يكاد الباحثون والاقتصاديون يجمعون على أن الهدف الأسمى من التنمية هو سعادة الإنسان ورفاهيته و تطوير وتقدم المجتمعات. "" إننا إذن أمام هدف عظيم وكبير بكل المقاييس. وهو في الوقت ذاته هدف نبيل يستحق كل الجهد والتضحية من الإنسان لاخية الإنسان. قد نتفق في كل هذا، ولكن عمق الإشكالية يكمن في ماهية الوسائل الإجرائية المعتمدة لتحقيق هذا الهدف الكبير. ولنرجع قليلا للمقاربة التي اعتمدتها السياسات الحكومية منذ بدأنا نسمع بمفهوم التنمية كما يروج له الخطاب الرسمي، وكما تعتمدها الكثير من جمعيات المجتمع المدني.. ألم تقترح علينا الحكومات المتعاقبة فكرة المجتمع المدني كحل سحري لكل أزماتنا . فكيف تفهم الحكومات التنمية عن طريق المجتمع المدني ؟ وهل المقصود بالتنمية ترك المواطنين يدبرون مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية باعتمادهم على ذواتهم لتوفير مداخيل تسد حاجتهم وتجعلهم في غنى عن الدولة؟ أم المقصود إلهاء الناس بهذا الكم الهائل من الجمعيات والمنظمات والتعاونيات التي غالبا ما لا تحمل من معاني التعاون والتضامن إلا الاسم ؟أم هو سعي حثيث من أجهزة الدولة للمزيد من ضبط حركة المواطنين؟ وهل الحل السحري لمشاكلنا الاجتماعية يكمن في الإكثار من الجمعيات ؟ أم تراه تهرب الدول مسؤولياتها الملقاة على عاتقها إزاء المواطنين ؟ إن الواقع اليوم يؤكد أن الكم الهائل من هيئات المجتمع المدني التي خلقت بإرادة أصحابها أو بإيعاز ممن يهمه الآمر،لم تفلح في تحقيق السعادة ولا التنمية ، فلا هيئات المجتمع المدني، ولا المبادرات والصناديق التنموية استطاعا استنقاذ البلاد والعباد من الفقر الذي أحكم عضته وعشش فينا،.فما زلنا نعيش ونرى يوميا كل مظاهر البؤس، والهوة لا تزال تتسع بين الغني والفقير. إن مقاربة إشكالية التنمية بالشكل الذي نراه ببلدنا، لم تكن يوما ناجحة ولن يكتب لها النجاح.إذ كيف نوكل هذا الأمر العظيم للمجتمع المدني ،ونحن لما نزوده بعد بالمقومات الضرورية لإنجاح البرامج التنموية. فلا زالت المقاربة الأمنية هاجسا حاضرا لدى الدولة كلما تعلق الأمر بالمجتمع المدني وبالتالي يصدق علينا قول انطونيو غرامشي الذي يعتبر المجتمع المدني أداة للترهيب الرمزي حيث يتحدث عن نوعين من السيطرة داخل الدولة: السيطرة السياسية التي ترتكز على أجهزة الدولة أو الأجهزة الأمنية ، والسيطرة المدنية وترتكز على الأجهزة الإيديولوجية غير الرسمية (مؤسسات غير رسمية، أحزاب ، جمعيات ، نقابات، اتحادات...) وهكذا فما لم تسطع الدولة فعله، من تكريس سلطتها على المواطن وضبط حركته وتحركاته، توكله إلى المجتمع المدني تحت غطاء التاطير والإشراك وغيرها من المصطلحات العائمة والتي لا تنج فعلا وإنما تنتج صراعا حقيقيا تنجذب إليه أطراف كثيرة غايتها السيطرة وتحقيق مآرب شخصية. فكيف نتحدث عن تنمية في ظل هذه الاستراتيجية الخطيرة ؟ إن التنمية فعل مخطط غايته تحقيق سعادة ورفاهية الإنسان بشكل مستديم وفي انسجام تام مع المحيط الداخلي والخارجي. ولذلك يتعين باذء ذي بدء القيام بالتالي: * تأهيل الفرد والأسرة وإعدادهم إعدادا جيدا للقيام بدورهم من خلال برامج التعليم والتكوين المنطلقة من مشروع مجتمعي واضح المعالم حتى يتسنى للمجتمع بمختلف فئاته الانخراط فيه. * إشاعة الحريات العامة و دمقرطة كل مناحي الحياة وتخليقها بما ينسجم ومرجعية المجتمع وجذوره وهويته وقيمه التاريخية و المعاصرة. * إرجاع الثقة للمواطن في نفسه وفي مستقبل مشرق وغد أفضل، ولا يكون ذلك إلا بانتهاج سياسة تواصلية واضحة في احترام تام لشروط العقد الاجتماعي الذي يربط الدولة بالمواطن. * القطع مع كل أشكال الوصولية والانتهازية والأنانية المفرطة لدي بعض الأفراد والجماعات. * بث روح الوطنية والايجابية في المجتمع التي فقدنا منها الكثير بسبب غياب الشفافية والكذب المستمر ، وقتل روح التنافسية . عندما تعمل الدولة على تفعيل ما قلناه ، جاز لها أن تطالب المجتمع بالانخراط في تدبير شؤونه، فعندها تكون قد هيأت له الأرضية المناسبة للفعل والانطلاق نحو التنمية ، لتكون النتيجة إبداعا وإنتاجا في كل نواحي الحياة. فهل الدولة راغبة في ذلك وهل لديها الإرادة السياسية اللازمة لتحقيق التنمية ؟ إذا كان الجواب بنعم فهنيئا لنا بتباشير التقدم والازدهار، وإلا فلنكف عن الخطابات السياسوية والاستهلاكية، ولندع المجتمع يتلمس طريقه وحده عله يهتدي يوما ، ولنكف عن انتظار تنمية من مجتمع مدني لا يزال غارقا في الجهل والتخلف والأمية .