يهمس في أذناي كأنه يخجل من الواقعة.. لا يريد إثارة مشاعرها، ربما.. وبصوت خافت مازال يهمس لي نادل المقهى قائلا: ذهبت ولم تعد.. يعرف أني محب للورق والقلم وما حصل في الدوار قد يثير حفيظتي؛ الفتاة المغربية القاصرة كانت على علاقة بامرأة حسناء أمريكية، يخبرني هذا اﻷخير. يزيد فضولي لأسأله عن القضية. من سنة أو بضع شهور قليلة، رأيت مليكة ترتاد مقهانا صحبة المدعوة كيم، الحسناء الأمريكية، يخبرني النادل با مبارك من منطقة واد زرابة. ظننت أن السيدة الأمريكية تسكن بجوار المقهى، ومليكة ما هي إلا خادمتها إلى أن رأيت بأم عيني الفاجعة"، يسترسل النادل كلامه معي. أي فاجعة؟ أسأله في لهفة لمعرفة الأمر. رأيتهما يقبلان بعضهما قبلات حب في زاوية من زوايا المقهى. قد تكون تهيآت يا هذا! الفتاة تبدو صغيرة، و.. في تتعتع لهول الخبر حاولت أن أستفسر منه مزيدا من تفاصيل القضية.. النادل: هي فعلا لم تتجاوز السابعة عشر من عمرها، أطفال القرى والدواوير أنت تعرف بنياتهم الجسمانية..ربما لهذا الأمر عشقت الأمريكيةُ الفتاة الصغيرة"، مازال يجيبني في استغراب. يخالجني صمت اللحظة وأنا أنظر صوب الفتاة في حذر، محاولا استيعاب تفاصيل الخبر. وفي ملاطفة تليق بالوضع أتقدم في خطوات متثاقلة لألقي السلام عليها، وأنا أحس لأول مرة في حياتي أن خوفا ينتابني لمواجهة سيدة.. وفي أدب ترد السلام في همس هي الأخرى بنظرات ضائعات، كأنها تبحث عن شيء دون أن تعلم أني أعرف ما بها. عرفتها أزيد من 17 سنة، لكنها ذهبت ولم تعد.. شْكونْ؟ في لكنة أهل جبال الأطلس تكلمني في سؤالها. أم أولادي وزوجتي السويدية "أوسا"، أجيبها.. كأنها تستمتع بقصتي في تأثر لتخبرني بعدها بما فعل الناس بها هي الأخرى. ذات يوم خرجت أمي حيث لا تعود.. تزوج أبي لتبدأ الحكاية. اشتغلت وأنا في سن العاشرة، حيث قساوة الحياة؛ و في إحدى المقاهي هنا حيث كنت أشتغل تركن ذات صباح السيدة "كيم" بسيارتها. ما شدني إليها في مرات كثيرة أثناء زيارتها المقهى هو تواضعها و طيبتها التي لم أعهدها في من صادفوني في حياتي، حتى من أبي و زوجته وخالاتي وأقارب آخرون.. تسألني كيم ذات يوم في أن أرافقها إلى البيت، وهناك أقنعتني بأن أشتغل عندها وأمكث هناك، تسترسل الحديث الفتاة اليانعة الكسيرة وهي تنعت لي بكلتي يديها كما لو كانت تستنجدني.. وماذا حصل؟ أسألها و أنا أعلم الإجابة. أشياء كثيرة حصلت عمي.. تخبرني في حسرة، وهي تعض على شفتيها في خجل.. "هذا اغتصاب وحرام يا ابنتي"، أهمس الكلمات في رفق كما تهمس لي في حديثها.. الفتاة: أعلم ذلك..فقد أوهمتني أني سأرافقها إلى بلادها، إلا أنها تركت الفيلا التي كانت تكتريها.. وماذا بعد؟ مازلت أسألها في استغراب وعتب. الفتاة: ذهبت ولم تعد.. اﻵن مضت خمسة أشهر على غيابها. في صمت رهيب دام زهاء العشر دقائق تهمس لي مرة أخرى في خجل قائلة، لست سحاقية أنا، والله، والدمع يسيل على خذيها! إنها الظروف.. مازالت تبكي وهي تسترسل سرد قصتها.. أما أنا فلم يكن بيدي شيء أفعله، وفي جبن أحسه لأول مرة أطأطئ رأسي وأنا أفكر في ابنتي أمينة من طليقتي السويدية، والتي خفت عليها طوال عقد من الزمن أن تضيع بين عادات الغرب، إلا أني كنت دائما على يقين بأن بلاد السويد ستحمي في أمنها ابنتي وأطفالا آخرون من أن يغتصبوا كما تغتصب الصغيرة في مراكش وقرى بلادي، ﻷستفيق على رنين الهاتف حيث تهاتفني ابنتي أمينة قائلة: "بابا كلشي بخير والحمد لله"..