منذ أن كتبت مقالة الكتابة الإلكترونية بصيغة المؤنث ، والتي أثارت بأسلوبها الاستفزازي المتعمد بعض المدونات، وعيني على ما تدونه المرأة المغربية على النت، إلى أن وجدت نفسي أقرأ مقالة للمدونة مريم تيجي بعنوان ولادة في مستشفى عمومي على موقع هسبريس، انتهيت من القراءة و انتقلت إلى صفحة مدونتها لأول مرة أقرأ مدونة أو مقال على الإنترنت وأحشائي تتقطع، كيف لا، والموضوع هو التقاط لحظات المخاض و الولادة في مستشفى مغربي عمومي تابع لوزارة الصحة ، من مجموع المقالات التي كتبت اخترت لكم هذه المقاطع التي تبين حجم معاناة المرأة المغربية الفقيرة وهي في أشد لحظات الألم .. الدم: تقول مريم واصفة طريقة تعامل المولدة مع المرأة الحاملة :" بلامبالاة خاطبتها بعد أن وضعت قفازا طبيا في يدها :"يالله آللا حلي رجليك..واه باقي عاد بديتي.." غرست أصابعها في أحشائها المتألمة، ثم أخرجتها مليئة بالدماء". الجنين الهارب: وفي سياق بيان قسوة الإهمال للمرأة الحامل تقول مريم:" بينما كانت تحاول أن تحلل ما يصل إلى سمعها وسط ضوضاء الأنين والألم تقدمت منها جارتها صاحبة السرير المقابل وهي تجر الخطى وتضغط على أسفل بطنها المنتفخ وقالت لها :"مسكينة من البارح وهي هنا جيت أنا واياها فنفس الوقت وساعة هادي وهي كتغوت ما داها فيها حد حتى زلق ليها ولدها بين رجليها ودابا كيقولو ليها علاش ما عيطتيش ملي حسيتي راك قربتي..".... فتحي رجليك: استطاعت مريم أن تلتقط قساوة اللغة الموجهة للمرأة الحاملة فضلا عن الإيذاء الجسدي فتحكي قائلة:" كانت تستمع لمجريات الفحص التي بدأت في الممر المقابل، وتسمع الأنين والآهات والألم تقطعها أوامر غريبة تصدر عن المولدة التي جاءت للفحص والمراقبة :"حلي أللا رجليك...هزي قاعك..." شعرت بالحرج وهي تستمع إلى هذا القاموس الذي كان يمكن أن ينتمي إلى أي مكان إلا إلى هذا المكان الذي تستقبل فيه كائنات بشرية تتنفس هواء هذا العالم لأول مرة" . قولي آآلله و زحمي: وتعرض مريم بوصف دقيق للحظة ولادة يختلط فيه الألم بالكوميديا السوداء تحكي قائلة :" بعد دقائق قليلة، جاءت المولدة، بدأت تصدر أوامرها بصرامة، "بلاتي ما تزحميش (لا تدفعي)، حلي رجليك مزيان..تنفسي من فمك... تذكرت نصيحة جارتها لها قبل أن تغادر المنزل عندما وضعت ورقة من فئة خمسين دهما في جيبها وقالت لها "لا تعط شيئا لأي شخص سوى للقابلة التي تكونين متأكدة من أنها هي التي ستولدك، لكي تساعدك ولا تتركك مرمية بعد الولادة على ذلك الفراش البارد" تلمست جيبها، وعندما اقتربت منها، وضعت الورقة في سترتها، انتبهت المولدة للورقة الخضراء وتأكدت من استقرارها في مكان آمن، إلا أنها تظاهرت بأنها لم تر شيئا، واصلت عملها برفق أكبر"بسم الله..يالله عاونيني وكلشي غادي يكون على خير"..استمر الألم في التصاعد وبدأت تددفع الهواء الى بطنها رغما عنها، إلا أن المولدة نصحتها بأن تتنفس وتدلي لسانها حتى لا تؤذي نفسها أو تؤذي طفلها.. أصبحت الولادة أكثر رحمة رغم الألم...كيف لم تتذكر نصيحة جارتها عندما دخلت، لو أنها حملت معها حزمة من الأواق الخضراء لما تعرضت لأي إهانة.. يالله زحمي (ادفعي) ..زيدي ..زيدي..قربت.. الرأس على وشك الخروج... خارت قواها لم تستطع الاستمرار في الدفع، لكن المولدة بادرتها "لا ..لا تتوفي الآن..استمري في الدفع اصبري لم يبق إلا القليل يالله..عاونيني آبنتي الله يرضي عليك.. استجمعت قواها، للحظة عابرة تذكرت النساء اللواتي يلدن في الأفلام الأمريكية، وكيف يتم حقنهن وتزويدهن بالمصل لكي يستطعن اجتياز هذه اللحظات العصيبة، إلا أن كل ذلك يبدو مجرد سينما، أرجعتها المولدة التي امتلأت رحمة وعطفا بفضل الوقة الخضراء، إلى الواقع عندما ربتت على فخديها العاريتين..يالله زحمي..قولي آآلله وزحمي زيدي..زيدي ..قربت صافي خرج الراس..ما توقفيش.. زحمي.......شعرت بشيء دافئ وصلب يندفع من أحشائها ويسحب معه كل آلامها إلى الخارج...." قرأت كل هذا وغيره بتألم شديد، وأحسست أني أمام عمل تدويني فريد من نوعه، أعطى الولاء للمضمون على حساب الشكليات التقنوية، فقررت الاتصال بالأستاذة مريم لتجبني عن سؤال واحد، لماذا التدوين عن حال الحوامل و المرضى؟ لا أخفيكم بسرعة متناهية وصلني الجواب من مريم قائلة: " لم يزرع مكان ما في قلبي من الألم ما زرعته المستشفيات وعيادات الأطباء في هذا الوطن ، منذ كنت طفلة صغيرة وبحكم أني كنت "ممراضة" كما تقول أمي دائما عشت تجارب مرة ليس فقط مع المرض ولكن مع من كان المرجو عندهم العلاج أيضا" إنها إذن عانقت إحساس المرضى وهي طفلة و اقتربت منهم وهي ممرضة ، تتذكر وهي طفلة قائلة:" أن الناطق الرسمي باسم المستوصف المستوصف والذي لم يكن أحد يعلم إن كان طبيبا أم ممرضا أم مجرد عون خدمة، يطرد العجائز وينصحهن بأن يعالجن نوبات السعال التي تنتابهن ب"الشريحة وحسوة البلبولة" كما فعل مع جدتي التي ماتت في سبعينيات القرن الماضي بعد معاناة مع مرض اكتشفنا بعد أن كبرنا وورثناه منها أنه حساسية تتطور مع الوقت الى مرض الربو." و تتذكر وهي موظفة قائلة:" لازلت أتذكر بعد أن قدر لي أن أعمل بوزارة الصحة كيف قامت القيامة عندما وصل أطفال فرنسيون أصيبوا بتسمم الى قسم المستعجلات، وكيف نزل مدير المستشفى من عليائه ليتأكد من أن هؤلاء المرضى خمس نجوم تلقوا العلاج الصحيح، في حين كادت مواطنة مغربية قادمة من بني ملال وكانت ضيفة عندي أن تقضي حتفها، لأنها كانت مصابة بتسمم دموي قاتل بسبب فيروس نقل لها أثناء الولادة، وترددت على قسم المستعجلات أكثر من مرة طيلة اليوم لأن حالتها لم تكن تتحسن، إلا أن "الاطباء" الذين لم يكونوا سوى متدربين "يتعلمون الحسانة فريوس اليتامى" لم ينتبهوا الى أنها في مرحلة النفاس وأنها قد تكون مصابة بتسمم دموي خطير، فكانوا يصرفونها في كل مرة مع وصفة طبية تافهة لم تكن تحسن حالتها، إلى أن وصلت الى الهاوية وبدأت تحتضر قبل أن تتدخل طبيبة من خارج المستشفى لتنقد حياتها بأعجوبة" كل هذا دفع مريم تيجي إلى التمني :" تمنيت أن يسير الناس في مسيرات لا نهاية لها للمطالبة بخدمات صحية تصون كرامتهم، تمنيت أن تتوقف الجمعيات النسائية المخملية عن ترديد أسطواناتها التي باتت مشروخة وأن تقيم الدنيا ولا تقعدها حتى تتحسن معاملة الأمهات وهن يعطين للوطن الحياة في حين تسلب منهن الكرامة وأحيانا الحياة أيضا..تمنيت لو أن ما بات يعرف بالمجتمع المدني أدار وجهه قليلا لينظر الى هذه الأقبية المظلمة ويسلط الضوء على ضحايا لم تكن لهم ميولات انقلابية ولا نزعات سياسية معارضة أو مؤيدة ولا انتماءات حزبية، ومع ذلك سالت دماؤهم وداسوا على الجمر في سنوات مهانة لم تنته بعد" لكن شيء من هذا لم يحدث، فكان الملجأ إلى التدوين و الكتابة الإلكترونية تقول مريم:" لذا قررت أن أكتب بلسان الأمهات الموجوعات، بلسان المرضى اليائسين وبلسان من لا لسان له..ولهذا انطلقت هذه السلسلة من المخاضات التي لا أعرف كيف ستنتهي ولا ماذا ستنجب لكنها ستسير قدر المستطاع" . مريم تيجي المتصرفة الإدارية بالمركز الاستشفائي بالرباط التابع لوزارة الصحة تقول عن الكتابة في مدونتها سفر:" عندما أكون في المكتب أكون مجرد موظفة مثل الملايين عبر العالم، وعندما أكون مع أطفالي أكون أما ككل الأمهات، وعندما أقف في المطبخ أكون ربة بيت ككل النساء...لكن عندما أكتب أكون أنا، وإن كان عجين الخبز الذي أعجنه يمكن لأية امرأة أخرى أن تعجن مثله، فإن ما أخطه لا يمكن أن يتكرر أبدا ..أبدا لهذا فقط أستمر في الكتابة، وعندما أتوقف مكرهة عن الكتابة، يتوقف مجرى حياتي عن التدفق" إنني بعد هذا اللقاء الجميل مع الأستاذة مريم تيجي ، أحلم في يوم من الأيام أن يكون لكل موظف أو موظفة مغربية مساحة إلكترونية على الإنترنت، ليكون رقما في معادلة الإصلاح و التغيير، ولو بكلمة حق في وجه لوبي فاسد مفسد ، نشب مخالبه في أركان الإدارة المغربية .. [email protected]