نزار بركة يدعو لدعم الحكم الذاتي في مؤتمر أوروبي    جولة الحوار الاجتماعي المركزي- دورة أبريل 2025    دعوات لإحداث تحالف برلماني لاتيني-إفريقي لمواجهة التغيرات المناخية وتعزيز الأمن الغذائي    في قلب مدريد .. المغرب منصة واعدة للمستثمرين الإسبان    مؤتمر التحالف من أجل الحكم الذاتي في الداخلة يدعو إلى تجديد المقاربة الأممية بخصوص النزاع في الصحراء    بورصة الدار البيضاء .. أداء إيجابي في تداولات الافتتاح    نجاح دورة جديدة لكأس الغولف للصحافيين بأكادير    حكيمي: "رغم الفوز على أرسنال.. لدينا شوط آخر في باريس"    بني ملال.. التحقيق في تهديد شرطي والاستيلاء على سيارته الخاصة وسلاحه الوظيفي    ابن يحيى : التوجيهات السامية لجلالة الملك تضع الأسرة في قلب الإصلاحات الوطنية    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    المغرب يروّج لفرص الاستثمار في الأقاليم الجنوبية خلال معرض "إنوفيشن زيرو" بلندن    حاجيات الأبناك من السيولة بلغت 129,8 مليار درهم    وزير النقل: 88 في المائة من حالات التأخير في الرحلات الجوية مرتبطة بمطارات المصدر    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    الإمارات تعلن إحباط محاولة تمرير أسلحة للجيش السوداني وتعتقل أعضاء خلية    مسؤول أممي: الوضع في غزة أشبه بيوم القيامة جراء أزمتها الإنسانية والمجاعة التي تفرضها إسرائيل    وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تدعو المواطنين إلى توخي الحذر بخصوص بعض الإعلانات المتداولة بشأن تأشيرة الحج    برادة: الوزارة ستعمل على تقليص الهدر المدرسي إلى النصف    البواري: دعم حكومي مرتقب لتشجيع الشباب القروي على إنشاء مقاولات فلاحية    سيميوني يستفز برشلونة قبل مباراتهما في نصف النهائي    تقرير: 17% فقط من الموظفين المغاربة منخرطون فعليا في أعمالهم.. و68% يبحثون عن وظائف جديدة    التحالف الديمقراطي الاجتماعي العربي يدعم الوحدة الترابية المغربية    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    طنجة.. حملات أمنية مكثفة استعدادًا لموسم الصيف وتعزيز السلامة العامة    مارك كارني يتعهد الانتصار على واشنطن بعد فوزه في الانتخابات الكندية    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    الأهلي يقصي الهلال ويتأهل إلى نهائي كأس دوري أبطال آسيا للنخبة    إيقاف روديغر ست مباريات وفاسكيز مباراتين وإلغاء البطاقة الحمراء لبيلينغهام    جسور النجاح: احتفاءً بقصص نجاح المغاربة الأمريكيين وإحياءً لمرور 247 عاماً على الصداقة المغربية الأمريكية    دوري أبطال أوروبا (ذهاب نصف النهاية): باريس سان جرمان يعود بفوز ثمين من ميدان أرسنال    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    مغربية يحتجزها زوجها المصري في 'سبيطار المجانين' بمصر.. الأسرة تستعطف 'سيدنا الله ينصره' التدخل لتحريرها    نجاح اشغال المؤتمر الاول للاعلام الرياضي بمراكش. .تكريم بدرالدين الإدريسي وعبد الرحمن الضريس    مسيرة تجوب العاصمة الاقتصادية بشعار "المساواة في الأعمال المنزلية"    استئنافية خريبكة تؤيّد الحكم بسنة حبسا في حق البستاتي بسبب تدوينات مناهضة للتطبيع وداعمة لفلسطين    إحراق 19 طنا من المخدرات و652 قرصا مهلوسا كانت محجوزة لدى الجمارك بأسفي    هكذا انهارت الشبكة الكهربائية لإسبانيا في خمس ثوان.. أسباب محتملة    وزارة الأوقاف تحذر من إعلانات متداولة بشأن تأشيرة الحج    أمريكا تهنئ حزب رئيس وزراء كندا    البيضاء…..ختام فعاليات الدورة السادسة من مهرجان إبداعات سينما التلميذ للأفلام القصيرة    كيف يمكن لشبكة كهرباء أن تنهار في خمس ثوان؟    خبر مفرح للمسافرين.. عودة الأمور إلى طبيعتها في مطارات المغرب بعد اضطرابات الأمس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    هذا المساء في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: المؤرخ ابن خلدون … شاعرا    يضرب اليوم موعدا مع تنزانيا في النهائي القاري .. المنتخب النسوي للفوتسال يحقق تأهل مزدوجا إلى نهائي كأس إفريقيا وبطولة العالم    مؤسسة المقريزي تسدل الستار على الأسبوع الثقافي الرابع تحت شعار: "مواطنة تراث إبداع وتميّز"    عودة حمزة مون بيبي : فضيحة نصب تطيح بمؤثر شهير في بث مباشر وهمي    لقاء علمي بجامعة القاضي عياض بمراكش حول تاريخ النقود الموريتانية القديمة    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قانون الأمازيغية .. تماطل الإصدار يمتد إلى التفعيل
نشر في هسبريس يوم 12 - 09 - 2024

"هل ما زال قانون الأمازيغية مجرد حبر على الورق؟"؛ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ونحن نقف على أعتاب انتهاء المدة المحددة في المرحلة الأولى لتفعيل أغلب مواد القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية. هذه المدة التي حددها القانون في خمس سنوات على الأكثر منذ تاريخ نشره بالجريدة الرسمية يوم 26-09-2019، يبدو أن المماطلة التي شهدتها مرحلة إصداره امتدت إلى مرحلة تفعيله أيضاً، وهي المرحلة التي استغرقت ثماني سنوات كاملة بعد اعتماد الدستور الجديد في 2011، الذي أقر الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية، فمع انتهاء هذه المهلة المحددة، يحق لنا تقييم شامل لما تم تنزيله وما لا يزال عالقا، لتحديد مدى التزام الجهات المسؤولة بتنفيذ الالتزامات القانونية وتعزيز مكانة الأمازيغية في المشهد الوطني.
في هذا المقال، لن أعود بالنقاش إلى نقطة البداية حول مدى استجابة القانون التنظيمي 26.16 لمستوى التطلعات والطموحات المرتبطة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، بل سأكتفي بإلقاء نظرة فاحصة على مدى تنفيذ مقتضيات مواد القانون التنظيمي التي كان من المفترض تفعيلها داخل أجل خمس سنوات على الأكثر من تاريخ نشره، حسب الباب التاسع من الموسوم ب"مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وآليات تتبعه"، وهي المدة التي ستنتهي يوم 26-09-2024، ونستعرض الفجوات بين ما نص عليه القانون وما تم تحقيقه على أرض الواقع في مختلف المجالات.
في مجال التعليم
"يعد تعليم اللغة الأمازيغية حقا لجميع المغاربة بدون استثناء" حسب مقتضيات المادة 3 من القانون التنظيمي، ويشكل إدماج اللغة الأمازيغية في التعليم أحد محاوره الرئيسية، حيث نصت المادة 4 على ضرورة إدماج اللغة الأمازيغية بكيفية تدريجية في منظومة التربية والتكوين بالقطاعين العام والخاص.
كان من المفترض أن يشهد إدماج الأمازيغية في المنظومة التعليمية تطورا كبيرا مع صدور القانون التنظيمي، علما أن ورش تعليم الأمازيغية انطلق في التعليم الابتدائي منذ سنة 2003، بعد خطاب أجدير وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2001، إلا أن الواقع يكشف عن غياب أي استراتيجية شاملة لتعميمها حتى الآن، حيث يظل تدريس الأمازيغية مجرد تجربة محدودة في بعض المؤسسات، ناهيك عن العراقيل والتحديات التي يواجهها هذا الورش من خلال إقصاء الأمازيغية من مشروع الريادة وتغييبها من التعليم الأولي، وتكليف أساتذة التخصص أحيانا بتدريس مواد أخرى خارج تخصصهم. والوضع أسوأ بالنسبة للتعليم الثانوي والإعدادي، فلم تبدأ بعد أي خطوة لإدماج الأمازيغية في هذه المستويات التعليمية، ما يعكس تقصيرا في وفاء الدولة بالتزاماتها وفقا لما نص عليه القانون.
في ما يتعلق بالتعليم الخصوصي، فبدلا من القيام بواجبها وتطبيق القانون عبر إدماج اللغة الأمازيغية بشكل إجباري ضمن المناهج التعليمية في القطاعين العمومي والخصوصي على حد سواء، أصدرت وزارة التربية الوطنية مذكرة 200X24 بتاريخ 05 يوليوز 2024، جعلت تدريس الأمازيغية اختياريا، في تعارض واضح لما ينص عليه القانون، فإتاحة الخيار أمام المؤسسات الخصوصية يجعل من إدماج الأمازيغية أمرا هامشيا، يعتمد فقط على رغبة كل مؤسسة، مما يضعف من فرص تحقيق المساواة اللغوية في نظام التعليم. هذا النهج الاختياري يؤدي إلى حرمان المزيد من الطلاب من حقهم في تعلم لغتهم الرسمية.
في مجال التشريع والتنظيم والعمل البرلماني
يتطلب تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في مجال التشريع والتنظيم والعمل البرلماني استعمالها إلى جانب اللغة العربية في أشغال الجلسات العمومية للبرلمان وأجهزته، مع توفير الترجمة الفورية عند الضرورة منها وإليها. إضافة إلى ذلك، تنص المادة 10 على ضرورة نقل جلسات البرلمان بمجلسيه مباشرة على القنوات التلفزية والإذاعات العمومية الأمازيغية مصحوبة بترجمة فورية لأشغالها إلى اللغة الأمازيغية.
رغم انطلاق الترجمة الفورية في جلسات البرلمان ونقلها عبر القنوات التلفزية والإذاعات الأمازيغية، إلا أن هذه الخطوة تواجه تحديات كبيرة، منها غياب المراجع المتخصصة والتكوين الكافي للمترجمين في هذا المجال، مما يحد من فعالية هذه الجهود. بالإضافة إلى ذلك، يثير الاعتماد على اللهجات الثلاث (تشلحيت، تمازيغيت، تاريفيت) بدلاً من اعتماد اللغة الأمازيغية المعيارية تساؤلات حول جدوى هذا النهج في المجال التشريعي. بينما تمثل الأمازيغية المعيارية أداة موحدة تعزز من وضوح التواصل والتفسير القانوني، كما هو الحال مع اللغة العربية الفصحى، فإن العمل باللهجات الثلاث قد يعقد عملية الترجمة والتشريع ويؤدي إلى تباينات في الفهم والتطبيق.
من جهة أخرى، تنص الفقرة الثانية من المادة 10 على إصدار نسخة من الجريدة الرسمية للبرلمان باللغة الأمازيغية، بينما تدعو المادة 11 إلى نشر النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصبغة العامة باللغة الأمازيغية، وكذا نشر القرارات التنظيمية ومقررات ومداولات الجماعات الترابية. ورغم أن هذه الأحكام تمنح مهلاً زمنية أطول تصل إلى عشر وخمس عشرة سنة، فإن تأخر وتحديات تنفيذ الأحكام التي انتهت مهلتها بالفعل يثير تخوفات حول مستقبل الأمازيغية في العمل التشريعي.
إن لم يلتزم البرلمان بغرفتيه، كأعلى سلطة تشريعية في البلاد بتفعيل مقتضيات القوانين التي يسنها داخل الآجال التي يحددها بنفسه لتنزيلها، فماذا ننتظر من باقي المؤسسات والقطاعات؟
في مجال الإعلام والاتصال
في مجال الإعلام، لا تزال المؤسسات الإعلامية بعيدة عن تحقيق الأهداف المنشودة، رغم أن الباب الرابع من القانون التنظيمي ينص بوضوح على إدماج الأمازيغية في مختلف وسائل الإعلام العمومية والخاصة، بجميع أنواعها، كما ينص على عمل الدولة على تكوين وتأهيل الموارد البشرية العاملة في قطاع الإعلام باللغة الأمازيغية، مع مراعاة استعمال الأمازيغية ضمن معايير توزيع الدعم العمومي الموجه للإنتاجات السمعية البصرية، بما فيها الأفلام السينيمائية والتلفزية، وغيرها من الأعمال الفنية، وكذا الصحافة المكتوبة والرقمية.
تأسيس قناة ⵜⴰⵎⴰⵣⵉⵖⵜ& "تمازيغت" في عام 2010، كان بمثابة نقلة نوعية في تعزيز حضور الأمازيغية في الإعلام السمعي البصري، إلا أنها لم تتمكن بعد من تحقيق البث على مدار 24 ساعة. هذا التأخر في الوصول إلى بث متواصل يعكس نقصاً في الموارد والإرادة السياسية لتطوير هذه القناة بما يتناسب مع جاء به القانون التنظيمي. أما القنوات العمومية الأخرى، فقد أخفقت في احترام دفاتر التحملات المتعلقة بالبث بالأمازيغية، حيث تظل البرامج الناطقة بالأمازيغية قليلة جداً وغير كافية لتلبية احتياجات الجمهور، هنا يتبادر إلى الأذهان سؤال حول دور الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري (HACA) التي أسند إليها القانون التنظيمي مهمة تولي اتخاذ التدابير الكفيلة بذلك في إطار اختصاصها لضمان تطبيق أحكامه. هل تقوم الهيأة فعلا بمتابعة تنفيذ مقتضيات هذا القانون؟
بالنسبة للإعلام الرقمي لم يشهد أي تقدم ملحوظ في إدماج الأمازيغية، فالمواقع الإلكترونية لا تزال في الغالب تُنشر بالعربية أو اللغات الأجنبية. أطلقت وكالة المغرب العربي للأنباء (MAP) نسخة لموقعها باللغة الأمازيغية، لكن وتيرة التحديث والنشر فيه لا تزال ضعيفة مقارنة بنسخ اللغات الأخرى. وهذه التسمية نفسها "المغرب العربي" إقصائية، حيث تُقصي الهوية الأمازيغية وتاريخها العريق. أما الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة (SNRT) والقناة الثانية "2M"، رغم تقديمهما بعض البرامج الأمازيغية، فإن منصاتهما الرقمية الجديدة التي أطلقتاها في عام 2024 اقتصرت على نسختين بالعربية والفرنسية، متجاهلة النسخة الأمازيغية تماما. حتى في المواقع الإلكترونية الأخرى التي تخصص نسخة من موقعها للأمازيغية، تبقى وتيرة النشر والتحديث متواضعة.
حتى الآن، لا يبدو أن معيار استعمال الأمازيغية يتم مراعاته بجدية ضمن معايير توزيع الدعم العمومي الموجه للإنتاجات السمعية البصرية، كما نصت عليه المادة 14 من القانون. في مختلف مجالات الإبداع الثقافي والفني يهدف إدماج الأمازيغية في مجالات الإبداع الثقافي والفني، كما نص عليه الباب الخامس من القانون، إلى تشجيع ودعم الإبداعات والإنتاجات الأمازيغية والمهرجانات الفنية والثقافية الأمازيغية، وكذا العمل على تثمين الموروث الحضاري والثقافي الأمازيغي باعتباره رأسمالا غير مادي مشتركا بين جميع المغاربة بدون استثناء.
في خطوة تعزز هذا الالتزام، تفضل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، يوم 03 مارس 2023، بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية مؤدى عنها، على غرار رأس السنتين الميلادية والهجرية، هذا القرار الملكي يمثل اعترافا رسميا بأهمية الأمازيغية كمكون رئيسي للهوية المغربية، ويعكس هذا القرار العناية الخاصة التي يوليها جلالته لتعزيز مكانة الأمازيغية في الحياة العامة، كما يأتي في سياق التكريس الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية للبلاد.
الإنتاجات الثقافية والفنية الأمازيغية لا تزال محدودة، وتعاني من نقص في التمويل والدعم المؤسسي، فنجاحها يعتمد بشكل كبير على توفير الدعم اللازم والموارد الضرورية، لضمان أن تجد الأمازيغية مكانها المستحق في المشهد الثقافي والفني الوطني.
في الإدارات وسائر المرافق العمومية
فيما يتعلق بالإدارة والمرافق العمومية، نص القانون التنظيمي بوضوح على ضرورة إدماج اللغة الأمازيغية في مختلف الوثائق والمعاملات الرسمية، حيث ألزم في هذا الباب الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية وسائر المرافق العمومية بتوفير بنيات للاستقبال والإرشاد باللغة الأمازيغية، وتقديم خدمات الاتصال بمراكزها بهذه اللغة، كما نص على العمل على تأهيل الموظفين بما يمكنهم من التواصل بالأمازيغية واستعمالها في تقديم الخدمات العمومية، كخطوة أساسية لتسهيل التواصل وضمان حق المرتفقين في التعامل مع الإدارة بلغتهم. لم تتطبق بعد مقتضيات هذه المادة بشكل كامل، حيث يواجه المرتفقون الناطقون بالأمازيغية تحديات يومية عند تعاملهم مع الإدارات، ويضطرون في كثير من الأحيان للحديث بلغة أخرى.
استحضارا للمثل الأمازيغي ⵣⵣⵓⵔ ⵍⵇⵇⵎ ⵉ ⴼⵥⵥ" ، أي "ابلع قبل أن تمضغ"، هل من السليم أن يضع القانون المادة 21، التي تنص على تحرير البيانات المضمنة في الوثائق الرسمية، باللغة الأمازيغية، إلى جانب اللغة العربية، مثل البطاقة الوطنية للتعريف، عقد الزواج، جواز السفر، رخص القيادة وغيرها من مختلف البطائق الشخصية والشواهد المسلمة من قبل الإدارة، ضمن المواد التي يعمل بأحكامها داخل أجل عشر سنوات على الأكثر، في حين يحدد أجل العمل بأحكام المادة 23 داخل أجل خمس عشرة سنة على الأكثر، وهي التي تنص على ضرورة توفير أهم الوثائق المطلوبة والضرورية لإنجاز الوثائق الشخصية التي تناولتها المادة 21 باللغتين الأمازيغية والعربية، بما فيها الوثائق والشهادات التي ينجزها أو يسلمها ضباط الحالة المدنية، والمطبوعات الرسمية، الاستمارات الموجهة إلى العموم، والوثائق التي تصدرها أو تسلمها القنصليات المغربية؟ كيف سيتم تحقيق ذلك إذا انتظرت المؤسسات والجماعات الترابية حتى آخر لحظة من المدة المحددة للعمل بالمادة 23؟ وكيف سنتمكن من الحصول على البطاقة الوطنية للتعريف بالأمازيغية والعربية في حين إن وثائق الحالة المدنية لا تزال تحرر دون الأمازيغية؟
باعتبار الأوراق والقطع النقدية رمزا سياديا ووسيلة للتعامل اليومي، كان على بنك المغرب تسريع تنزيل مقتضيات القانون، والعمل على إدراج الأمازيغية في الأوراق والقطع النقدية الوطنية، إلا أنه لا يزال يصر على تغيبها رغم انقضاء نصف المدة الزمنية التي حددها القانون، رغم بدئه بإصدار قطع نقدية تذكارية تحمل الكتابة الأمازيغية واستخدمها في تقديم الأوراق النقدية الجديدة.
فيما يخص المواقع الإلكترونية الرسمية للمؤسسات الحكومية باللغة الأمازيغية فهي في مراحلها التجريبية، ولم تصل بعد إلى مستوى يلبي التطلعات، حيث إن الجهود المبذولة في هذا الإطار لا تزال غير كافية، فالتجربة لم تعمم بعد على كافة المؤسسات رغم انطلاقها.
في الفضاءات العمومية
أصبح الحرف الأمازيغي يشغل مساحات ملحوظة في الفضاءات العامة، حيث نص القانون على استعمال اللغة الأمازيغية، إلى جانب اللغة العربية، في اللوحات وعلامات التشوير المثبتة على الواجهات وداخل مختلف مقرات الإدارات، والمرافق والمؤسسات العمومية، بالإضافة إلى استعمالها في العلامات الخاصة بمختلف وسائل النقل التي تقدم خدمات عمومية أو التابعة لمصالح عمومية. رغم أن العديد من المؤسسات والمرافق العمومية تصر على تتجاهل هذا القانون، بينما يرتكز البعض الآخر على الشكل دون المضمون، أي يقتصر على إظهار تيفيناغ على الواجهة دون أدنى مراجعة أو أي اهتمام بالمضمون، فنرى تيفيناغ تستخدم في الفضاء العمومي كزخرفة بصرية، بينما النصوص تظل عربية أو فرنسية وغالبا ما تكون خربشات غير مقروءة، ما يعكس استمرار منطق "هذيك غي الأمازيغية".
هل كانت أي مؤسسة عمومية ستقبل بخطأ في اسمها أو في أي ملصق على واجهاتها أو مرافقها إذا كان ذلك الخطأ يتعلق باللغة العربية أو الفرنسية؟ رغم أن الأخيرة ليست رسمية، بالتأكيد لا، لن تسمح بذلك. عندما يتعلق الأمر بهاتين اللغتين، نرى حرصا شديدا على الدقة اللغوية والمراجعة الدقيقة لكل حرف وكل كلمة، لأن الأخطاء في هذه الحالات تُعتبر إخلالا بهيبة المؤسسة ومصداقيتها. ولكن، عندما يتعلق الأمر باللغة الأمازيغية، نجد أن التسامح يتجاوز الأخطاء اللغوية والإملائية، والإشكال أن هذا الأمر يكاد يكون القاعدة وليس الاستثناء، وكأن هذه اللغة لا تستحق نفس مستوى العناية والاهتمام.
من الضروري أن تتحمل الدولة والمؤسسات المسؤولية الكاملة في ضمان دقة النصوص الأمازيغية في الفضاء العمومي، وأن تعمل على إجبارية التصحيح والمراجعة الدقيقة للنصوص المكتوبة باللغة الأمازيغية، فالقانون التنظيمي لا يقتصر على إدراج حرف تيفيناغ، بل ينص على إدماج اللغة الأمازيغية، ويجب أن نعي أن إدماج اللغة الأمازيغية في الفضاءات العامة ليس مجرد قضية رمزية تتعلق بالحرف، بل هو تجسيد فعلي لهويتنا الراسخة وثقافتنا المتجذرة.
في مجال التقاضي
يضمن القانون التنظيمي رقم 16-26 للناطقين بالأمازيغية حق استخدام لغتهم في جميع مراحل الإجراءات القضائية، بما في ذلك التحقيق، الترافع، والنطق بالأحكام. ومع ذلك، فإن التطبيق العملي لهذا الحق لا يزال محدودا للغاية، هذا التباطؤ في إدماج الأمازيغية داخل النظام القضائي يثير مخاوف بشأن حقوق المتقاضين في الحصول على محاكمة عادلة بلغتهم الأم. غالبا ما يضطر المتقاضون إلى استخدام العربية، مما يضعف قدرتهم على الدفاع عن حقوقهم بفعالية.
في هذا السياق أثارت قضية توفير خدمة الترجمة النقاش حول مدى جواز وصف الأمازيغية بأنها لغة تتطلب الترجمة، نظرا لوضعها الدستوري كلغة رسمية، هل من المنطقي التعامل مع مواطن يتحدث لغته الرسمية بمنطق الترجمة، وكأنه غريب عن وطنه؟ فكان يجب أن يكون من أولى الأولويات تأهيل القضاة وموظفي المحاكم بشكل كاف لاستخدام الأمازيغية، وذلك توفيرا لشروط المحاكمة العادلة.
يفترض أن يكون القضاء سباقا لتطبيق القانون وحماية حقوق المواطنين، بما في ذلك الحقوق اللغوية، فأي تأخير في تفعيل مقتضيات القانون لإدماج الأمازيغية في القضاء، باعتباره حامي القانون، يقوض الثقة في قدرة الدولة على احترام التزاماتها الدستورية وتوفير العدالة المتساوية لجميع المواطنين، بغض النظر عن اللغة التي يتحدثون بها.
في الختام
يتضح أن القانون التنظيمي رقم 16-26 الذي كان يمثل خطوة تاريخية نحو تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، رغم النقاش الذي يثار بخصوص بعض مقتضياته، لا يزال يعاني من فجوة كبيرة بين النصوص القانونية والواقع العملي. سواء في مجالات التعليم، الإعلام، الإدارة، الفضاءات العامة، أو القضاء، فإن التطبيق الفعلي لهذه الأحكام لم يرقَ بعد إلى مستوى التطلعات.
التحديات المتعددة والتباطؤ في التنفيذ يثيران تساؤلات حول الإرادة السياسية في الإدماج الفعلي للأمازيغية. وبينما تنقضي المهل المحددة، يبقى الأمل كبيرا في تحويل هذه النصوص إلى واقع ملموس يليق بمكانة الأمازيغية كلغة رسمية في المغرب.
تأخير العمل بمقتضيات القانون التنظيمي التي انتهت مهلته الأولى بعد خمس سنوات على صدوره بالجريدة الرسمية، يؤكد تعنت بعض المؤسسات التي فضلت الانتظار حتى اللحظات الأخيرة للبدء في تنفيذ ما نص عليه القانون. المادة 31 حددت بوضوح المواد التي يجب العمل بها داخل أجل خمس سنوات على الأكثر من تاريخ نشر القانون، بينما تمتد مهلة تفعيل أحكام أخرى لعشر سنوات وخمس عشرة سنة. الآن، مع انتهاء نصف المرحلة الثانية، وثلث المرحلة الثالثة، يتضح الأمر كما يقول المثل الأمازيغي "ⵉⴱⴰⵢⵏ ⵍⵄⴰⵚⵕ ⵙⴳ ⵜⵉⵣⵡⴰⵔⵏⵉⵏ" ، أي "يظهر العصر منذ الظهر"، فمؤشرات الواقع الحالي تشير إلى تعثر واضح، وتدعو إلى التسريع عبر تبني سياسيات تمييز إيجابي لتفادي تكرار التأخير وضمان تنفيذ ما تبقى من أحكام القانون في مواعيدها المحددة.
فأين هي اللجنة الوزارية الدائمة التي يعهد إليها القانون في المادة 34 بمهام تتبع وتقييم تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.