حلت يوم الجمعة عاشر يوليوز الحالي، الذكرى الثامنة والثلاثون لحدث الانقلاب العسكري الأول الذي شهده المغرب، وبالتحديد في يوم السبت 10 – 7 - 1971، حيث كانت عقارب التاريخ، قد دارت بسرعة مجنونة، قبل أن ترسو عند مؤشر عودة الأمور سيرتها الأولى، حيث فشلت خطة الإطاحة بالحسن الثاني، وإرغامه على توقيع وثيقة التنازل عن الحكم، وتشكيل مجلس الوصاية على العرش، كما كان يأمل الجنرال "محمد المذبوح" أو قتل الملك بكل بساطة، كما كان ينوي الكولونيل "محمد اعبابو" وتأسيس حكومة عسكر، على غرار ما حدث، وكان يحدث آنذاك، في أكثر من بلد عربي وعالم ثالثي، وكان من مكر الصدف أن الحسن الثاني وجد خلاصه، واستمرار نظامه، في هذه الجزئية الخِلافية، بين قائدي الانقلاب، مما فسح كوة نجاة استطاع استثمارها لصالحه. وفشلت المحاولة الانقلابية، وكان ما كان، مما ستحتفظ به سجلات التاريخ المغربي إلى الأبد. "" لقد كان مُثيرا حقا، أن تظل حمى الإطاحة بالحسن الثاني، على استعارها، بالرغم من كل ترتيبات الاحتراز التي اتخذها ، ليتم القيام بمحاولة انقلاب ثانية بعد انصرام قُرابة عام (يوم 16 غشت سنة 1972) ومرة أخرى تدخلت الصدفة، لينجو الحسن الثاني ونظامه، ولتدور عجلة الدَّك الحديدية على البلاد والعباد أكثر فأكثر. واليوم، بعد مرور أزيد من ثلث قرن على ما حدث، فإن حصيلة الشروط التي أنتجت الانقلابين العسكريين، ما زالت على حالها، حيث يظل المشهد السياسي مُحتفظا بنفس اللازمة، التي رهنت مصير البلاد والعباد، ونعني بها هيمنة المؤسسة الملكية، على كل مناحي الحياة السياسية (غزوات حزب صديق الملك) والاقتصادية (الملك أول مالك للثروة، والمُشغِّل الأساسي) والاجتماعية (استفحال شروط تدهور مستوى عيش الأغلبية) وهو ما يجعل من قبيل تحصيل الحاصل، الاستنتاج بأن لا شيء يمنع من تكرار ما حدث في مستهل عقد سبعينيات القرن الماضي. صحيح إنه لا وجود اليوم (بالنسبة للسياسيين المنتظمين) لِمن يُنادي سرا أو جهرا، بضرورة الإطاحة بالنظام الملكي، وانتفت تلك العداوة "الباردة" بين بعض فُرقاء المشهد السياسي، ونقصد بعض يساريي الأمس، والنظام الملكي، فعلى سبيل المثال، لن يجد الآن ذوو الأفكار الانقلابية، مَن يقبل حتى الاستماع إليهم، ناهيك أن يتواطأ معهم ولو بالصمت، كما فعل بالأمس بعض أقطاب اليسار مثل "عبد الرحمان اليوسفي" و "عبد الرحيم بوعبيد" و غيرهما، خلال الإعداد للمحاولة الانقلابية الثانية، حيث كانت الموضة الإيديولوجية لذاك الزمن تلخصها العبارة التالية: "اللهم العسكر ولا الملكية".. إذا كان هذا صحيحا، فإن ثمة وراء الأكمة ما يجعل "الأرضية" قابلة لتحبل دائما بالمُفاجآت، كيف ذلك؟ لا يحتاج المرء إلى عيني زرقاء اليمامة، ليستوضح بعض شروط الاصطدام بالامتوقع، ويكفيه - أي المرء - النظر إلى تشدد الآلة الأمنية، في التعامل مع شتى أوراش التدبير، ليفهم أن الأصبع على الزناد، في أكثر من "مُعسكر" معروف وغير معروف، وفي ذلك واحدة من أكبر علامات عدم الاستقرار. ودعك من "تسليم" المُسَلِّمِينَ، وحوقلة المحوقلين، الذين يجنون أكبر المنافع من استمرار التدهور، وبقاء الوضع على ما هو عليه، فهؤلاء أنفسهم، أو مَن حل محلهم، فيما بعد، هم الذين كانوا يتهافتون على تقبيل يدي الحسن الثاني، دقائق قبل أن تسقط عبوة ناسفة، تحت خيمته الخاصة بقصر الصخيرات، يوم سبت قائظ بتاريخ عاشر يوليوز سنة 1971، إن مثل هؤلاء المُسَلِّمِينَ والمحوقلين بِحمْدِ الماسك بأسباب نِعِمِهم، هم الذين يكونون دائما على استعداد للصراخ ملء أفواههم و "قلوبهم": "الله ينصر مَن أصبح". أسباب الاستقرار الحقيقية، ما زال دونها شق القتاد، كما قال أسلاف لغة الضاد، وهي مهمة تحتاج إلى فاعلين حقيقيين، لا كراكيز طيعة، تُفبرك المشهد السياسي، وتزيف الحقائق الصارخة، لقاء متاع زائل لن يهنأوا به طويلا، وتقف دروس التاريخ القريب والبعيد دائما كشاهدات، لتنفع ذوي الألباب، غير أن أكثر الناس لا يعقلون.