أدّت موجات الحرارة المرتفعة خلال الأيام الماضية إلى بروز أمطار رعدية بعدد من المناطق الداخلية والمرتفعة، خصوصا بجهتي سوس ماسة ومراكش آسفي، نتج عنها بشكل مباغت وفجائي حملُ وديانٍ ومسارات مائية كمياتٍ مهمة من مياه الأمطار كظاهرة سنوية متكررة يرفع التطرف المناخي من حدتها سنويا. وعادة ما تعرف عددٌ من المناطق الداخلية بالمغرب خلال كل موسم صيفي أمطارا طوفانية تتسبب في خسائر مادية وبشرية؛ لعل آخرها فاجعة "تيزيرت" بإقليم تارودانت سنة 2019، بعدما أودت مياه الوادي بحياة عدد من الشبان وقتها، موازاة مع خسائر مست الفلاحة المعيشية والبنية التحتية لعدد من التجمعات السكنية بالإقليم. المتحدثون حول هذا الموضوع دائما ما يؤكدون ضرورة "التأسيس لأنظمة خاصة بالإنذار المبكر بالمناطق التي تعرف هذه الأمطار الطوفانية بما يمكن أن يساهم في تجنب الخسائر التي يرتقب أن تتسبب فيها، أو حتى تقليصها نسبيا، مع ضرورة مساهمة الساكنة في ذلك بالالتزام بمضامين النشرات الإنذارية وقيام السلطات المحلية هي الأخرى بمهام التحسيس". وأكدت مديرية الأرصاد الجوية لجريدة هسبريس الإلكترونية أن "المناطق الجبلية عادة ما تكون ملائمة لتشكل العواصف الرعدية، التي على الرغم من كونها تساهم في إعادة تغذية الموارد المائية إلا أنها تنطوي على مخاطر إن لم يتم توقعها، بالنظر إلى كونها تكون متمركزة وقوية في مكان بعينه". المديرية لفتت إلى أن "تكوّنَ السحب غير المستقرة المصحوبة بالزخات الرعدية بمرتفعات جبال الأطلس والمناطق المجاورة، يكون بفعل وجود تباين في درجات الحرارة بين طبقات الجو السفلى التي تكون متميزة بكتل مدارية رطبة وحارة وبين طبقات الجو العليا التي تكون باردة نسبيا"، لافتة إلى أن "سلسلة جبال الأطلس تبقى عاملا جغرافيا محفزا لظاهرة العواصف الرعدية"، مؤكدة في الآن ذاته توقعاتها باستمرار هذه العواصف خلال نهاية الأسبوع بالجبال والمناطق المجاورة زوالا. قراءة هذه الظاهرة علميا استدعت تصريحا من محمد سعيد قروق، أستاذ علم المناخ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أكد خلاله أن الأمر يتعلق ب"تصاعد الكتل الهوائية الساخنة صوب المرتفعات الجبلية التي تكون في الغالب باردة، ليحدث بذلك اصطدام بين الطرفين ينتج عنه انقلاب حراري في نهاية المطاف". "هذا الانقلاب الحراري يؤدي مباشرة إلى عواصف رعدية مباغتة، خصوصا في فترة الزوال تحديدا، حيث يكون الجو مرتفعا خلال الفترتين الصباحية والمسائية في حين يكون منخفضا خلال فترة هذه العواصف في فترة الزوال، بعد أن تتحول الكتل الهوائية إلى أمطار"، يشرح قروق لهسبريس. ونبه المتحدث إلى أن "الأمطار الرعدية الموسمية تكون خطيرة ومدمرة وفيضانية في بعض الأحيان، كما حدث في أوريكا خلال فترة تسعينات القرن الماضي، إذ لا تكون مثل أمطار الشتاء، بينما تبقى محدودة زمانيا ومكانيا كما يطرأ بالمناطق الاستوائية والمدارية". أستاذ علم المناخ بالدار البيضاء بيّن أن "الأمطار الصيفية الرعدية تكون دائما في غاية الخطورة، خصوصا بالمناطق الجبلية التي تكون محاذية للوديان، على اعتبار أن جريان هذه الأودية يكون دائما مباغتا بالنسبة للساكنة، مما يجب معه الأخذ بمختلف الاحتياطات اللازمة التي بإمكانها أن تقف ضد تسجيل خسائر بشرية في الأساس، في حين إن الخسائر المادية عادة ما تكون واردة لقوة هذه الأمطار الرعدية". على النحو التحليلي ذاته سار محمد بنعبو، باحث في مجال المناخ، الذي أكد أن "المناطق الجبلية والداخلية والمتواجدة بسلاسل جبال الأطلس هي التي تكون كالعادة مهددة بهذه الأمطار العاصفية والرعدية المباغتة الناجمة عن تكتُّل الغيوم في بداية اليوم قبل حدوث الانقلاب المفاجئ للطقس في منتصف النهار". ولفت بنعبو، مُصرحا لهسبريس، إلى أن "هذه الظواهر المناخية على الرغم من مساعدتها في الرفع من منسوب الموارد المائية، تكون مهددة لسلامة الساكنة القاطنة بالمجالات القريبة من الأودية وأماكن تجمع المياه، مما يجعلنا أمام تداعيات بيئية وبشرية كذلك". وأشار المتحدث إلى أن "هذه المسائل تستدعي تكثيف آليات الإنذار المبكر بالمناطق المعنية أكثر بها من أجل الرفع من منسوب النجدة وتفادي الكوارث التي قد تنجم عن ذلك، بما فيها البنية التحتية وكذا سلامة الأفراد الجسدية"، موضحا أن "الساكنة بدورها يجب أن تكون على أهبة الاستعداد خلال هذه الفترات، وأن تتبع النشرات الإنذارية الصادرة عن السلطات، في وقت يتوجب على رؤساء الجماعات بدورهم الانخراط في إنجاح هذه العملية من خلال التعاون مع السلطات المختصة للحيلولة دون وقوع الكوارث كما حدث في أوقات سابقة".