الموضوع الذي أود أن أضعه بين أيديكم، هذا الأسبوع، ذو صلة بقضية الصحراء. القضية المركزية في الشأن السياسي المغربي منذ أمد بعيد. ليس سرا أن ألاف الأسر المغربية قدمت لهذه القضية الغالي والنفيس من الأبناء والأرواح..بل إن ملايين المغاربة تكبدوا غلاء المعيشة من أجل الصحراء، وتقلصت الوظائف من أجل الصحراء، وتأجلت المسيرة التنموية من أجل الصحراء، وصرفت ملايير الدولارات من أجل الصحراء..وتأجلت نقاشات ومشاريع إصلاحية اجتماعية وسياسية من أجل رمال الصحراء.نعم الصحراء تستحق كل هذا وأكثر.وليس مواطنا ولا وطنيا من يمن شيئا على الوطن.لا جدال. لكن بالمقابل، وتأسيسا على ما سلف، ماذا نعرف عن الصحراء القضية والمصير؟ ماذا نعرف وكم يحجب عنا من المعلومات التي يعد ولوجها حقا للمواطن؟ ومن عليه أن ينور المواطن الذي قال لسان حاله عن كل تضحية قدمها للصحراء:" كله يهون لرموش عيون الوطن بيهون" على رأي مجموعة العاشقين الفلسطينية أو بدارجتنا السمحة "اللي كلاتو الصحرا تستاهلو".طيب. لا أزعم أني أملك أجوبة للأسئلة أعلاه، لكن بوسعنا أن نتطارح الموضوع ونناقشه بهدوء، ومن باب: "هذه صحرائي وهذه أرضي وهذه روحي لها فداء،فدعني أعرف عنها..على الأقل". قيمة الكتاب الذي تنشر هسبريس حلقاته تباعا، وتبث قناة المهاجر لقاء مع بطله، إدريس الزايديى ، قيمته بالنسبة لي تكمن في كونه وثيقة للتاريخ بالصوت والصورة والكلمة.لكن هل يشفي الكم المعلوماتي الوارد على لسان المتحدث الغليل حول ملف الصحراء؟ لا أظن. إذا كان هذا المواطن المقاوم، تحدث باعتباره "شاهدا على الغدر" وكشف لنا الفظاعات، في شقها الإنساني والحقوقي، فمن يجرؤ على الحديث من أجل مزيد من جلاء الحقيقة؟. في قضية الأسرى بالذات، لماذا سكت الإعلام العمومي عنهم، ولم يعطهم حقهم في الحديث؟ هل هو خوف أن يصدر منهم ما لا يراد له أن يخرج للنقاش العمومي..إلى حين؟ أم أنه إصرار من جهة ما، لا يسرها أن تتعدد الروايات، وبالتالي تتضح حقيقة حرب الصحراء الطاحنة عسكريا واقتصاديا فتتحدد المسؤوليات على ضوء المعلومات لمركز القرار الأعلى؟ المؤكد أن إدارة الصراع على الجبهتين العسكرية والدبلوماسية لم تكن فاشلة تماما ولا كانت ناجحة بما يكفي. من يقول بالفشل المطلق يغالط التاريخ وما عليه سوى أن يذهب للعيون، مثلا، ليكتشف الجهد الذي بذل على جميع المستويات، ومن يقول بالنجاح الباهر فليفسر لنا لم طال أمد الصراع وما الذي حال دون حسمه عسكريا في وقت سابق، علما أن تاريخ الجيش المغربي يشهد له بالبطولة وصلابة الدفاع وشراسة الهجوم؟ يتعلل بعضهم بأن المغرب كان يواجه دولا كثيرة، وهذا صحيح إلى حد كبير، لكن الذي شيد الحزام الأمني- المعجزة، في ظرف صعب،ما كان لشرذمة من قطاع الطرق ومقاتلين من أزواد وصحراويين بدو مغرر بهم أن تطيل معه الصراع كل هذا الوقت. أتساءل مع كثيرين: لماذا لم نحسمها عسكريا؟ هذا الجواب سيظل معلقا وشخصيا لا أنتظر الجواب من مؤسستنا العسكرية لأنها ببساطة مضربة عن التواصل، وربما تعتبر التواصل ضعفا أو المطالبة به تطاولا على هيبة مؤسسة سيادية. لكن دعنا نلح عليهم، بحق دماء إخوان لنا استشهدوا وأخرين يجهل مصيرهم، بحق من قضوا زهرة العمر في سجن الرشيد والدخل والرابوني..وما سواهم من مجاهل الحمادة الملعونة،نلح عليهم أن يقيموا متحفا حيا لملحمة حرب الصحراء وأبطالها الحقيقيين، بالصوت والصورة والكلمة الموثقة.أقول هذا وتسرح بي الذاكرة إلى زيارة للعيون قبل سبع سنوات حين وقفت بعيني المجردة على مجزرة تاريخية: العتاد الإعلامي الذي صورت به المسيرة الخضراء والأستوديو المتحرك، عبارة شاحنة زرقاء،وعدد كبير من التحف..كلها في كراج كبير تراكمت فوقها الغبار وعلاها الصدأ. ألغاز الصحراء كثيرة مثل أسرار رمالها.فالذي كان عدوا بالأمس صرنا نجلس إليه اليوم ونتفاوض.والذي كان يبشر بالانفصال سرا أضحى يشتغل في جو مريح علنا، بل يذهب للجزائر ليلعن المغرب ثم يعود إليه سالما غانما مزهوا بدعم "حماة تقرير المصير" من جعلوا مصير بلادهم ووطنهم في كف عفريت. ما سبب هذا التساهل الرسمي مع هذه الفئة الضالة ممن باتوا يعيتون في السمارة وباقي ربوع الصحراء انفصالا. نعم لتقرير المصير، نعم للاستفتاء، لكن مصير من؟ والاستفتاء على ماذا؟ من أراد أن ينعم بخيرات المغرب في صحرائه فليتبوأ مكانا عليا فوق رؤوسنا، ومن أراد الحمادة فالباب مشرع ليمض كما الريح، أما الاستفتاء فعلى الإنسان وليس على الأرض.وكفى. تاريخ المغرب يجب غربلته من جديد، وقضية الصحراء وملابساتها ليست استثناء، ولا مهرب من الوضوح لبناء شخصية الغد على أساس صلب.لكن لا غنى لمن يملكون الحقيقة عن مصارحة الجمهور بما حدث ولماذا حدث وكيف حدث، ولا محيد للمشرفين على الملف أن يأتوا للبرلمان ويخبرونا بتطورات القضية بالتفصيل. قضيتنا جميعا وليست حكرا على من يتأبط ملفات ويمضي إلى أمريكا ليعود إلينا بتصريحات باردة، تزرع الشك بدل التطمين، من فرط رتابتها، حتى أننا صرنا نتنبأ مسبقا بما سيقوله هذا المسؤول أو ذاك بعد كل جولة مفاوضات. ومن الذين يمكنهم المساهمة في توثيق المرحلة هناك: الأسرى المدنيون والعسكريون السابقون، القادة العسكريون والسياسيون السابقون في جبهة البوليساريو،مثل أيوب الحبيب وعمر الحضرمي (العظمي) وكجمولة بنت بي ..إلخ، المسؤولون السابقون عن الملف وشيوخ الصحراء، من عايشوا سياسة البصري في المنطقة وكانوا شهودا عليها مثل الحاج إبراهيم الدويهي، الوطني الصادق وعلبة أسرار الصحراء،خلي هنا ولد الرشيد الرقم الصعب في المعادلة، محمد الشيخ الركيبي بما له من وزن واطلاع وذاكرة قوية، آل ماء العينين بما يعرف عنهم من صدق ووطنية، آل الجماني الراسخون في الصحراء مثل الجبال في ثباتها.الضباط الذين عايشوا الجنرال الدليمي، الرجل اللغز حيا وميتا، وكانوا شهودا على أفعاله.منهم سنعرف الحقيقة ولو عرفناها حقا سيفشل الشعب مخططات الغدر من الجهة الشرقية التي تراهن على إرهاق المغرب. ولنعلم أن الجزائر لن تسمح بإنهاء هذا الصراع مادام فيها عسكري حاكم رضع الحقد من بوخروبة.على الذين ذكرت ومن لم أذكر أن يعجلوا بنشر مذكراتهم وتنوير الجيل الصاعد قبل فوات الأوان، أن يمنحوا السبق لأية جهة إعلامية يختارونها، قبل أن يعطوا هذا السبق لسيدنا عزرائيل عليه السلام، فنكون أمام ظاهرة "عزرائيل إيكسكلوزيف" . إن ما يجعل طبقات من سوء الفهم في هذا الملف تعلو العقول هو عدم وضع الرأي العام الوطني في الصورة، هو التكتم عن الحقيقة كما هي. سيناريو مفاوضات استقلال المغرب، الذي كان بمثابة احتقلال، بتعبير سيدي عبد الكريم الخطابي، غير مسموح بتكراره كما ليس مسموحا لأحد في المغرب بتبني أي حسم للملف،وليس من حق أية جهة مهما كانت أن تقرر لوحدها في مصير الصحراء. قبيلة آيت الحسن صحراوية وقبيلة بني حسن في الغرب بنت عمها، أولاد بن سبع في الصحراء وما اكثر اولاد بن سبع في الداخل، والعروصيون في الصحراء وجدهم في الشمال عاش و تعبد ودفن..لا مجال للتجزيء في القضية ويستحيل وجود شمال بلا جنوب في أي تفكير جغرافي. هذه دعوة مفتوحة للجميع من أجل مجهود جماعي وطني، من أجل إسهام أكاديمي وإعلامي وفين وسينمائي..نصالح به التاريخ وننطلق إلى المستقبل، من أجل رد الاعتبار للشهداء والأسرى من أجل وعي وطني سنحتاجه أكثر مما سنحتاج إلى مصادر الطاقة..من أجل طفل سيكبر هناك في طانطانوالسمارة وبوجدور والداخلة والعيون فيكون مسؤول الغد، ..من أجل المعذبين هنالك في تيندوف وأطفالهم ممن يسمون قهرا أبناء الثورة، حق علينا أن نوفر لهم ذاكرة الحقيقة ونصونها.غدا سيأتون حين ينتهي العمر البيولوجي للجيل الأول من جماعة عبيد "الخاوة". [email protected]