الناظورْ "" حقل ليس له ناطورْ مبغى مفتوحُ الأبوابِ ... وماخورْ يرتع فيه الشرطيُّ الدركيُّ الجنديُّ العاهرة العمدة والعامل والوالي أما أبناءُ الشعب المقهورْ ليس لهم غيرُ ملوحة بحرٍ وقواربُ موتٍ وحصار عُبورْ الناظور مدينة مشوهة لا تعرف لها وجها من قفا! مدينة الفوضى بامتياز... فوضى في الطرقات المتربة الضيقة المفلوقة، في الأسواق المكتضة المخنوقة، في المقاهي التي تكاد كراسيها المفروشة على قارعة الشوارع تأخذ حصة السيارات، في المباني والعمارات، في الدكاكين والمتاجر، في لباس الناس وسحناتهم، في كلامهم وتعاملهم. مدينة ليس فيها ما يميزها سوى بحرها المختنق المتعفن... يجلس الشباب العاطل بين يديه كل مساء ويحدقون في الأضواء المتألقة على الجانب الآخر من الأرض حالمين بغد وردي قد يأتي ... وقد لا يأتي... وأنا أنزل من الطائرة في مطار العروي، يفاجئني ليل المدينة العجوز، يتخفى وراء ناطحات سحاب أقيمت فجأة بين ليلة وضحاها كالعادة في هذه المدينة العجيبة الغربية بأموال مشبوهة... الناظورُ مدينتنا العالهْ رُبْعُ السُّكّان على التهريب يعيشْ والربع الآخر في زرع وبيع حشيشْ و الباقي آوْته بضربة حظ أو لكمة حُكم، لا أعرف أوربا من فقر وبطالهْ أقف في الطابور الطويل منتظرا أن أصل إلى الشباك المهترئ حيث يجلس موظف، يُشعر الزائرين، بطريقة استفزازية متعمدة، بأنه يؤدي عمله وهو كاره له، متبرم به، يتسلم جوازات السفر في لا مبالاة، ويملأ بعض الإستمارات ثم يرفع الطابع المتآكل ويهوي به على الجوازات الممددة بين يديه على المكتب بكل عنف، محدثا قرقعة وجلبة .... في كل مرة أمر بمطار من مطاراتنا أتساءل عن سر هذه الظاهرة؟ هل يا ترى بسبب الطابع المتآكل الذي لا يلتصق مداده بالأوراق إلا بهذا الخض والعنف والقوة؟ أم أن وراء كل هذا حنق موظفي المطارات وحقدهم وضيقهم بهؤلاء الزائرين "المترفين" "المنعمين" كما يخالون؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد خطة تقشفية ترمي الحكومة من خلالها إلى الإقتصاد في مصاريف المداد والطوابع؟ يلفت نظري أن الموظف الملول لا يعبس إلا في وجوه الزبناء من الرجال، بينما يبتسم للنساء منهم، كاشفا عن فم مخروم، يكاد التسوس يأتي على بضعة أسنان فيه لازالت تقاوم ... ((ظاهرة أخرى تلفت النظر وتسترعي الإنتباه: أفواه جل موظفينا في مطاراتنا وموانئنا وحدودنا (من خفراء وشرطة ومخازنية) تكاد تخلو من الأسنان، أو أن ما تبقى فيها من بعض الأسنان الصفراء المتآكلة، يكاد يأتي عادي التسوس عليها.. فهل وراء هذه الظاهرة أيضا سر من الأسرار؟)) . خلف الشباببك الضيقة رجال كثر بانتظارنا... لا تميز لهم عملا في المطار... أغلبهم يستند إلى الجدار في تكاسل ويرمقنا... هؤلاء المغاربة القادمين من هناك... من الضفة الأخرى...هؤلاء "المحظوظين"... البعض الآخر يتفرس في الملامح والقسمات، كأنه يريد أن يتشمم أية رائحة من روائح أوربا، لازالت عالقة بملابس ووجوه الوافدين... فلا تضرب أنفه غير روائح العرق النفاذة، ممزوجة بعلامات الإرهاق التي حفرتها وعثاء السفر على محيا الزائرين... ستمعن في حفرها أكثر ساعة الإنتظار العسيرة الأولى في الطابور الطويل وساعة الإنتظار الثقيلة الثانية حتى تصل الحقائب الضخمة، يتلقفها عامل أعزل إلا من يدين سمراوين، انقصم ظهره وهو يحلمها بذراعيه ويرميها على الشريط المتحرك بكل عنف، غير عابئ بسلامة الأشياء التي بداخلها... في السيارة، وبينما نحن في الطريق إلى البيت، يلفنا الظلام إلا من بعض أضواء شاحبة ترسلها أعمدة النور المتناثرة هنا وهناك... وبعد مسيرة ساعة إلا بعض دقائق يطل علينا فجأة، مع أول خيط من خيوط الفجر، وجه الناظور شاحبا .. مختنقا ... ورأيت الناظورَ المخنوقَ يمدّ يدَا يتسول بعض هواء وقليلا من فيْءْ وعلى البعدِ البحرُ مدَى لكن كروش البارونات المنفوخة تملؤه قيْءْ ... ....لكن كروش البارونات المنفوخة ... تملؤه قيْءْ ....