كان جمهور أكادير على موعد مع العرض الأول لمسرحية "حبر العين"، التي تحاول مقاربة ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال، ضمن قالب إبداعي دراماتورجي، هو الأول من نوعه على المستويين الوطني والعربي، يزاوج بين حرقة الأسئلة ومتطلبات الركح. وتحاول هذه المسرحية، التي جاءت بمبادرة من جمعية دروب الفن أكادير، بشراكة مع جمعية "ما تقيش ولدي"، رصد الآثار النفسية على ضحايا ظاهرة الاعتداءات الجنسية على الأطفال، وأن تدق ناقوس الخطر عبر الدعوة إلى إشراك كل الفعاليات والأجهزة المعنية من أجل الانخراط الفعال في الحد من خطورتها. وتدور أحداث هذه المسرحية حول طفلة لا تحمل اسما محددا تعرضت لاغتصاب جماعي لكونها كانت ضحية الصمت والتواطئ فسبب لها النزيف الجسدي جروحا نفسية واجتماعية لا تندمل، ومن ثم جاء بوحها وأنينها تعبيرا عن حالة التشظي والانشطار التي عكستها شهادات الشخصيات الأربع التي تقمصت بقوة وإقناع أدوار هذا العمل الفني. فإلى جانب الشخصية المركزية، توجد شخصيتان، هما في طبيعتهما أصوات متشظية في كل تجلياتها وتشعباتها المتعددة للشخصية الأصلية، التي تراوح الحكي بين وعي ولا وعي وشعور ولا شعور وصوت وبوح وجرح وشفاء، فضلا عن حضور الطفل نزار الذي ما انفك يستفز الجمهور بأسئلته البريئة التي لا تنتهي حول فعل الاغتصاب لعدم قدرته على "فهم لماذا وكيف وقع ". وأوضح محمد جلال أعراب، مخرج المسرحية وصاحب السينوغرافيا، أن هذا العمل الإبداعي حاول، من منطلق انشغاله بإحداث تأثير واسع في المتلقي، استثمار إنجازات البحوث الدراماتورجية المابعد حداثية من خلال الاشتغال على الوسائطية، باستعمال الجانب الوثائقي المتمثل في صور الضحايا، الوقفات الاحتجاجية، تصريحات فعاليات المجتمع المدني المتتبعة للظاهرة، وفنون الأداء من كوريغرافيا وتعبير جسدي وأصوات غنائية ولعب، وفنون الحكي من انشطار الشخصية، الفلاش باك، تداخل السرد والتعبير، والفنون المرئية للسينوغرافيا، تقسيم الخشبة إلى مساحتين متداخلتين : مساحة للصورة ومساحة للعب والإضاءة والألوان وخيال الظل. واعتبر أن الإخراج المسرحي لهذا العمل يخطو نحو خلق دينامية داخلية لعلاقات الشخوص المسرحية من خلال ذرائع نصية فيها ما يعود إلى الواقع المباشر وفيها يعود إلى الرمز والإيحاء، مؤكدا أن العلاقة بين هذه العناصر في بناء نظام الفرجة تتم عن طريق تكسير بنية السرد الحكائي المتمركزة على قلب بنية الحكاية، وتحكم اللامعقول فيها واختلاط الدنيوي المدنس بالمثالي المقدس لحرية الطفل وسلامته في مجتمع تختلط فيه الأشياء وتتعقد. ولبلوغ هذا المرمى، يضيف مخرج المسرحية، "ارتأينا في بداية هذا المشروع أن نتصور شكلا بصريا يتأسس على البعد الإيحائي والرمزي والمرجعي في ذاكرة المجتمع وحاولنا الرمز للظاهرة بالأخطبوط وتوغله واشتباكاته وبين أذرعه تختنق دميات إيحاء إلى ضحايا الاغتصاب". من جانبها، شددت رئيسة جمعية "ما تقيش ولدي" نجاة أنور على أهمية الإبداع الفني في التحسيس بظاهرة الاعتداءات الجنسية على الأطفال، مذكرة بأن الجمعية ساهمت بإنجاز فيلم قصير بعنوان "صمت بصوت عال" من إخراج إدريس الإدريسي وشريط طويل بعنوان "رقصة الوحش" للمخرج حسن بن جلون، فضلا عن إنجاز عدد من الأغاني المتنوعة بجميع اللغات واللهجات.. وقالت: "اليوم اعتمدنا المسرح لأننا واعون بأن المسرح هو أبو الفنون وبه نضجت أمم وتقدمت شعوب. فلم لا نشرك معنا المسرح لشن الهجوم على هذا الوحش الكاسر، ظاهرة الاعتداءات الجنسية على الأطفال". تجدر الإشارة إلى أن هذا العمل المسرحي، الذي مدّته حوالي ساعة و10 دقائق، سيتم تقديمه بأغلب مدن جهة سوس ماسة درعة وبجل المدن المغربية، على أن يعرض في وقت لاحق بكل من تونس والكويت وألمانيا وبلجيكا وفرنسا وهولندا وكندا وإسبانيا. باستثناء كبيرة البردوز، التي سبق لها أن لعبت أدوارا سينمائية ومسرحية سابقة، قام بتشخيص أدوار هذه المسرحية ممثلون يصعدون للمرة الأولى على الخشبة وهم صفية زنزوني ودينا أنور وبدر نزار أعراب، فيما أشرف على الإضاءة سعيد عادل وصفاء رمضاني في المحافظة العامة. * و.م.ع