على موائد الإفطار وفي تزامن مع أذان المغرب، يخرج جني الإشهار من عقال زجاجة التلفزيون الوطني، ويتدفق بشكل فوضوي على الموائد، ينقض على العيون ويستولي على الأفئدة، خصوصا حين يظهر أول رجل فضاء مغربي يحمل " مرقته معه" إلى جوار سدرة المنتهى، بعدها يختلط الشمبوان بمشتقات الحليب ومركز الطماطم يعانق معجون الأسنان تمتزج زيوت المائدة بالمياه المعدنية، ومن شركات التأمين إلى السيارات والشقق مرورا بالأبناك بطبيعة الحال وبحفاظات الأطفال.
هستريا ملونة تعكس هيمنة الاستهلاك على ما دونه من القيم، ولكنها هستريا تحمل منا بعض خصوصياتها، ولهذا لا أحد يمكنه أن يعترض على الإشهار مادام لا يحيد عن مبادئ اللباقة، باعتباره احد الروافد المهمة لانتعاش مشهدنا التلفزي، ومن خلاله دعم الإنتاج الفني الثقافي الوطني.
نار الأسعار:
على مائدة الإفطار التي أشعلها الغلاء وارتفاع أسعار احتياجات هذا الشهر الكريم، وتدنت مرتبتها بالنسبة للكثير من الأسر، التي تعتبر الزبون الرئيسي لقناتينا التلفزيتين، والتي تتحلق حول الصندوق لمشاهدة فنانيها المحليين في تجاربهم الفنية الجديدة، سواء من خلال المشاهد الضاحكة، أو الانتاجات الدرامية التي تقترب على تعثراتها الكثيرة، من الواقع المغربي، لكي لا نقول مخيبة للآمال كالجيوب المثقوبة في مواجهة الغلاء،
"ضحكني إذا قدرتي"
بناء على كل ما سلف، الأسر المغربية ترغب في الضحك، إن لم تكن في حاجة بيولوجية ونفسية إليه، ومهمة إضحاك المغاربة - مسؤولية ليست سهلة كما قد يبدو- يضطلع بها في هذا الشهر على القناتين، مزيج من الفنانين المغاربة الشباب، والعديد من الوجوه الرائدة من بينها من سقط سهوا أو عمدا ولزمن طويل من أجندة مشهدنا التلفزي. مثلا سعيد الناصري الذي يعود إلى دوزيم في سلسلته " نسيب الحاج عزوز"، مؤازرا بالعديد من الرواد من أمثال مصطفى الداسوكين مصطفى الزعري، المحجوب الراجي وحمادي عمور، عائشة مهماه.
أما بالنسبة لوكالة "سير حتى تجي"و الفنان محمد الجم، قد غادرا فضاء الأولى ، بعد أربعة مواسم متتالية، وعوض الوكالة تقدم الأولى هذه السنة محمد الخياري الذي يجدد نفسه محاطا بالمتألقين من الفنانين الشباب وبالفنانة راقية الأداء دوما الفنانة نجاة الوافي.
لكل قناة هفوة
إذا كانت الأولى قد قررت ملء فراغ ساعة الذروة بمسلسل مصري، وكالعادة تحت ذريعة " الجمهور عايز كده " ،فان قناة دوزيم ونظرا للضغوط التي مورست على قسم برمجة القناة قد أخطأت الفترة الزمنية لعرض سلسلة بنت بلادي، ليس انتقاصا من قيمة السلسلة أو من قيمة الأسماء المساهمة فيها، ولكن من طبيعة محتواها وعدم انسجامه مع التوقيت الذي تعرض فيه.
أحكام مسبقة:
مايزال على مايبدو في جعبة قناتينا مفاجآت أتحدث بالخصوص عن الفقرات التي لم نطلع عليها و أقصد بالذات سلسلة " المجدوب" التي سنتمكن من مشاهدتها الليلة على أمل أن تشد أنظارنا من خلال على إحدى العلامات البارزة من تراثنا الشفهي مجسدا في شخصية شاعر جوال يختصر معاني الحياة ودروسها في كلمات الولي الشاعر والحكيم سيدي عبد الرحمان المجدوب. نتمنى أن نعانق بعض النجاح في هذا العمل، خصوصا أننا نعرف بأن هذه الشخصية وبعد خمسة قرون على وفاتها كانت وراء نجاح انتاجات مسرحية وحلقت كلماتها بأغنية ناس الغيوان إلى خارج حدود المغرب، المسلسل الذي سنكون مدعوين لاكتشاف أولى حلقاته الليلة، سوف يعرض كل خميس خلال شهر رمضان وتستغرق كل حلقة مدة 45 دقيقة وهو من إخراج فريدة بورقية يرافقها فريق عمل يتكون من ابرز النجوم المغاربة محمد مجد، محمد بسطاوي، سعيد باي، محمد بنبراهيم، حنان إبراهيمي إضافة إلى الفنان عبد السلام البوحسيني الذي يقوم بدور البطولة في المسلسل، وكلها ضمانات على مقدار ما سيحققه "المجدوب" من نسبة مشاهدة.
يبقى من الضروري الإشارة إلى أن الطفرة التي يشهدها الإنتاج الوطني على مستوى الكم لا يوازيها تطور نوعي إلا في القليل من الأعمال، التي لاقت استحسانا من لدن الجمهور، في حين لم تتوفق الانتاجات الأخرى مثل سيتكوم "كول سانتر" لمخرجته نرجس النجار. أو سلسلة بنت بلادي لعزيز سعد الله وخديجة أسد التي لم يفدها في شيء التعاقد مع المخرج الأجنبي.
أحكام القيمة:
القناة الأولى تسجل بعض التقدم الملحوظ وتنال بعض الرضا من لدن المشاهد المغربي بينما يتراجع مستوى القناة الثانية سنة بعد أخرى ما يكذب خطابها الذي يدعي أنها تلفزة تقترب من المواطن تعكس مشاكله وانشغالاته.