أهدى الملك محمد السادس، أمس الاثنين، خنجرا ذهبيا إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يعد تذكارا له دلالة تاريخية عميقة في الوعي العسكري المغربي، ترتبط بفرق "الكوم المغاربة"، الذين تولى محمد المعزوز الدفاع عنهم في روايته "حرب الكوم". هؤلاء الجنود عُرفوا بولائهم الكبير للوطن، واستجابوا لدعوة سلطان البلاد محمد الخامس للدفاع عن فرنسا أمام الاحتلال النازي. المصادر التاريخية تشير إلى أن الالتحاق بمعارك تحرير الجمهورية الفرنسية من المد الألماني التوسعي خلال بداية الحرب العظمى الأولى، جاء تلبية لنداء أطلقه السلطان محمد الخامس في خطاب له سنة 1939. كان المغرب وقتذاك خاضعا للحماية الفرنسية التي بدأت منذ عام 1912 بعد توقيع السلطان عبد الحفيظ معاهدة فاس؛ فحكمت باريس المنطقة السلطانية، بينما بسطت إسبانيا نفوذها على المنطقة الخليفية، وظلت طنجة منطقة دولية. منذ التحاقهم المبكر بالجيش الفرنسي، ضحى هؤلاء بحياتهم من أجل تحرير أول المناطق الفرنسية "كورسيكا"، وفق مصادر، حتى صار من غير الممكن كتابة الوعي التاريخي الفرنسي دون استحضار الدور الأساسي الذي قدموه. ولهذا، يعتبر منح علامة مرتبطة هذه الفرقة، وفق الباحث في تاريخ المغرب المعاصر مصطفى القادري، بمثابة "تذكير رمزي" بالحضور الوازن الذي لعبه الجيش المغربي في صراع العالم الأوروبي، وخاصة الفرنسي، ضد النازية. ولا يمكن لباريس ولا لمؤرخيها التغاضي عن دور أولئك المغاربة الذين خاضوا الحرب ب"حس أخلاقي عال"، كما أوضح محمد المعزوز. وقد اشتهروا أيضا بشعارات رددت في أرض المعارك، منها "زيدو لقدام". وهي مقولة تُتداول في شهادات كُثرٍ من الذين عاصروا هذه "الفرقة الباسلة"، وترجح مصادر أن المارشال الفرنسي كيوم خاطبهم بها. حملت الفرقة معها طموحا للنصر لا يصدأ. فكانت "الخناجر" في نهاية الحكاية ذهبا خالصا، ظل حاضرا في التشابك التاريخي والسياسي بين المغرب وفرنسا. هدية الملك محمد السادس لماكرون، حسب ما فسره القادري لهسبريس، لا تخرج عن سياق التذكير بهذا الدور الذي لعبه المغاربة في الدفاع عن فرنسا خلال مرحلة تاريخية جد حساسة وحاسمة، معتبرا أنها تحمل دلالات كثيرة؛ فهي تقدير رمزي للشخص، وأحيانا تحيل إلى الانتقال من مرحلة نحو أخرى، إذ يُقدم الخنجر للعريس في الثقافة الأمازيغية كبداية لتحمل المسؤولية والإقبال على شكل جديد للحياة ورؤية العالم. القادري مضى في تفسيراته التاريخية مبينا أن منح هدية من هذا النوع يعتبر تقليدا مغربيا وحاضرا في تاريخنا، وحين تكون من الفضة تعتبر ثمينة، لكن إذا كانت مرصعة بالذهب، فإن ذلك يمنحها قيمة أكبر، مشيرا إلى أن تقديمها لماكرون بعد توقيع الشراكات بالقصر الملكي يواصل، من جهة أخرى، عملية "تبادل الهدايا الرمزية بين الدول، إذ ستظل موجودة في الإليزيه دائما"، كهدية للرئيس الفرنسي بوصفه "ثقلا سياسيا ورمزيا في الجمهورية". الأستاذ الباحث في تاريخ المغرب المعاصر بجامعة محمد الخامس بالرباط تناول أيضا "مربط فرس الهدية"، مشيرا إلى أن "الكومية" هي رمز للجنود المغاربة الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية، كاشفا أن هؤلاء "هم نواة الجيش الفرنسي، الذي شارك في هذه الحرب انطلاقا من العمليات الأولى في تونس. الفرنسيون حينذاك كانوا تحت نير الاحتلال النازي الألماني". وواصل شارحا: "إن اعتُبرت فرنسا منتصرة في الحرب العالمية الثانية، فلقد كان ذلك بفضل تلك النواة التي شاركت في معارك منذ زمن الجنرال هنري جيرو، لا سيما معارك تونس والإنزال في كورسيكا الذي لم يكن فيه سوى المغاربة، ولم يكن فيه بريطانيون أو غيرهم"، لافتا إلى أنه "بعد الحرب العالمية الثانية، أسس أصحاب الرتب العسكرية العالية المتقاعدون جمعية اسمها [الكومية] اعترافا بما قام به المغاربة في هذه المرحلة". ولم ينس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شكر هؤلاء المجندين المغاربة في صفوف الحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية، خلال خطابه أمام البرلمان، اليوم الثلاثاء، معلنا أن فرنسا تشعر بالكثير من التقدير والعرفان تجاه كل الجنود الذين استجابوا لدعوة الملك محمد الخامس، والذين تشير مصادر تاريخية إلى أن فرنسا هي التي طلبت عون السلطان المغربي استجابة لما كُتب عن صلابة وقوة المحاربين المغاربة.