لا يخلو مفهوم الدولة من حمولة أمنية يتغنى بها كل جهاز سياسي قادر على حماية المواطنين و تحقيق الأمن عبر ترسانة قانونية تستمد مشروعيتها من سلطة تشريعية متعاقد عليها، فهل فعلا يرقى جهازنا الأمني إلى مستوى تطلعات الشعب و المواطن ؟أم أن الانفلات و التفسخ هي السمة المميزة لهذا الجهاز ؟ "" لا يخفى على أحد مستوى المناعة الذي أضحى يميز جهازنا الأمني ضد كل اختراق خارجي أو أصولي متطرف من شأنه أن يمس مغربنا الحبيب ، و هو ما يجعل إدارتنا الأمنية تتمتع بسمعة طيبة دوليا و مغاربيا ، خصوصا إذا قارناها بدول الجوار الغارقة في غياهب التطرف و الانفلات الأمني الداخلي ، غير أن هذا الاجتهاد الذي نجده يمس المصلحة العليا و أمن البلاد ، نكاد نجزم بتقزمه عندما يتعلق الأمر بأمن المواطن العادي ، فلماذا يا ترى هذا الحيف ؟ أليس من حق المواطن العادي أن يعامل بنفس الروح و الجدية في بلد شعاره دمقرطة المؤسسات؟ إن المتأمل في السلوك اليومي لبعض رجال الأمن ، سواء كانوا دركا أو شرطة، ليستغرب من شذوذ بعضهم ، سلوكيات في الواقع لا تربطها أي صلة برجال أمن أوفياء لضمائرهم المهنية ، نخرت عقليتهم الرشوة و انحطت قيمهم و مثلهم ، تجدهم يصادقون المجرم و يتغطرسون و يتهاونون أمام العبد الضعيف الذي لا حول له ولا قوة ، و تستنفر قواهم و فطنتهم أمام "الهاي كلاس" ... ربما قد يجادلني أحد ويقول إنها حالات خاصة لا يمكن تعميمها ، سأكون راضيا على الوضع لو كان الأمر يتعلق بعينات محدودة ، ولكن الواقع أنه طاعون أضحى ينخر الجهاز الأمني الذي أصبح يحكم سلوكه منطق برغماتي مقرون بالرشوة و المحسوبية التي تعشش في أعماق البيت الأمني و تحرك دواليبه ، وما يزيد من الفاجعة هو تغاضي المسؤولون الكبار عن الأمر في الوقت الذي أصبحت الساكنة تختنق بهذه المناظر الشاذة التي تثير التقزز و الاشمئزاز و الغثيان.... صحيح أن الشرطي أو الدركي البسيط يجد نفسه أقحم في دوامة إكراهية من السلوكيات الشاذة التي أصبحت تشكل جزء من هوية جهازنا الأمني ، فتجده مرغما على تحقيق أهداف مرؤوسيه ضاربا عرض الحائط هويته القيمية ومكانته الاجتماعية .... يبدع و يتفنن في كيفية تحقيق المبتغى مصادقا أحيانا الظالم و مخوفا المظلوم يسعى إلى جمع "غرامة الخطافة" بتوظيف" بلاغة" و مخبرين حملوا الزي برمزية عرفية ويعرفون أكثر مما يعرفه الدر كي أو الشرطي ... الواقع أن هذه السلوكيات هي معروفة لدى الجميع ، لكن ما يثير الاستغراب هو طريقة تعامل الجهاز الأمني مع موارده البشرية عندما يتم فضح هذه الأمور ، فيصبح الجهاز في حالة استنفار قصوى و يتم التعامل بجدية و مسؤولية مبالغ فيها مع قضايا المواطنين ، و أحيانا تنقلب نكسة على المواطنين فتبدأ عمليات الانتقام و يتم تسخير كل الوسائل لكشف القناصة و المشاغبين ، ولم لا فبركة تهم غليظة في حقهم من شأنها أن تردع جرأتهم...لماذا ينتظر الجهاز الأمني حتى تنسف سمعته ليتحرك ؟ألا يعلم ما يجري في دواخله ؟ إنكم تضحكوننا و تجعلوننا نشفق على أمركم ... إنه تناقض مفضوح مقرون بانتكاسة قيمية للشرطي أو للدر كي مدعم من قبل ذاكرة شعبية هزلية متخمة بالألقاب الدنيئة و المنحطة تؤزم مكانته الاجتماعية، فمن "جدارمية" إلى "جدار ربعمية" ومن" صحاب الحال "إلى " القرود"...أسماء كلها في الواقع تحمل أبعادا سيميوطيقية عميقة ، و تعبر عن الصورة المشوهة للجهاز الأمني في الذاكرة الشعبية .. صحيح أن هناك عينات أبانت عن أهليتها في حمل هذا الزي النبيل و مستعدة للتضحية بحياتها حفاظا على سلامة المواطنين و أمن البلاد ، وهي في الواقع تعاني من استلاب الموروث الثقافي المتخم بسلوكيات لا تشرف جهازنا الأمني...سلوكيات في الواقع تثير السخرية و التعجب : فإذا كانت شرطة المرور تنصب رادارات فخاخ في مناطق لا تشكل نقطا سوداء ، فإن الدرك بدوره يلجأ إلى نفس الآلية هدفه ليس تنظيم المرور و إنما اقتناص الأخطاء التي من شأنها أن تثقل القبعة أو تملأ الجوارب أو الحفر القريبة ،فحتى الجيوب منعوها ضنا منهم أنها ستوقف ظاهرة الرشوة ... استغربت مرة عندما وجدت دركيا يقتنص الهمزات الطائشة من فوق شجرة ، إنه سلوك لا يرقى إلى مستوى المهنة ؛اللهم إلا إذا كانت التعليمات تقتضي اقتناص أخطاء السيارات أو الشاحنات عبر تسلق الأشجار والاختباء ، و كأننا في حرب عصابات غير متكافئة بطلها الرادار و الكاميرا المحمولة ، هدفها ليس تنظيم المرور و إنما ملء البطون قبل خزينة الجهاز الأمني... عندما حاول كريم غلاب أن يشرعن مدونة السير؛ تبادرت إلى ذهني تساؤلات راديكالية محبطة: هل فعلا رجل الأمن بمستوى الأمانة الملقاة على عاتقه ؟ أم أن الأمر يتجاوز حدود مسؤولياته ، فيصبح أداة طيعة في يد لوبي أمني عالي المستوى ، منطق لغته هو جمع الغرامة بكل الوسائل المشروعة و غير المشروعة ...بالله عليكم أي شطط هذا ؟ عندما يتهمك شرطي أنك تجاوزت الإشارة الحمراء و أنت متأكد من براءتك وعاجز عن إثبات العكس، بل أكثر من ذلك لديك شهود ينفون هذا الاتهام ؟ أستغرب حقا من جرأة بعض رجال الأمن في افتعال التهم المجانية ؟ سبحان الله.. رجال أصبحوا يفتعلون المشاكل عوض حلها، يتشدقون بسلوكيات مفضوحة تثير التقزز و الغثيان، يجرون معهم جهازنا الأمني إلى الهاوية و يقتلون هيبته و مصداقيته... قد يجادلني غيورون على جهازنا الأمني ، و يربطون وضعيته المزرية بإكراهات موضوعية تتعلق أساسا بالمستوى السوسيواقتصادي التي تعيشه هذه الفئة مقارنة بمستوى المسؤوليات الجسيمة الملقاة على عاتقها...قد أتفهم الأمر لو أن الوضع كان مرتبطا برجال الواجهة ، ولكن الواقع أن هؤلاء "الشرفاء "هم مجرد بيادق جردوا من قيمهم بإكراه وظيفي ، تجدهم يشتغلون بمنطق "الوزيعة" و ينهبون بأوامر من مرؤوسيهم ويتحملون وزر طمع فئة ميسورة الحال كالت ولا زالت تكيل من دم المواطنين الضعفاء ولها حق مشروع في كل "همزة" صغيرة كانت أو كبيرة . إننا مدعوون إلى تخليق جهازنا الأمني عبر تفعيل شرطة الشرطة و توسيع دائرة تحركاتها وعبر تحسين الشروط السوسيواقتصادية للعاملين به، و الحد من السلوكيات الطائشة لبعض رجالاته والتي أصبحنا نتقزز و نستحيي من مشاهدتها كل يوم في مواقع اليوتوب ، إن هذه السلوكيات تشرعن الفوضى و تزيد من جرأة المجرمين ...فعندما نسمع بحي كامل ينهب بواسطة عصابات مدججة بالسيوف و السكاكين في واضحة النهار، فلا يسعني إلا أن أقول رحمة الله على جهازنا الأمني و لا حول ولا قوة إلا بالله...أما آن الأوان أن تستحيوا من وضعكم؟؟؟