تابعت لقاء الأستاذ عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية مع قناة "B.B.C" الناطقة باللغة العربية ليلة الجمعة4 رمضان 1432 الموافق ل: 2011.8.5 تناول مستجدات الساحة السياسية المغربية، وتركز الحديث على حركة 20فبراير والإصلاح الذي يقوده النظام والاستعداد لاستحقاقات انتخابية سابقة لأوانها. ومن خلال متابعتي لأجوبة الأستاذ عبد الإله بنكيران تجمعت لدي الملاحظات الآتية أبسطها مع كل تقدير واحترام للسيد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية. 1. اعتماد لغة مزدوجة في تقييم حركة 20فبراير، فبعد تقدير دورها الفعال في الساحة السياسية الذي تمخض عنه تعديل الدستور وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وبعض المنتسبين لما يعرف بالسلفية الجهادية، انتقل الأستاذ ليعتبر صلاحيتها قد انتهت بإقرار الوثيقة الدستورية، وقد نسي الأستاذ بنكيران أو تناسى أن الإصلاح الدستوري مجرد مطلب ضمن لائحة مطالب، ثم إن الصيغة التي تم بها التعديل تكرس الاستبداد بالسلطة و القرار السياسيين الذي تناضل الحركة من أجل إسقاطه؛ فاعتبار استمرار الاحتجاجات مضيعة للوقت استخفاف بحركةٍ النظامُ والأحزابُ مَدينة لها بفضل إحداث دينامية سياسية أنقذت الحياة السياسية من الإفلاس والشلل التامين. 2. اعتبار الأستاذ بنكيران الإصلاح الدستوري حقيقيا وجذريا ينم عن سقف سياسي بلغته الأحزاب بحيث لم تعد قادرة على المبادرة، ويكفي أن التعديل الدستوري مجرد التعديل لم يكن واردا في أجندة الأحزاب والنظام معا؛ وينم عن استخفاف بحق الشعب في دستور ينبثق من الإرادة الشعبية ويعبر عن انتظاراته لدمقرطة وعصرنة المجتمع حقا لا ادعاء. وهو ذات الاستخفاف بالأحزاب الذي عبر عنه الأستاذ الطوزي عضو لجنة صياغة الدستور جوابا على مطلب الملكية البرلمانية معتبرا أن نسيج الأحزاب المغربية غير مؤهل ولم يَرْشُدْ بعد لهكذا نظام سياسي. 3. بالتدقيق فيما اعتبره الأستاذ بنكيران إصلاحا حقيقيا في الوثيقة الدستورية، فالتنصيص مثلا على إسلامية الدولة الذي اعتبره حزب العدالة والتنمية المحترم ذو المرجعية الإسلامية انتصارا على الحداثيين والعلمانيين، ومن أجله هددتم برفض الدستور، لا يعدو أن يكون إقرارا شكليا، لأن تصدير الدستور المحتفل به ينص على سمو المواثيق الدولية على القوانين الوطنية والشريعة الإسلامية طبعا هي المستهدفة، وهو نفس التأكيد الذي تضمنه خطاب العرش. أما واقع الحال فإسلامية الدولة لا تعني شيئا كثيرا اللهم رفع الأذان من صوامع المساجد المؤممة، وإلا فالخمور إنتاجا وتوزيعا واستهلاكا كالقمار والربا لا يناقش، بل إثارته تُهمة باستهداف الحريات الشخصية المكفولة بمقتضى مواثيق دولية صادق عليها المغرب، ومهرجانات السخافة وثقافة العُري واستئصال القيم لا ينقصها إلا الدسترة لتُصرف ميزانيتها رسميا من خزينة الدولة. والسؤال هو: ما الفرق بين مظاهر الحياة العامة في أي بلد أوروبي علماني حداثي وبين مظاهر الحياة في مغرب إسلامية الدولة وإمارة المؤمنين؟ وفيما يخص تقوية صلاحيات رئيس الحكومة الذي في نظر الأستاذ بنكيران سيتحمل المسؤولية كاملة في تدبير شؤون البلاد والعباد، في حين أن منطوق الوثيقة الدستورية يعتبر الحكومة المقبلة الموقرة مقدما جهاز تنفيذ توصيات حتى لا نقول تعليمات المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك، واقتراح رئيس الحكومة للولاة والعمال ومديري المؤسسات الحيوية سيتم بناء على قانون تنظيمي يحدد المعايير والمواصفات ما يجعل الاقتراح موجها، بشكل عملي، المجلس الوزاري/ الملك يحدد لرئيس الحكومة مجموعة من الأسماء والشخصيات ليس بأسمائها بل بمؤهلاتها، وفق معيار يخدم هوى النظام لتولي مهام معينة يقترح منها اسما أو أسماء ينصبها المجلس الوزاري/ الملك، ويتحمل رئيس الحكومة تبعات التعيين وخلل الأداء وسوء المردودية. 4. مؤاخذة الأستاذ بنكيران واتهام حركة 20فبراير برفض الوثيقة الدستورية قبل الاطلاع عليها، فيه تلميح مكشوف إلى غياب الإرادة في الإصلاح والسعي لإحداث القلاقل تصفية لحسابات سياسية مع النظام بحسب ما يفهم من السياق العام للتصريح؛ اتهام مجاني يندرج ضمن الموقف الرسمي للنظام من الحراك الشعبي ككل؛ والواقع أن رفض الحركة لمشروع الدستور مبدئي ومنطقي مع مطالبها، فهي تريد دستورا شعبيا وفق آليات ديمقراطية تكون فيه السيادة للإرادة الشعبية، وحيث إن النظام استفرد بعملية التعديل الدستوري مجالاتٍ وسقفا وآلية وإشرافا وتنفيذا فموقف الحركة الرافض للوثيقة سليم. وفي الوقت الذي تتهمون الحركة برفض مشروع الدستور قبل الاطلاع عليه، هل الأحزاب في شخص كتابها وأمنائها العامين اطلعوا على الوثيقة وتداولوها في المؤسسات الحزبية، أم أنهم اكتفوا بالخطوط العريضة لمشروع الدستور التي أُطلعوا عليها شفويا وراحوا يهللون له. ألم يتم إقرار الدستور والتعديلات والتصويبات ما تزال جارية كما نُشر في الجريدة الرسمية؟ 5. ادعاء الأستاذ بنكيران تناقص عدد المحتجين المطالبين بالتغيير بعد إقرار الدستور والتنبؤ بتلاشي حركة 20فبراير اعتمد فيه على أرقام وزارة الداخلية التي إذا تواضعت واعترفت بوجود مسيرات احتجاجية تَقْسِمُ (عملية القسمة الحسابية)عدد المتظاهرين على 100، فإن بلغ العدد 10آلاف مثلا، فالمتظاهرون مئات فقط، وإن تعلق الأمر بمسيرات المخزن التي ينشطها "الغياطة والطبالة" فالعشرات منهم ألوف لأن المخزن ينظر لهم بعين الرضا. ومهما كان عدد المتظاهرين قليلا فهو أكبر بكثير مما يمكن أن تستنفره الأحزاب مجتمعة، ولا حول للأحزاب بالنفس الطويل التي ميز الحراك الشعبي رغم كل أشكال التشويش والترهيب والتخوين التي تعتمدها الدولة لاحتواء الاحتجاجات. ولو صح ادعاء الأستاذ بنكيران بتراجع أعداد المحتجين وأفول نجم الحركة، فما الداعي لإجراء انتخابات مبكرة رغم ما توفر من شروط تدني نسب المشاركة؟ 6. سكوت الأحزاب وعلى رأسها حزب الأستاذ بنكيران عن خروقات عملية الاستفتاء، بل ثمنت ونوهت باحترامها لمعايير الشفافية المعتمدة دوليا، حتى إذا اقتربت الانتخابات رفعت ذات الأحزاب الصوت بضرورة مراجعة اللوائح الانتخابية وتحيينها بعدما شارك في الاستفتاء الأموات أكثر من الأحياء. إنه لعَمري سلوك انتهازي، فمصادرة إرادة الشعب في وثيقة تؤطر العمل السياسي لا يعني شيئا عند هذه الأحزاب التي يؤرقها فقط حصيصها من المقاعد وحظوظها لتكون ضمن تشكيلة الحكومة. 7. تهديد الأستاذ بنكيران بالنزول إلى الشارع إذا زُوِّرت الانتخابات القادمة مزايدة فقط، وإلا في أي إطار سيكون هذا النزول؟ هل سينضم "المصباح" لحركة 20فبراير التي لم يلتحق بها لأنها لم توجه للحزب الدعوة كما صرح الأستاذ بنكيران في لقاء تواصلي بمراكش، لأن الحزب ما شاء الله وبارك أكبرُ من أن يسير في مسيرة مجموعة من الشباب مجهولي الهُوية السياسية والعقدية؟ 8. ربط الأستاذ بنكيران بين سقوط نظامي بنعلي ومبارك وما آلته إليه الظروف الانتقالية بعد نجاح الثورتين من انفلات أمني مؤقت وبين عدم تأييد الحراك الشعبي غير منطقي وتخويف للشعب من المطالبة بالإصلاح، بمعنى أدق، على الشعب أن يختار بين قَََبول استمرار الاستبداد والفساد وبين الفوضى. 9. لا يُفوِّتُ الأستاذ بنكيران أية فرصة دون إبداء الاستعداد لتولي رئاسة الحكومة وهذا مطلب مشروع ولا أدري فيما إذا كان الأستاذ بنكيران واعيا تمام الوعي بطبيعة المرحلة، أقصد أن الداخلية التي يُتخوف من تزويرها لنتائج الانتخابات القادمة قد تُقدم على النقيض فتعلن حزب المصباح فائزا، ويعين الأستاذ بنكيران وزيرا أولا لضرب عصفورين بحجر واحد: التخلص من التركة الثقيلة للحراك الشعبي اجتماعيا وحقوقيا واقتصاديا وسياسيا وإبراز تواضع الحزب التدبيري للشأن العام، واستهلاك الرصيد الشعبي المعتبر للحزب ليصطف مع بقية الأحزاب رافعا الراية البيضاء ومعلنا عمليا أن المؤسسة الملكية وحدها قادرة على تسيير شؤون العباد والبلاد، وهو ذات السيناريو الذي اعتمده النظام مع حكومة اليسار في شخص الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي. ما أشبه الأمس باليوم، فهل من متعظ !؟ وتقبلوا الأستاذ عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية فائق التقدير والاحترام، ورمضان مبارك كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ذ. المصطفى سَنْڭِي [email protected] بني ملال: الجمعة 4 رمضان 1432 ه / 5 غشت 2011م.