بدأ العد العكسي للانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها يوم 7 شتنبر 2007. فبعد الانتهاء من الإعداد القانوني لهذه الانتخابات، وبعد إتمام عملية التسجيل في اللوائح الانتخابية وما رافقها من عزوف وثغرات، نشهد هذه الأيام حلقة أخرى من مسلسل معروفة نهايته ونتائجه مسبقا مما يفقد متابعته طابع التشويق ويجعل الإقبال عليه ضعيفا، إن لم نقل ضعيف جدا جدا ... "" الفصل الذي نعيشه هذه الأيام هو تقديم العديد من الأحزاب لبرامجها الانتخابية متضمنة تشخيصها لمشاكل البلاد والحلول التي تقترحها لتحسين أوضاعها ومعالجة اختلالاتها. ولا يخفى على أحد أهمية هذا الأمر في أي انتخابات؛ فالبرامج تشكل أساس التعاقد مع الناخبين، ووسيلة التمييز بين المرشحين، وأداة الحكم على صواب أو خطإ كل الفرقاء السياسيين. لكن المتتبع لحملة الإعلان عن البرامج الانتخابية يلاحظ مجموعة مفارقات لا يمكن القفز عليها بسرعة دون وقوف وتأمل. 1- تتناسى هذه الأحزاب أن الفاعل الوحيد في الميدان هو الملك ومحيطه، وهو الذي باستطاعته أن يضع برنامجا وليس على الأحزاب إلا التسابق والتنافس على حسن تنفيذه، أي أنهم خدم، أو هم في أحسن الأحوال أعوان تنفيذ. المسائل الأساسية تناقش ويحسم فيها خارج الحكومة، في المجلس الوزاري الذي يتحكم الملك في توقيت انعقاده ومكانه وجدول عمله، أو في المؤسسات الموازية التي تنشأ لذلك الغرض، أو بين دائرة ضيقة من الوزراء ومستشاري الملك وبعض المقربين من صناع القرار. والعجيب أن هذا الأمر تكرر أكثر من مرة خلال هذه الولاية وفي قضايا كثيرة وحساسة بحيث همشت الحكومة والبرلمان والأحزاب المشكلة للأغلبية، ومع ذلك تغيب هذه الأحزاب في برامجها موضوع السلطة والاختصاصات والصلاحيات والمسؤوليات... دور الحكومة، إذن، تنفيذ السياسة العامة وليس صناعتها، ولذلك فهي لا تعدو أن تكون إدارة من نوع آخر، ولا يسع المرء وهو يقرأ الفصل 61 من الدستور الذي ينص على أن الإدارة موضوعة رهن تصرف الحكومة إلا أن يستغرب لأن هناك إداريين أكبر من الوزراء المشرفين عليهم، ويتعلق الأمر بالموظفين السامين المعينين بظهير ، مديرو مؤسسات عمومية وكتاب عامين لوزارات ...، والذين لا تملك الحكومة سلطة عليهم، وكذا لأن الحكومة هي كذلك إدارة موضوعة رهن تصرف القصر يفعل بها ما يشاء. وهذا هو تتمة الفصل 61 المسكوت عنه في الدستور أو المكتوب بالحبر السري الذي لا يقرؤه إلا من دخل دار المخزن. هذا عن الحكومة، فماذا عن الأحزاب؟ نص الدستور على أن " الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والجماعات المحلية والغرف المهنية تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم" أي أن الوظيفة محصورة فقط في تأطير المواطنين، ونفس الأمر نص عليه قانون الأحزاب في المادة الثانية " تساهم الأحزاب السياسية في تنظيم المواطنين وتمثيلهم. وهي بهذه الصفة، تساهم في نشر التربية السياسية ومشاركة المواطنين في الحياة العامة وتأهيل نخب قادرة على تحمل المسؤوليات العمومية وتنشيط الحقل السياسي." أي أن وظيفتها بعيدة عن الوصول إلى السلطة وممارستها. فمن يتولى السلطة إذن؟ ومن يحاسبه؟ وكيف؟ وظيفة الانتخابات في الدول الديمقراطية هي التداول على السلطة، ووظيفتها في المغرب تسع كل شيء إلا هذا الأمر، ولذلك فمن الأفضل تسميتها باسم آخر غير الانتخابات، أو التنصيص على أننا في دولة غير ديمقراطية. وحينها فالحديث عن الانتقال الديمقراطي ومسلسل الدمقرطة والتحول نحو الديمقراطية استهلاك إعلامي وتسويق سياسي لا أقل ولا أكثر. لماذا تغفل الأحزاب هذا المحور في برامجها؟ أو لماذا لا تعطيه المكانة التي يستحقها؟ هنا يجب أن نميز بين هذه الأحزاب، فبعضها، والحديث هنا عن أحزاب الكتلة تحديدا، يرى أن ورش الانتقال إلى الديمقراطية أغلق وطويت صفحته، على الأقل في شقه السياسي، فلا حديث عن إصلاح دستور ولا توازن السلط ولا تقليص لصلاحيات الملك ولا تقوية لدور الحكومة والبرلمان وما إلى ذلك من مطالب كانت تتصدر برامج هذه الأحزاب. والأولوية عندها لانتقال من نوع آخر، هو الانتقال في شقه الاقتصادي والاجتماعي. وهذا يدل على الضعف الذي وصلت إليه هذه الأحزاب، ودرجة اليأس التي بلغتها قياداتها، وقمة التبعية التي آلت إليها حيث صارت تتبع خطوات المحيط الملكي صاحب هذا النوع من التشخيص والتحليل والذي يركز على أولوية التنمية في بعدها الاقتصادي والاجتماعي، وهذا ما أعلنه الملك في خطاباته حول المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. أما ورش إصلاح السلطة بما يعنيه من إصلاح سياسي ودستوري فلا يلجأ إليه إلا من باب المناورة والابتزاز. وهناك نوع آخر من الأحزاب تعرف حقيقتها وحجمها وظروف تأسيسها وهي تستبعد هذا الورش من دائرة اهتمامها حتى لا تجلب عليها غضب السلطة التي صنعتها وترعى استمرارها وتضمن مصالحها. وهناك نوع ثالث من الأحزاب يحاول "شد العصا من الوسط" فلا ينفي الحاجة إلى إصلاح السلطة ولكن سبيل ذلك هو التوافق مع القصر وهم بهذا يتهربون من إثارة الموضوع لأنهم يعرفون سلفا أن المبادرة لن تأتي من القصر إلا إن أحس بأن ميزان القوى يميل لغير صالحه. أما النوع الرابع من الأحزاب فإنه يلح على أولوية هذا الورش ولكنه لا يتبع إلحاحه بخطوات عملية وربما يرجع ذلك إلى عزلته ونخبويته، أو إلى التزامه بقواعد اللعبة كما هي موضوعة سلفا من قبل المتحكمين في صناعة القرار، وإلا فما يمنعه مثلا أن يمارس حقه في اقتراح تعديل الدستور كما ينص على ذلك الفصل 104 الذي يعطي الحق لعضو أو أكثر من كلا المجلسين اقتراح مراجعة الدستور؟ صحيح أن هذه الخطوة لن تؤدي إلى تعديل لاشتراط الدستور مسبقا موافقة ثلثي المجلس ولكن من شأنها إحراج الممتنعين وإحداث فرز سياسي وسط المجلس، فضلا عن تبرئة الذمة. 2- يطغى على برامج العديد من الأحزاب عموميات في التشخيص والاقتراح، ويغلب عليها طابع التشابه والاستنساخ مما يجعل الناخب في حيرة من أمره، وهنا نتحدث عن الناخب المتتبع والمطلع والمواكب أما الناخب العادي فإن عوامل أخرى هي المتحكمة في اختياره، وهي إما قرابة عائلية أو قبلية أو طمع في عطاء أو خضوع لأوامر رجال سلطة... كما أن بعض الأحزاب تصر على تدبيج برامجها بأرقام وإحصاءات وتفاصيل مرجعها بالأساس معطيات رسمية مشكوك في صحتها وبالتالي سلامة الخلاصات المستنتجة منها وكلنا يعرف المهازل التي ترافق الإحصاءات في كل مرة وحين. كما يلاحظ امتلاء برامج العديد من الأحزاب بالوعود والأماني التي تتكرر في كل مناسبة انتخابية رغم أنها لم تحقق منها شيئا، بل إن من هذه الأحزاب من يتحدث عن إحداث مناصب شغل للملايين وهي التي تورطت في ملفات فساد أثبتت عن عجزها في توظيف بضعة آلاف. فمثلا حزب الاستقلال يعد في برنامجه الانتخابي بإحداث مليون و300 ألف منصب شغل وهو الذي لم يتمكن أمينه العام السيد عباس الفاسي حين كان وزيرا للتشغيل، من إيجاد مناصب شغل لثلاثين ألف مواطن في قضية النجاة. ونفس الأمر يقال عن الاتحاد الاشتراكي حين كان يتحمل نفس الحقيبة في عهد السيد خالد عليوة. والمشكل في هذه الوعود الانتخابية خلوها من أساليب المحاسبة في حالة عدم الوفاء والإنجاز، وخاصة في ظل التزوير الذي يطال الانتخابات. 3- تتناسى هذه الأحزاب أن نمط الاقتراع والتقطيع الانتخابي لن يسمحا لأي حزب بالحصول على أغلبية مريحة، بل إنهما لن يؤديا حتى إلى أغلبية منسجمة، ولذلك فلن يتضمن برنامج الحكومة الائتلافية إلا النزر اليسير من برنامج كل حزب مشكل لها. إن حظوا بهذا الشرف!!!. وهذا نوع من العبث السياسي واستخفاف بالناخب وخاصة في ظل إرجاء هذه الأحزاب الحديث عن تحالفاتها إلى ما بعد إعلان النتائج. ولا نفتأ نؤكد بأن انتخابات وفق نمط اقتراع فردي في دورتين كفيلة بمعالجة هذا الاختلال. بعد فك مشكل الحكم طبعا. كان على هذه الأحزاب مصارحة الناخبين بحقيقة الوضع، وهو أن هناك عوامل كثيرة تعوق تنفيذها لوعودها، وهي عوائق سياسية ودستورية وقانونية ومؤسساتية وعرفية. ومنها ما واضح للعيان، كما أن منها ما لم يخبره إلا من دخل تلك السراديب. وما ينبئك مثل خبير. ومن تمام الوضوح شرح الوضع العام كما هو ليتحمل الكل مسؤوليته، أحزابا ومواطنين. خلاصة الأمر أنه بعد فشل المراحل السابقة من مسلسل الإعداد للانتخابات في لفت انتباه المواطنين وجذبهم للمهرجان الانتخابي ستفشل حلقة البرامج الانتخابية، وسيضاف إليها فشل ذريع للحملات الانتخابية، وسيخلص الجميع إلى أن الانتخابات في المغرب لا تشكل قضية لدى المغاربة ولا تستحق كل هذه الجهود والأموال والأوقات. بل إنها لا تساوي حتى ثمن المداد الذي يسال حولها. ووحده سؤال الحكم هو المدخل، ولن ندخل البيوت من أبوابها إلا إن أجبنا على: من يحكم المغرب؟ وكيف؟ وبماذا؟ ومن يختاره؟ ومن يحاسبه؟ [email protected]