمة على الفقر والأميّة والصحّة. فَمِنْ أصْل 671 شابّا وشابّة الذين شملتهم الدراسة، والذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و 30 سنة، والذين يتشكلون من التلاميذ والطّلاب والمأجورين والموظفين وبدون عمل، اعتبر 168 في المائة من الشباب، أي ما يمثّل نسبة 25 في المائة من العيّنة التي شملتها الدراسة، أن الرشوة تأتي في المرتبة الثانية كثاني أكبر مشاكل المغرب، بعد التشغيل، فيما حلّ الفقر في الرتبة الثانية ثم الأمّية فالصّحّة. الشباب المُستجوب ساقَ عدّة أمثلة من الرشوة، حيث جاءت الرشوة المتمثلة في دفع مقابل مالي مقابل الاستفادة من خدمة أو حقّ، في المرتبة الأولى بنسبة 85 في المائة، تليها الرشوة المتمثلة في الحصول على خدمة مقابل أخرى، بنسبة 35 في المائة، والوساطة بنسبة 30 في المائة؛ الدراسة خلُصت إلى أنّ ارتباط الرشوة بالمال يظلّ هو الغالب في جميع الحالات والأماكن، ويتساوى في ذلك المجال القروي والمجال الحضري، كما يتساوى النساء والرجال. وبخصوص الأسباب التي أدّت إلى انتشار آفة الرشوة، يرى الشباب المغربي، أنّ ذلك راجع إلى عدّة عوامل، منها عدم معاقبة المتورطين في قضايا الرشوة (48.4%)، وضعف التشريعات (33.2%)، وتجذّر الرشوة في الموروث الثقافي للشعب المغربي (32.8%)، وعدم لجوء المغاربة إلى القضاء في حالة تعرّضهم للابتزاز (30.7%) وتدنّي مستوى أجور الموظفين (24.7%). الدراسة كشفت، من خلال آراء المستجوَبين، الذين عزا 33 في المائة منهم أسباب تفشّي الرشوة إلى ضعف التشريعات والقوانين، أنّ هناك جهلا في صفوف الشباب المغربي بوجود القوانين، والإجراءات، والهيئات التي تحارب الرشوة، وهو ما يستدعي، تقول الدراسة، بَذْل مزيد من الجهود من طرف جميع المتدخلين على مستوى الإعلام، للتعريف بالقوانين والمؤسسات التي تحارب الرشوة. وفي السياق نفسه الذي تسير فيه التقارير التي تنجزها جمعية محاربة الرشوة في المغرب "ترانسبارانسي"، والتي تأتي قطاعات الأمن والعدل على رأس القطاعات الأكثر ارتشاء، جاءت آراء الشباب الذين شملتهم دراسة جمعية الشعلة لتنحو المنحى نفسه، حيث اعتبر 76 في المائة من المستجوبين أنّ الأمن هو أكثر القطاعات مساسا بالرشوة، يأتي بعده قطاع العدل ب63 %، ثم قطاع الصحة ب58%، ثمّ المجال السياسي ب55%، ثم الإدارة ب51.5%؛ وهو ما يعني أنّ الرشوة تمسّ جميع القطاعات الحيوية التي لها علاقة بالمواطن؛ وفي المقابل جاء القطاع البنكي والمقاولة والتربية والتكوين والإعلام كأقلّ القطاعات مساسا بالرشوة. المثير في الدراسة، هو أنّ العيّنة المستجوبة من الشباب، وإنْ عبّرت عن اعتبار الرشوة من أكبر المشاكل التي يعرفها المغرب، بعد التشغيل، إلّا أنّهم عبّروا عن استعدادهم لتقديم الرشوة في حالات معيّنة؛ فقد عبّر 211 شابا وشابة عن استعدادهم لدفع الرشوة من أجل الحصول على عمل، وقال 160 منهم إنهم مستعدّون لدفعها في حال سلب حقّ من حقوقهم، وعبّر 316 عن استعدادهم لدفع الرشوة في حال مرض أحد الوالدين أو ابن، وعبّر 123 عن استعدادهم لدفعها من أجل تعجيل المساطر. وسجّلت الدراسة أنّ الرشوة تتفاقم في المجال القروي أكثر مقارنة مع المجال الحضري، ففيما لم تتعدّ نسبة الشباب الذين سبق لهم أن قدّموا رشوة، في المجال الحضري 40 في المائة، فقد انتقلت النسبة في المجال الشبه حضري إلى 47 في المائة، لتصل إلى 60 في المائة في المجال القروي؛ الدراسة عزت سبب ذلك إلى كون المجال الحضري أكثر حظا من نظيره شبه الحضري فيما يخصّ الولوج إلى المعلومة، وإلى خدمات الهيئات المختلفة.