لم يكن ليخطئ كل ذي فطنة في ملاحظة توجه اعتبره البعض جديدا بالمغرب، حيث انبرى شعراء ومثقفون لانتقاد الحكومة التي يرأسها عبد الإله بنكيران، إما عن طريق رسائل مفتوحة أو مقالات موجهة للحكومة وعدد من وزرائها، ينتقدون توجهاتها ومسارها وقراراتها. وإذا كان البعض يجد أن توجه هؤلاء الشعراء ليس خاصا بالحكومة الحالية، بل سبقتها انتقادات مثقفين وشعراء لحكومة التناوب على سبيل المثال، فإن البعض الآخر أكد أن هذا التعاطي مؤشر على مرحلة من الغضب اعترت الجسم الثقافي بالبلاد، فيما يخشى آخرون أن تكون هذه المبادرات "تصفية حسابات سياسوية ضيقة". وكان شعراء عديدون قد لفتوا الانتباه برسائلهم المفتوحة أو مقالاتهم التي هاجموا فيها الحكومة الحالية، من بينهم الشاعر صلاح الوديع الذي انتقد تصرفات بنكيران وخاطبه بالقول "هل أنت رئيس حكومة أم مُتصرف في قطيع"، والشاعر صلاح بوسريف الذي قال إن حكومة بنكيران تمارس الريع السياسي، بينما انتقد محمد بودويك الوزير محمد الوفا، ناعتا إياه "بلسان الحكومة الطويل". بوسريف: ممارسة النقد السياسي الشاعر صلاح بوسريف قال إن أسلوب الرسائل المفتوحة لم يكن جديداً بالنسبة له، فقد كتب رسائل منشورة في الصحف الوطنية، لوزراء حكومات سابقة، وانتقد سياساتهم فيما يتعلق بتدبير الشأن العام، وخصوصاً وزراء الثقافة، الذين يدخلون في طبيعة اهتمامه وانشغالاته، ومنها رسائله لوزير الثقافة السابق بنسالم حميش، وأيضاً انتقاداته لحكومة التناوب. وأفاد بوسريف، في تصريحات لهسبريس، بأنه كتب أيضا رسائل مفتوحة لرؤساء اتحاد كُتاب المغرب، لفضح طبيعة الفشل الذريع الذي عرفته تجربتهم في التسيير والهيمنة على الاتحاد، بتحويله لإقطاعية خاصة، بما في ذلك بيت الشعر في المغرب، الذي هو اليوم بيت مُحْتَلّ، أو هو غنيمة حرب بالأحرى" وفق تعبيره. وتابع صاحب ديوان "شرفة يتيمة" بأن ما يكتبه بشكل أسبوعي، منذ أكثر من أربع سنوات، يدخل في صلب اهتمامه بالمجال السوسيوثقافي، وضرورة الانخراط في وضع الأمور في سياقها، في كل ما يتعلق بالشأن الثقافي، وغياب سياسة ثقافية للدولة، أو انعدام اهتمام الدولة بالشأن الثقافي". أما ما يتعلق بالنقد السياسي، فأنا أمارسه من موقع المثقف، الذي كان دائماً له رأي وموقف مما يجري، فسارتر وفوكو في فرنسا، على سبيل المثال، كانا مفكرين كبيرين، لهم انشغالاتهم الثقافية والفكرية، ولكنهم كانوا يخرجون في المظاهرات، وينتقدون سياسة الدولة، ودائماً من موقع ورؤية المثقف التي تكون غير رؤية السياسي الذي يغير موقفه بحسب مصالحة" يورد بوسريف. وأوضح المتحدث ذاته بأن "الشاعر، أو المثقف عموماً، فهو صاحب فكر ونظر، وما يقوله أو يكتبه مبني على تتبع وتفحُّص وقراءة وتحليل، وليس خاضعاً بالضرورة لتقلبات المواقف والمصالح". واستطرد بوسريف بأنه "لا انتماء له، فقد تحرَّر من الانتماء السياسي ليبقى قادراً على الرؤية بحياد نسبي، وليحتكم فيما يكتبه لِما يصل إليه من نتائج عبر ما يقوم به من مقارنات وتتبع وتحليل"، مردفا أن "ما كتبه كان في عمومه قراءة لِما تحقق، وما يجري في الواقع، بالقياس لطبيعة الخطابات والبرامج والوعود التي قدمها الذين هم اليوم في السلطة". ولفت الشاعر إلى أنه "عندما بدا له أن المثقف لم يخرج من صمته، وظل مُقيماً في كتابته الإبداعية دون غيرها، خرج هو ليكتب وينتقد ويشير، مثل طفل الإمبراطور، للفساد الذي لا يتعلق بالدولة وبالأحزاب فقط، بل حتى بفساد المثقفين ممن انخرطوا في السلطة في حكومة التناوب، وكانت غنائم المواقع والكراسي هي ما يَهُمُّهُم، "وهذا ما سيصدر ضمن كتاب فيه عملت على انتقاد علاقة المثقف بالسلطة، وتنازله عن المعرفة" يقول بوسريف. وخلص الشاعر والناقد إلى أنه "لم يتنازل عن طريقته في الكتابة، كما توهَّم البعض، بل إنَّ الشِّعر والبحث في الفكر والتاريخ والجمال ظلت بين أهم مشاغله التي تأكل الكثير من وقته، رغم إكراهات العمل والوظيفة"، مضيفا أن "من يقرأ تاريخ كبار الكتاب من مثل طه حسين، والعقاد، وتوفيق الحكيم، سيجد أن هؤلاء كانوا أصحاب رأي، في الشأن العام، دون أن يؤثر ذلك على كتاباتهم". لغتيري: توجه محبذ بدون سياسوية وبالنسبة للروائي مصطفى لغتيري فإنه لاحظ كباقي المتتبعين للشأن الثقافي المغربي هذا التوجه لدى بعض المبدعين، الذين فضلوا استعمال الرسائل المفتوحة بطريقة شخصية أو جماعية لانتقاد الحكومة، أو بعض أعضائها، أو التقدم إليهم ببعض الطلبات الملحة". وأشار لغتيري، في تصريحات لهسبريس، إلى ما حدث خلال معرض الكتاب الأخير، من خلال مراسلة بعض الكتاب لوزير الثقافة لتيسير حصول الناشرين السوريين على تأشيرة الدخول إلى المغرب، قصد الإشراف على أروقتهم داخله". وأبرز لغتيري بأن هذا التوجه قد يدل على "غياب هيئة فاعلة وسيطة تنقل انشغالات الأدباء إلى الحكومة أو أعضائها، بما يجعل التواصل مفيدا وفعالا، ومن ناحية ثانية يدل على أن الكاتب قد وصل مرحلة من الغضب، تدفعه لرفع صوته عاليا وإحراج المسؤول أو المسؤولين بسبب سلوك معين". واستدل مؤلف رواية "أشلاك شائكة" بما وقع لدى حديث رئيس الحكومة باللغة الفرنسية خلال افتتاح فعاليات المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، وهو الذي ينتمي إلى حزب محافظ كان استعمال اللغة العربية في الأنشطة الرسمية من بين مطالبه الرئيسية، التي كان يرفعها إبان وجوده في المعارضة، كما أن بعض تعابيره أثارت حفيظة بعض الأدباء مما دفعهم للاحتجاج على ذلك". واسترسل المتحدث بأن هذا النوع من الرسائل المفتوحة قد يكون محبذا ومطلوبا، ويعبر عن عودة المبدعين إلى الاهتمام بالشأن العام بشكل مباشر، كما يدل من جانب آخر عن حجم حرية المبدع في التوجه بالنقد إلى الحكومة وأعضائها". وبالمقابل، أبدى لغتيري "خشيته من أن يتعلق الأمر في بعض الرسائل بنوع من الحسابات السياسوية الضيقة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار انتماء بعض هؤلاء المبدعين إلى أحزاب سياسية، تعبر عن عداوة مكينة ومعلنة تجاه مكون الحكومة الأساسي، مما يفقدها الكثير من المصداقية" وفق تعبيره.