تعني الأمازيغية ببساطة : لغة السكان الأصليين لمناطق في شمال إفريقيا، والأمازيغيون هم أفراد ينتمون لقبائل شتى ويلتقون عند جدهم الأعلى الذي سموا باسمه وهو "مازيغ" أحد أحفاد النبي نوح عليه السلام حسب بعض المصادر التاريخية.أما تسميتهم ب"البربر أو البرابرة" فكانت من قبل الرومان للتنقيص من شأنهم لأن هذه التسمية لاتينية وتعني "المتوحشون". واليوم يطرح الملف الأمازيغي عدة إشكالات من النواحي: اللسانية والتصوريةوالتنظيمية،والتيارالأمازيغي،الوليد المحدث بعد الإستقلال، راجع إلى أحزاب وجمعيات ثقافية ذات أغراض وتوجهات مختلفة..فمن الناحية اللسانية تعرف اللغة الأمازيغية تعددا في اللهجات-وأشير هنا إلى أن اللغة أشمل وأوسع من اللهجة فنقول اللغة الأمازيغية متى أردنا جمع هذه اللهجات- ومن الناحية التصورية متضارب إلى درجة التناقض أحيانا،ومن الناحية التنظيمية فهناك تعدد غير متجانس.فمن تيار ثقافي محض إلى تيار سياسي يؤسس تصوراته على اتخاذ الأمازيغية إيديولوجيا سياسية علمانية تريد تجريد الأمازيغية من مضمونها الإسلامي بجعل مرجعيتها التاريخية الحضارية مغرب ماقبل الفتح الإسلامي. "" لقد عرفت الحضارة في المغرب تنوعا عرقيا وإثنيا – ثقافيا ولغويا- في إطار الدين الجامع والمحتضن لهذا التنوع وهو الإسلام، غير أن التيار الأمازيغي السياسي يتنكر لهذه الحقيقة التاريخية وهو التيار الطارئ الذي ظهر نتوءا شعوبيا في فترة انحطاط الأمة ككل التيارات الشعوبية التي تظهر أثناء التدهور الحضاري للأمم ومنها القومية والشعوبية العربية،من هنا كان الإهتمام الغربي خاصة الفرنكفوني منه بهذا التيار ،وبالموازاة هناك تيار أمازيغي يعتبر الأمازيغية مكونا ثقافيا هويتيا للمغاربة في إطار الثوابت الوطنية وتطالب بالإعتناء بها في إطار الوحدة والمرجعية الإسلامية. لقد ناقش فلاسفة اللغة وعلماء اللسانيات علاقة اللغة بالفكر،وأجمعوا على أن العلاقة بينهما علاقة التحام،فاللغة قالب للفكر،ويعني ذلك أن اللغة عبر التاريخ لها حمولة من الأفكار ومنها الأفكار الدينية التي يستحيل تجريدها منها، ولطالما كانت اللغة الأمازيغية متضمنة للمعاني الإسلامية فلا غرو أن نجد من الأمازيغ دعاة وعلماء عرفوا بإسهاماتهم في الفكر الإسلامي وأتقنوا اللغة العربية وألفوا فيها،وعرف منهم أخلاقيون مشهورون ودعاة كبار، فمن العبث إذن وضع اللغة الأمازيغية حاجزا متمترسا للمغاربة عن الإسلام،لأن الأمازيغية غير حاملة للمضمون الإسلامي،فالأمازيغ اعتنقوا الإسلام منذ 14 قرنا،وآمنوا به وأحبوه وتعلموه ونشروه،فهاهي ذي المدارس العتيقة تنتشر في ربوع سوس والتي لايزال كتاب الله يحفظ بها ويتدارس مع السنة النبوية ومصنفات الفقهاء ومتنوهم،فكيف لايكون للأمازيغية مضمون إسلامي؟! وأنا أمازيغي أتحدث مع أسرتي وأصدقائي بالشلحة ولاتخلوا من معاني إسلامية كما هو الشأن لمعظم الأمازيغ،الآباء يدعون لأبناءهم بالشلحة والأصدقاء فيما بينهم كذلك،بل أقول أن الأمازيغ في المغرب يتحدثون بالمعاني الإسلامية أكثر من العرب أنفسهم،وهم أكثر تدينا منهم-أقصد عرب وأمازيغ المدنية- ومعظم القياديين المسلمين "الإسلاميين" من الأمازيغ،فالقائد المجاهد عبد الحميد بن باديس في الجزائر كان أمازيغيا وزعيم العدل والإحسان أمازيغي والدكتور فريد الأنصاري أمازيغي وسعد الدين العثماني وغيرهم كثير،فمن المستحيل فصل الأمازيغية وتجرديها من المضامين الإسلامية،قصص وأهازيج وأشعار أمازيغية لاتخلو من المعاني الإسلامي،وعندنا في تيزنيت الفنان الدمسيري الذي استمد أشعاره الغنائية من مبادئ الدين الإسلامي،والتراث الأدبي الأمازيغي عامة عامربتعاليم الإسلام والدعوة إلى التمسك به والترغيب في الآخرة فإذن الأمازيغ متشبعون بالثقافة الإسلامية. إن اللغة الأمازيغية لغة مرنة اقترضت مفردات كثيرة من اللغة العربية،وأضفت عليها من بنيتها ما يجعلها طيعة للسان الأمازيغي،فمثلا مفردة: الجنة،عربية تنطق عندنا ب "الجْنْتْ" ،بتسكين الحروف، وكلمة الصلاة طوعت لتنطق عندنا ب" تَزَلِّيتْ"،والآخرة تنطق لدينا ب:"لِخْرْتْ" ، الرسول = رْسول، النبي= نْبي...في حين أن كلمات أخرى اقترضت بدون أن يطالها تطويع كمفردة : الله...وغير ذلك من المفردات أوردتها على سبيل المثال لا الحصر والتي يختلف تطويعها من لهجة أمازيغية إلى أخرى. وتحضرني قصيدة أمازيغية راقية طويلة كانت النساء والشيوخ يتغنون بها في مجالسهم سواء في الزوايا أو في البيوت وهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومطلعها: مُحْمَّادْ أْبُو لَنْوَارْ الصَّلاةْ عْلِيكْ أْ رْسُولْ إِعْزَّاكْ لْبَاري تْعالْ إِمْقُّورْ شَّانْكِي والمعنى بالعربية: محمد ياذا الأنوار الصلاة عليك يارسول عزك البارئ تعالى يا ذا الشأن العظيم فإذن أخطأ من سولت له نفسه أن يجعل اللغة الأمازيغية حاجزا بين الأمازيغ والإسلام لأن هذه اللغة قابلة لحمل المعاني الإسلامية بطبيعتها الصرفية والإشتقاقية وحملتها فعلا كما اتضح. إن مقولة أحدهم :"الإستعمارالعربي الإسلامي" لا موجب لها،نعم العرب هم من جلبوا الإسلام إلى المغرب،لكن المغاربة دافعوا عنه بعد ذلك بلا تمييز،وعرف منهم مجاهدون أمازيغ، كطارق بن زياد وعبد الله بن ياسين،وعبد الكريم الخطابي وموحا أحمو الزياني، ومجاهدوا قبائل أيت بعمران في إقليمتيزنيت...وأضيف إلى أن انصهار العرب والأمازيغ في المغرب وتداخلهم فيما بينهم إضافة إلى أجناس أخرى، بمصاهرات وتنقلات تجعل القول بخلوص الإنسان المغربي إلى جنس معين أمرا مستحيلا.وتقول حكمة أمازيغية ماترجمته إلى العربية:"قيل للثعبان من هو أخوك؟ قال : الذي معي في الغار"،ويالها من حكمة تعتبر مجرد الرابطة الجغرافية موجبة للأخوة ! وياليت الشعوبيين فهموها ! فإذن مقولة الإستعمار العربي الإسلامي للمغرب" مقولة الراقصين على الجراح،من المخبولين في هذه الحركة والذين يريدون جرها إلى الإلحاد والعنصرية ليس إلا! لقد نسي "الأمازيغيون" الشعوبيون المتسيسون أن الإستعمار لقي مقاومة شرسة من جنس بشري هم الأمازيغ وحال هذا الجنس دون نيل الإستعمار الغاشم مبتغاه في النهب والإستغلال،وهو من ذلك الوقت سيخطط لوضع لبنات تمهد للتطبيع مع هذا الجنس الأبي وتقريبه والإستفادة منه،فكانت اللبنة الأولى ماسمي ب"الظهير البربري" الذي استدعي تاريخه لتفنيد مزاعم الحركة الوطنية حوله وأغلب الظن أن هذا الإستدعاء هو بإيعاز من فرنكفوني معين على غرار كل المقالات التي يلوكها البعض حتى ما تعلق منها بالخصوصية! –فمثلا لا حصرا وجدت في كتاب عن إقليمتيزنيت يتحدث أحد المشاركين فيه عن بعض خصوصيات المنطقة من خلال ترجمة حرفية لما كتبه فرنسي حولها!- غير أن ثمة حقيقة حول "الظهير البربري"،أو ما أسميه بالمرسوم الفرنسي للأمازيغ حتى أكون موضوعيا،هذه الحقيقة تتمثل في أن الظهير نص على جعل إدارة المنطقة "البربرية" تحت سلطة الإدارة الاستعمارية، فيما تبقى المناطق العربية تحت سلطة "حكومة المخزن" والسلطان المغربي، وتم إنشاء محاكم على أساس العرف والعادة المحلية ل "البربر"، وإحلال قانون العقوبات الفرنسي محل قانون العقوبات "الشريفي" المستند إلى الشريعة الإسلامية؛هذه حقيقة لا تنتطح فيها عنزتان، ونستخلص منها أن هذا القانون قام بنوعين من العزل تجاه المناطق "البربرية"؛ أولهما عزل الإدارة السلطانية عنهم، وعزل الشريعة الإسلامية عن التقاضي بينهم، على اعتبار أن العادات والأعراف البربرية كانت سابقة على الإسلام! فما ثمة من موجب لنبش التاريخ والقول إن فرنسا من خلال "الظهير البربري" لم تكن تستهدف خلق ميز بين أمازيغ المغرب وعربه،يمكن لأي كان أن يستوضح العكس من نص ذلك المرسوم الذي لم يسم صراحة بالظهير البربري،لكنه سمي ظهيرا وفرنسا لم تكن تطلق على الأمازيغ غير "البربر" أي المتوحشون كما فعل الرومان من قبل أيام "تاكفاريناس" فتسمية "الظهير البربري " لها حظها من الموضوعية. فإذن الفرنكفونية تغذي هذا التيار الشعوبي العنصري وتشجعه! أو ليست الفرنكفونية نفسها خطرا على الأمازيغية؟ ألا تهدف إلى نشر الثقافة الفرنسية الكولونيالية والتمكين لها في البلدان المستعمرة بالأمس؟ ألم يسع المستعمر إلى عزل الأمازيغ عن العرب؟ لنستمع إلى المستشرق "جودفروي دومومبين" في كتابه "المهمة الفرنسية فيما يخص التعليم في المغرب" الصادر عام (1928م):" إن الفرنسية -وليست البربرية- هي التي يجب أن تحل مكان العربية كلغة مشتركة وكلغة حضارة"، ثم يقول: "وجود العنصر البربري مفيد كعنصر موازن للعرب يمكننا استعماله ضد حكومة المخزن"، "إن قوام السياسة البربرية هو العزل الاصطناعي للبربر عن العرب، والمثابرة في تقريبهم منا من خلال التقاليد".وصدق الرجل،لقد حلت الفرسية مكان العربية و"البرابرة" أنفسهم آثروا التحدث بها وخلطها مع "بربريتهم"! فمسخت الشخصية الثقافية واللغوية المغربية عربية وأمازيغية،و يكاد لا يوجد اليوم مجتمع أفريقي لا تمثل "اللغة الفرنسية" لغة وطنية فيه. هكذا نجد "الأمازيغيين" الإيديولوجيين خاصة متأثرين بثقافة لا تمث لهم بصلة لا لغويا ولا حضاريا ولا تاريخيا وهم الداعون لإحياء ثقافتهم! لست ضد تعلم اللغات ولكن ضد التجرد من ثقافة وتبني أخرى كان أصحابها في وقت قريب يستغلون الأجداد،يذبحونهم وأبناءهم.. وما أستحيي أن أذكره! والفرنكفونية تروج لنمط العيش والتصور الفرنسي وهما جزء من حضارة مبنية على أسس:مناقضة الإسلام و"التحرر" من الله و"سيادة" الإنسان الغربي ! ولا يستفيد سوى من لهم أطماع استعمارية،فلا غرابة أن نجد هؤلاء يشجعون مثل هذه التيارات المتطرفة ويدفعون بها لخدمة مخططاتها. لقد كانت الشخصية المغاربية – عربية وأمازيغية-أمام الإستعمار الفرنسي طيعة مرنة قابلة للتشكيل السريع مع الأسف لم تتمسك لابلغتها العريقة ولا بدينها في حين واجهت شعوب أخرى مسلمة فرنسا الساعية إلى فَرْنَستهم وتنصيرهم، بالإصرار على الإسلام ولغتهم الأم "العربية"، ولنا في سوريا عبرة إذا اللغة الرسمية بحق هناك هي العربية وبها تدرس العلوم وتكتب الوثائق الإدارية،أما في مغربنا فاللغة الوحيدة ذات الإمتياز على حساب هويتنا وثقافتنا وإسلامنا هي الفرنسية،ومثقفونا ومسؤولونا لايحسنون غيرها إلى درجة أن نخجل من بعضهم حين يتحدث على الجزيرة بلغة فيها من الركة ما يلوث الأفكار بنبرة صوتية تقدم صاحبها كمهرج..كم هو مضحك من يزعم أنه يدافع عن ثقافته ولغته في الوقت الذي يرتمي فيه بين الأحضان الشائكة لثقافة ولغة غيره ، ويتسول منه أفكارا يلوكها في الندوات والمحاضرات ويستعرف منه تاريخ بلده وخصوصياته !!! [email protected]