ليس أسوأ ما في الاعتراف الفرنسي الصريح بسيادة المغرب على صحرائه هو إزعاج "أحبائنا" الذين يقتسمون معنا الماء والهواء، ومن "حبهم" لنا يسرقون منا الهوية والحضارة والتاريخ؛ إنما الأسوأ هو أننا فقدنا طعم الإثارة التي كنا نجدها عند كل اعتراف دولي جديد بمغربية صحرائنا المباركة، وفقدنا نكهة الحماسة التي كانت تثير مشاعرنا كلما أقدمت دولة جديدة على فتح قنصليتها في العيون أو الداخلة المباركتين. فها هو مجلس الشيوخ في الباراغواي يصادق بالإجماع على حث حكومته للاعتراف بمغربية الصحراء، وها هي الصين تنوي تدشين قنصلية لها حيث يكره الخصوم والأعداء، وها هي المظاهرات السنوية التي كان يقيمها صعاليك البوليساريو في إسبانيا كل عام بمناسبة عيد الاستقلال، والتي كان يحضرها عشرات الآلاف، لم تعد تستقطب إلا بضعة جرذان تبحث عن جبن فاسد. ورغم كل هذا وأكثر، لم نعد نبتهج ونستبشر مثلما كنا نفعل من قبل، والسبب هو موقف فرنسا، سامحها الله. لقد بات مسلسل الصحراء المغربية مُمِلًّا بلا نكهة أو طعم، وبلا مستجدات ولا متغيرات ولا طوارئ، إلى درجة أن مَلَّ من مشاهدته القاصي والداني. حتى الأممالمتحدة لم تعد تنسج إلا قرارات الأمس بلا زيادة أو نقصان، ولم يتبق لها سوى أن تدعو في الثلث الأخير من الليل بالهداية لنظام الكابرانات، الذي يبدو أن الله لن يهديه حتى ولو دُعِي له في حجر الكعبة، اللهم إذا دعا له سماحة "حلف الناتو" تحت البند السابع؛ وآخر الدواء الكي. إن قضية الصحراء المغربية، بعد اعتراف فرنسا التي تملك جميع الأدلة والوثائق والبيانات في الموضوع، والتي على علم تام بحيثياتها وملابساتها وظروفها، لم تعد مشكلة تخص المغرب وحده، بل تخص النظام العالمي الجديد برمته، وتُسائل القانون الدولي ومؤسساته العتيدة التي من المفروض أن ترعى السلم والأمن الدوليين. فمن العيب والعار على الإنسانية جمعاء أن تُعَمِّر هذه القضية، التي لا لُبس فيها ولا جدال، يوماً آخر، بعدما عَمَّرت ظلماً وعدواناً قرابة نصف قرن. (*) عضو الأمانة العامة لحزب النهضة والفضيلة