شكلت ثورة الملك والشعب، الخالدة في ذاكرة المغاربة، حدثا تاريخيا عظيما، من أجل تحقيق الحرية والاستقلال، كما ترجمت أروع صور الوطنية الصادقة وأغلى التضحيات في سبيل الوطن، ومنعطفا حاسما في ملحمة الكفاح المغربي من أجل الانعتاق والحرية والاستقلال. وإذا كانت ثورة الملك والشعب مازالت حاضرة في ذاكرة الأجيال منذ غشت من العام 1953، مما يحتم علينا جميعا على الدوام استحضار أرواح جميع المقاومين، بما بذلوا من تضحيات كبيرة في تحرير الوطن، فإننا اليوم في حاجة إلى ثورة فكرية جديدة، تقتضي انخراط جميع فئات المجتمع، وكل الفعاليات السياسية، أحزابا ونقابات، ومنظمات المجتمع المدني، في إعطاء نفس جديد، لمواصلة مشاريع الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تلك التعبئة الجماعية التي تجعل مصالح الوطن والمواطنين تسمو فوق أي اعتبار أو مصلحة شخصية ضيقة، وإجراء قطيعة نهائية مع كل مظاهر الفساد والسلوكات السلبية ونظام المحسوبية والامتيازات، وإشاعة قيم الجدية في العمل والالتزام وتحمل المسؤولية بكل تفان وإخلاص مع ربطها بالمحاسبة، واعتماد مبدأ الاستحقاق في تقلد المسؤوليات الإدارية في إطار المساواة وتكافؤ الفرص، وتنزيل مبادئ الديمقراطية التشاركية التي من شأنها انخراط المواطن المغربي، باعتباره من أهم الفاعلين في إنجاح مرحلة الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي وإنجاح مشروع النموذج التنموي الجديد. الثورة الجديدة، التي نريد، هي درس من الدروس المستوحاة من ثورة الملك والشعب، التي بفضلها يعيش الشعب المغربي في الحرية والاستقلال والكرامة. هذه الثورة الجديدة تحتاج إلى نساء ورجال وشباب متشبثين بروح المواطنة الصادقة والمسؤولية، لخوض مرحلة جديدة للإصلاح والبناء، من أجل تحقيق التقدم والتنمية المستدامة ومحاربة الفقر والفوارق الاجتماعية وتحقيق الرخاء والعدالة الاجتماعية وتعزيز قيم التضامن الاجتماعي لمواجهة التحديات... كل ذلك في ظل الوحدة الوطنية ضامنة للتلاحم والتماسك بين كل مكونات المجتمع المغربي ورافعة للتقدم والتنمية والازدهار. إن المرحلة الجديدة، التي انطلقت باعتماد نموذج تنموي جديد، ستعرف جيلا جديدا من المشاريع والخبرات والكفاءات، وستكون السبيل لمستقبل زاهر يرتكز بالأساس على جعل الإنسان محورا للدولة والمجتمع، وفق رؤية شمولية، تتيح بلورة مشاريع وسياسات عمومية تساعد على إحداث قفزة نوعية بالسرعة القصوى من أجل مغرب جديد، يتطلع إليه الملك والشعب، وخاصة الأجيال القادمة ذات النظرة المستقبلية القادرة على التغيير والعطاء وتحقيق غد أفضل، بكل حزم وإرادة وثقة.