بحلول يوم الخميس 20 فبراير، تكون قد مرت ثلاثة سنوات، على ميلاد حركة 20 فبراير، التي خرج شبابها يوم 20 فبراير 2011 في مسيرات احتجاجية على صعيد أكثر من 54 عمالة وإقليم حسب المعطيات الصادرة عن وزارة الداخلية، للمطالبة بالحرية، والكرامة، والعدالة والاجتماعية، وبربط المسؤولية بالمحاسبة، وفصل الثروة عن السلطة، وإقرار الملكية البرلمانية التي يسود فيها الملك ولا يحكم... التفاعل الكبير للمغاربة من مختلف الفئات والأعمار مع نداءات حركة 20 فبراير، حدث خلق إرباكا كبيرا للسلطات الأمنية في البلاد على الرغم من الحيل والمناورات التي لجأ إليها المخزن، عبر قنواته الإعلامية، والحزبية، والسياسية، والمدنية، لقتل الحراك في المهد وزرع بدور الشك في نفوس المغاربة، حول خلفيات الاحتجاج، وطبيعة الجهات التي تقف وراءه لضرب أمن البلاد واستقرارها، والإضرار بصورة الملكية والمس بشرعيتها التاريخية والدينية، بحسب المنطق الذي روجت له أبواق الدعاية المخزنية. لن يتسع المجال في هذا المقال لرصد مظاهر التدافع بين الدولة وحركة 20 فبراير، التي كانت تؤطر مسيراتها الاحتجاجية، بشعار مركزي قوي" الشعب يريد إسقاط الفساد... الشعب يريد إسقاط الاستبداد" هز كيان الدولة، وخلخل الأحزاب السياسية الإنتهازية، وتسبب في تيه النقابات الخبزية، وأربك حسابات النخب الاقتصادية الغارقة في الريع والفساد من الأدنين إلى أخمص القدمين. الأحزاب السياسية التي راهنت بالأمس ولازالت تراهن اليوم على استغلال حركة 20 فبراير والركوب على مطالبها السياسية والاجتماعية في إطار صراعاتها السياسوية على السلطة، عليها أن تعي، بأن مغاربة ما بعد 20 فبراير 2011، لم يعد بإمكان الفاعل الحزبي تسطيح وعيهم وتسديجهم وتدويخهم بلعبة الإصلاح في إطار الاستقرار أو ما شابه ذلك من الشعارات الجوفاء التي تكرس الفساد والاستبداد في أبشع تجلياته. ثلاثة سنوات من عمر حركة 20 فبراير، كانت كافية لترسيخ وعي سياسي مجتمعي مؤمن بأهمية المطالب التي رفعها شباب هذه الحركة من أجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية، في ظل نظام الملكية البرلمانية، الذي يزاوج بين الشرعية الديمقراطية، والشرعيتين الدينية والتاريخية للمؤسسة الملكية في المغرب، حفاظا على وحدة الدولة وتماسك كيانها الاجتماعي. لقد كانت هذه المدة كافية، لكي يتأكد المغاربة من زيف الوعود السياسية للفاعل الحزبي، الذي تبت بالملموس عجزه الكبير على ممارسة صلاحياته الدستورية المتاحة له دستوريا، بسبب تغول الدولة الموازية/العميقة من جهة، وبسبب عدم قدرته " الفاعل الحزبي" على التنزيل الديمقراطي للدستور وعلى مباشرة الإصلاحات الكبرى خارج إطار التوازنات مع القصر الذي لازال يتحكم في كل شيء، من جهة ثانية. شباب حركة 20 فبراير يقدرون الملك ولا يزايدون على شرعيته التاريخية والدينية بسبب مطالبتهم بإقرار الملكية البرلمانية. شباب يعتبرون بأنهم ينتمون إلى جيل أقرب من جيل الملك، ويؤمنون بأن المعايير الكونية في الممارسة الديمقراطية، والقدرة على مواكبة التحولات الدولية والإقليمية المتسارعة، عوامل تستدعي أقلمة الملكية وتحديثها بالشكل الذي يحافظ لها على دورها الرئيسي كضامن لاستمرارية الدولة ودوامها. شباب 20 فبراير عدد كبير منهم من جيل منتصف السبعينات والثمانينيات والتسعينيات. جيل لا يعيش خارج التاريخ أو الماضي وغير مفصول عن الواقع في رؤيته للمستقبل. جيل 20 فبراير يريد أن يصنع نخبته وتاريخه بكل حرية ووفق منظوره ومفهومه للدولة العصرية الديمقراطية الحداثية المواطنة. هذا الجيل يرغب في القضاء على كل مسببات الفساد وعلى منطق التوافقات المشبوهة للدولة مع الأحزاب بوصفها وسائل للضبط السياسي والاجتماعي التي راهن عليها المخزن تاريخيا من أجل تنزيل فلسفة فلسفته في الحكم على أرض الواقع. ينبغي على السيد رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران وعلى غيره من الفاعلين السياسيين أن يقتنعوا بأن جيل 20 فبراير لا مشكلة لديه مع الملك، ولا مع الملكية كمؤسسة لها شرعيتها التاريخية والدينية. هذا الجيل يريد أن يتحرر من تراكمات فساد العقود السابقة. جيل حركة 20 فبراير ليس في حاجة لشعبوية إدريس لشكر، ولا لمناورات حميد شباط وشطحاته السياسية، ولا لجعجعات عبد الإله ابن كيران وخرجات نبيل بن عبد الهة الفلكلورية، ولا لأستاذية الياس العماري الزائدة عن اللزوم أو دروس الطوزي النظرية حول الأحزاب والمجتمع.. جيل 20 فبراير، وهذه هي الحقيقة التي يلتف عليها الفاعل السياسي الحزبي الإنتهازي لأغراض في نفسه، جيل استطاع بعفوية حركته الاحتجاجية، ونبل فكرته النضالية المشروعة، أن يضع اليد على الجرح ويسبب آلاما كبيرة لرموز الفساد والاستبداد في الدولة من الطبيعي جدا، أن ينفجر زعماء الأحزاب غضبا من الشباب بعد بروز سفير الربيع في المغرب، ومن الطبيعي أيضا أن يناور المخزن عبر حاشيته وبكل الوسائل المتاحة لديه لتمييع نضالات حركة احتجاجية سلمية غير مسبوقة في التاريخ السياسي للمغرب رفعت بكل قوة شعار "الشعب يريد إسقاط الفساد...الشعب يريد إسقاط الاستبداد". كل الأطراف المستفيدة من الريع بكل أصنافه، أو المتورطة في أعمال وممارسات فيها تجاوز أو انتهاك أو استغلال، وجدت نفسها معنية بشعارات الشباب، ووجدت نفسها معنية بمقاومة هذه المطالب بكل قوة. جيل 20 فبراير يريد من مملكة محمد السادس، أن تكون مملكة الجميع، مملكة الحق والقانون، مملكة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، مملكة العدالة الاجتماعية وعدم الإفلات من العقاب. جيل 20 فبراير، يريد لكلمة البيعة وإمارة المؤمنين، أن تعطى لهما معانيهما التاريخية الحقيقية، كما شرحها ابن خلدون، وليس شحنها بمعاني تكرس للقداسة والاستبداد ولا تعير أي اهتمام للمبدأ الدستوري الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة . جيل 20 فبراير لن يقبل أن يقال له بأن رخص الصيد في أعالي البحار سرا من أسرار الدولة، أو يقال له عفا الله عما سلف ومن عاد فلينتقم منه الله، أو يقال له بأن الكشف عن لائحة مهربي الأموال للخارج إجراء سيضر بصورة الدولة وسيؤثر على الاستثمار... شباب حركة 20 فبراير، يطمحون لإقرار حكم القانون في مواجهة شريعة الغاب. يريدون توزيع عادل للثروات بالمجتمع. يريدون استقلالية تامة للقضاء عن مراكز القرار الأمني والسياسي. يريدون حكامة أمنية تكون فيها تصرفات وأعمال الأجهزة المكلفة بحفظ أمن الوطن والمواطنين داخل إطار القانون وتحث مجهر المؤسسات الدستورية وتحت سلطة الحكومة الدستورية المنتخبة. حركة 20 فبراير يؤلمها استمرار ورود معطيات في تقارير المنظمات الحقوقية الدولية تتحدث عن تعرض معتقلين للتعذيب في السجون وفي مخافر الشرطة في ظل وجود اتفاقيات دولية مصادق عليها من قبل المغرب تمنع كل أشكال التعذيب الممارسة خارج نطاق القانون، وفي ظل وجود بابا كاملا في دستور 2011 خاص بالحقوق والحريات. حركة 20 فبراير، تريد مصالحة وطنية حقيقية مع الشعب المغربي، تريد إنصافا قائما على عدم الإفلات من العقاب وعدم تكرار الأفعال الماسة والمنتهكة لحقوق الإنسان. تريد من الملكية في المغرب أن تساهم من موقعها الدستوري، في الارتقاء بهذا البلد وتمكينه من الولوج إلى نادي الديمقراطية، تريد من الجميع أن يجعل من الربيع المغربي مشتلا للحريات تشتم فيه نسائم الحق والقانون والنزاهة والعدل والديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة. حركة عشرين فبراير، لا يمكن لها أن تبني المستقبل مع كائنات سياسية تآكلت مشروعيتها وفقدت مصداقيتها. كائنات لا زالت بعض أطرافها للأسف الشديد، تبخس نضالات المغاربة ومطالبهم العادلة والمشروعة في الحرية والعدالة والكرامة الاجتماعية. كائنات تنظر لنفسها بتعالي وعجرفة كأنها نخبة هذا العهد. إذا كانت الطبقة السياسية غير مؤهلة للملكية البرلمانية، كما ادعى يوما الأستاذ محمد الطوزي فشباب حركة 20 فبراير يتساءلون عن أسباب ذلك؟ وعن الأسباب التي جعلت الطوزي يقبل بالتشاور معها والإنصات إليها في لجنة الدستور التي كان عضوا فيها؟ وكيف وصل بها الأمر إلى هذا الحد؟ وإذا كان من سابع المستحيلات إعطاء المجتمع الجاهل والفقير والأمي ملكية برلمانية على حد تعبير الأستاذ الطوزي، فمن المسؤول إذن عن فقر وجهل وأمية هذا المجتمع؟ أليست مسؤولية الدولة في تفقير الشعب وتهجين الأحزاب وإضعافها ثابتة تاريخيا؟ إن من براهن على الإبقاء على الوضع كما كان عليه قبل 20 فبراير، أو يريد أن يحتال من جديد على حركة 20 فبراير في ذكراها الثالثة من خلال وقفات نفعية انتهازية مزيفة كما حصل يوم 20 فبراير 2011، لا يمكن لرهانه السياسي إلا أن يكون خائبا.. في سنة 2011 كانت قيادات من حزب العدالة والتنمية يوجد بعضها اليوم في موقع حكومي لتدبير الشأن العام " بوليف، الرميد، الشوباني" وأخرى خارج التدبير " حامي الدين، العثماني" تخرج للشارع إلى جانب شباب الحركة في وقت كانت فيه القيادة الحزبية تطبخ طبختها ضد حركة 20 فبراير بداعي الإصلاح في إطار الاستقرار الذي فشل فيه رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران فشلا فضل هو أن يسميه بالصعوبات. وفي وقفة الأمس التي خلدت فيها حركة 20 فبراير ذكراها الثالثة طلت علينا النائبة البرلمانية ماء العينين بتصريح لموقع "هسبريس" تقول فيه، بأنها خرجت بصفة شخصية، وبأنها شاركت في الحراك مند انطلاقته في سنة 2011، وبأن الحركة لعبت أدوار كبيرة في تحريك البركة الراكدة للوضع السياسي في البلاد، وبأن المغرب لازال محتاجا لنفسها من أجل محاربة الفساد والاستبداد ! عن أي محاربة للفساد والاستبداد تتحدث النائبة آمنة ماء العينين؟ هل نسيت أن أمينها العام الذي يقود حكومة الإصلاح في إطار الاستقرار عبد الإله ابن كيران طبع مع الفساد والمفسدين بمقولة عفا الله عما سلف؟ هل تعلم السيدة النائبة المحترمة بأن عدد كبير من نشطاء حركة 20 فبراير تم الزج بهم في السجن في ظل حكومة يقودها حزب تحرر من أغلال وقيود الوافد الجديد بفعل نضالات هؤلاء؟ هل تعلم النائبة البرلمانية بأنها تعيد إنتاج نفس أساليب المناورة السياسية التي لجأ إليها إخوانها المتواجدين اليوم في موقع التدبير الحكومي في 2011 عندما وقعوا على بيان التغيير الذي نريد؟ حزب العدالة والتنمية ركب على الحراك في 2011 واليوم يريد إعادة الكرة، بل ذهب القيادي في نفس الحزب الأستاذ حامي الذين إلى حد اعتبار أن " الديناميكية الاحتجاجية لا يمكن أن تعوض الأطر السياسية التقليدية التي تضطلع بوظيفة الوساطة السياسية وتعمل على عقلنة المطالب وإعادة صياغتها بالطريقة التي يتحملها النظام السياسي، وهنا سقط الكثيرون في قراءة خاطئة لدور الأحزاب السياسية، خاصة وأن مطالب الشارع لم تخرج عن طبيعتها الإصلاحية ولم ترق إلى درجة المطالب الثورية التي تتجاوز طبيعة النظام السياسي القائم" بما أن الأستاذ حامي الدين يعلم بأن مطالب الشارع لم تخرج عن طبيعتها الإصلاحية ولم ترقى إلى درجة المطالب الثورية التي تتجاوز طبيعة النظام السياسي القائم، يحق لنا أن نوجه له هذه الأسئلة: لماذا لم يدعم حزب العدالة والتنمية الذي اتخذت أمانته العامة قرارا يقضي برفض النزول إلى الشارع وحذرت شبيبة الحزب من عواقب ذلك؟ لماذا لجأت الطبقة السياسية إلى تخوين مطالب الحركة وتخوينها؟ لماذا هاجم أمناء الأحزاب مطالب الشباب العادلة والمشروعة ووصفوهم بالدراري؟ الوساطة السياسية يا أستاذ حامي تقتضي وجود أحزاب جماهيرية وليس أحزاب متهافتة وغارقة في البؤس السياسي وفي الفساد والريع. الاستغلال السياسوي لمطالب حركة 20 فبراير، سلوك لا يقتصر على قادة البيجيدي من باب الإنصاف. بل هو خاصية مشتركة بين عدة أحزاب سياسية في الأغلبية وفي المعارضة. بل هناك بعض الأحزاب التي لفظها الحراك ورفع شباب حركة 20 فبراير صورا ولافتات تطالب برحيل رموزها المؤسسين أو النافذين فيها، لم تقف عند حدود الاستغلال بل وصلت بها وقاحتها السياسية إلى حد تبني الحراك والتهجم على المناضلين والجمعيات والأحزاب الذي دعمته وساندته مند بروز حركة 20 فبراير إلى غاية اليوم، بغض النظر عن تقييمنا السياسي لهذا الدعم يوم أمس أطل علينا شاب من الشباب، الذين اعتقلوا في وقت سابق بالريف،في برنامج وجها لوجه بقناة فرانس 24 بصفته قياديا في حزب الأصالة والمعاصرة، يتكلم عن نضالات حركة 20 فبراير، كما لو أن رموز الحزب الذي ينتمي إليه، في وجه مؤسسيه والنافذين فيه، شعارات تطالبهم بالرحيل. مع كامل احترامي للشرفاء من أبناء الريف، الذين شاركوا في الحراك بصمود نضالي قل نظيره وأدو الثمن غاليا" سقوط خمسة قتلى واعتقال عدد كبير من نشطائهم". هذا الشاب الذي يبدوا من خلال لكنته أنه ينحدر من الريف، مارس كل أشكال التظليل على المشاهدين لتشويه الحقائق وتمييع الحراك العشريني وتسويق فكرة مركزية مفادها أن العدالة والتنمية حزب استولى على السلطة وكأن الحكومات هي مصدر الفساد والاستبداد الذي تطالب حركة 20 فبراير بإسقاطه....وقبل هذا الشاب الذي لا أستبعد أن يكون قد تعرض لعملية غسل دماغ سياسية بعد مغادرته لأسوار السجن...خرج سجين آخر من سجناء حركة 20 فبراير يكتب "خرباشاته" السياسية لتبخيس نضالات المغاربة الذين لبوا نداء الحركة، التي ادعى بأنه واحد من مؤسسيها، على الرغم من أن هذه الحركة مند نشأتها لم تعترف بوجود الزعيم . هذا النوع من التدافع السياسي بين الفاعلين السياسيين في المغرب والذي يجعل من حركة 20 فبراير ومن بعض نشطائها أحصنة طروادة، تدافع يسيء للفعل السياسي النبيل في البلاد، ويعطي صورة قاتمة عن طبيعة النخبة السياسية التي تتصارع اليوم عن السلطة بأدوات ووسائل تدليسية وبحيل لا تنطلي على العقلاء من بنات وأبناء ورجال ونساء هذا الوطن الغالي جدا.