حدثنا خطيب مسجد حينا، وهو رجل مبارك طيب من أهل الله حملة القرآن في خطبة الجمعة عن حدث عظيم وذكرى جليلة ميزت تاريخ المغرب وغيرت مسيرته. حدثنا عن النظام المجاهد المناضل وعن قادته العظام الذين لم ينجب التاريخ أمثالهم، وعن الانجازات الخيرية الكريمة لأسلافهم وخلفهم من حكام العهد الجديد، وأفاض الرجل الفقيه الطيب في ذكر مكرمات حكامنا وأفضالهم على هذا البلد الأمين، وحثنا - نحن المصلين- على وجوب الطاعة ولزوم الجماعة والتمسك بالوحدة، وحدثنا أيضا عن الأمن والأمان والخير والبركة التي نتفيأ ظلالها الوارفة بفضل العقلية الفذة والسياسة الرشيدة لأولي الأمر منا. وختم خطبته العصماء بالدعاء بطول البقاء والحفظ الجميل لهم ولذريتهم إلى يوم البعث والحشر !! ما أريد هنا أن ألقي باللائمة على الخطيب المسكين وهو رجل الثقة والعلم، وإنما أريد أن أقف، وقد فارت حبات الخجل من جبهتي وأنا أصبر نفسي لتستمع إلى الهذر المترامي على رؤوس المصلين الذين جاؤوا شوقا لكلام رب العالمين فإذا بهم يمطرون بخطبة لا فرق بينها وبين نشرة الأخبار في تلفازاتنا الإتمية من (إتم) لا من الإثم، وإن جازت المساواة بينها معنى ومبنى. أريد أن أقف عند عنصرين رئيسين: الدعاية للبهتان: أقف عند استغلال المنبر في الدعاية للبهتان والكذب على الناس والتاريخ، نسأل: من سرق تاريخنا الحقيقي؟ ومن زوره وغير سكته وحول اتجاهه؟؟ ليأت الآن لينسب لنفسه مجهود غيره....!! نسأل: ما هذا الكيل بمكيالين: الدولة التي دستورها الإسلام والذي لا فرق فيه بين معاش الناس ومعادهم، دنياهم وآخرتهم، دينهم وسياستهم، الدولة تمنع دمج الدين في السياسة وتعلنها في قوانينها وممارساتها أن: الدين دين والسياسة سياسة، وأن الركوب على الدين لأغراض سياسية أمر غير مقبول، فتدعو الناس والجمعيات والفاعلين المتمسكين بدينهم لأن يتركوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله أو لقيصر أيضا فالأمر سيان..!! ثم تأتي هي لتدخل سياستها السياسوسة إلى عقر أماكن عبادة المؤمنين في محارب الصلاة ومساجد الذكر والقرآن، فتجبر ملايين عباد الله المقبلين على المساجد على سماع كلام يشهد الله أنه البهتان بعينه والزور بأم رأسه .. نتذكر أن للمنبر في الإسلام حرمته ومكانته اللائقة باعتبار أن القائم عليه ينوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى الله ودلالته على الحق وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وننظر فنجد كيف بدل المفسدون في الأرض هذه المعاني السامية ليجعلوه دعاية للظلم والظالمين..، نتذكر كيف غير حكم السيف منذ أن وقف أغيلمة بني أمية على منبر أشرف خلق الله ليقولوا مقولتهم الفرعونية: "من قال لنا بعد مقامنا هذا اتق الله ضربنا عنقه، ومن قال لنا برأسه كذا قلنا له بسيفنا كذا" !!! نتذكر كيف تحولت وظيفة المسجد من مكان جامع للأمة مذكر بالله وباليوم الآخر، ومن جامعة شاملة للدين صلاة وذكرا وقياما وجهادا إلى قاعة يكتب عليها "للصلاة" كناية عن تأميمها وتكميم أفواه القائمين عليها ..!! ثم ننظر بعد هذا في كيف تلوى أعناق الآيات لتبدل وتغير مدحا وتمجيدا وتملقا وتغنيا بأمجاد الأفذاذ العباقرة..!! جاهد المؤمنون كلمتهم الإيمان، ودافعهم الإيمان، وباعثهم الإيمان... دافعوا ونافحوا في سبيل الله لاسترداد البلاد، وجاء السارقون ليستولوا على جهادهم، ويحولوها وثنية متسلطة أُثمرت سنوات الرصاص واقتصاد الريع، وبيع الذمم ونشر الميوعة، ومحاربة الصادقين من عباد الله القائمين للحق الشاهدين بالقسط..!! أمن وأمان: ترى هل يعرف الفقيه الخطيب المسكين عم يتحدث لما أفاض في ذكر الأمن الذي نحياه في بلدنا العزيز وما يتبع ذلك من أمان وطمأنينة وسلام ورغد عيش؟؟ أم أن المسكين المغلوب على أمره لُقِن فألقى، وحُفظ فتلا!! هل يدري المسكين أن البلاد على شفا انفجار اجتماعي خطير، ينذر بذلك ما تصدره المنظمات الدولية المختصة من تقارير مفزعة تجعلنا في ذيل سلم التنمية، ويخبر عن ذلك وضع ألاف من الشباب المعطل، ومن المتسولين المحترفين، ومن "الحاركٌين" في قوارب الموت ومن المخدرين والمهلوسين ومن ... ومن .. فأي أمن هذا لمواطن مهدد في لقمة عيشه.؟؟ أي أمن هذا لمواطن غير حر في رأيه ؟؟ أي أمن هذا لمواطن تحصى عليه أنفاسه ويساق كالأنعام متفرجا على مسرحيات النخاسة السياسة الملهية العابثة؟؟ تصرف فيها أمول الشعب وتبذر فيه ثرواته ولا من رقيب أو حسيب ..!! أممت مساجدنا وكممت أفواه علمائنا وضيق على الصادقين الصادعين بالحق، والله وحده أعلم بما تأتي به الأقدار، ووحده القادر أن يبدل حالنا إن غيرنا ما بأنفسنا وانتهى القائمون على أمرنا عن العبث بحرمات أمتنا والاستخفاف بعقول الملايين من شبابنا وشيبنا، وتصالحوا مع الله وتابوا إليه، وأعطوا الشعب حقه في أن تكون له إرادته الحرة ورأيه الحر وكلمته الحرة..، وكذا إن تركوا مساجد الأمة حرة للدعاة المصلحين الصادقين يجعلوها ملاذا أخلاقيا يتنسم فيها الناس عبير الإيمان الصادق ليعرفوا ربهم ويستعدوا للقائه .. غفر الله لخطيبنا ورحمه لصدق نيته واستغفال أهل الباطل له، وهدى الله الساسة القادة ليستمعوا لصوت النصيحة الصادقة في زمن الكذبة البطلة فيسارعوا لجمع الأمة على ميثاق يلم شعثها ويرتق فتقها قبل فوات الأوان، فإن: من يزرع الشر يحصد في عواقبه***** ندامة ولحصد الزرع إبان والله غالب على أمره.