الحب هو ذلك الخيط الرابط والناظم الذي يجمع بين رجل وامرأة، هو ذلك السر الذي يلهث وراء امتلاكه كل إنسان، فكل واحد يسعى لأن يحب و يحب، أن يجد شخصا يحبه و يعبر له عن ما يختلج مشاعره ويكتنف أحاسيسه ودواخله . الحب هو ما يراود مخيلة كل فتى وذاكرة كل فتاة. يود الجميع لو يجد الطرف الأخر الذي يحبه ويعبر له عن المشاعر الصادقة والعواطف الراسخة. في القديم كانت الفتاة تنسج صورة لمحبوبها حيث تصوره فارسا شجاعا يمتطي فرسا أبيضا ويأتي لأخذها والذهاب بها إلى مكان بعيد عن الأنظار حتى يتسنى لهما قص شريط حبهما الخالد، كان الرجل يمثل تاج رأس المرأة ، تلهج باسمه في كل مكان ،تكون في حضرة النساء في التجمعات العائلية ، فلا ينفك لسانها عن ذكره وهو في زهو رجولته ، تسمه بسمات الكرم والإخلاص، وتصفه بصفات البسالة والشجاعة والإقدام، كانت المرأة حافظة سر الرجل، وأمينة ماله ، ومدبرة شؤونه ، وربة بيته، تتجمل له وتسرها عودته ، وتتمرأى على تقاسيم وجهها أمارات الفرح بمجيئه ، و إن اقترف الرجل زلة من الزلات ، لا تستطيع المرأة إلا أن تغفر له . وكان الرجل أيضا يحب زوجه ويعمل على الاعتناء بها وإكرامها، والمنافحة عنها . فكانت بين الرجل والمرأة وشائج قوية ، خيوط حب لا تعصف بها رياح المشاكل، ولا تتأثر بنوائب الدهر ووقائعه . لذلك كان من الطبيعي أن تنيف العلاقات الزوجية وقتئذ على ستين أو سبعين سنة . وأما في عهد المواقع الاجتماعية فقد فقد الحب مدلوله ومحتواه ، وغدا مقيدا بشروط .أضحت الشابة تصور حبيبها رجلا غنيا يمتلك سيارة فاخرة ومنزلا فخما .... وتتخيل فارس أحلامها على أنه رجل يحوز الترف والرفاهية والبدخ، في حل تام عن الحب والعشق والهيام. من أجل ذلك ارتفعت نسبة العنوسة ، وتزايد عزوف الشباب عن الزواج . وأصبح الحب يصور في مشاهد تخدش الحياء وتكشف زيف المشاعر بين المتحابين ، كتصوير القبل بين المتحابين ، ناهيك عن عديد الأشرطة التي تملأ صفحات المواقع الاجتماعية والتي تجسد مداعبة أو ما شابه ذلك بين شابين ، معتقدين أنهما يعيشان حبا حقيقيا ، وأنه لا سبيل للتعبير عن هذا الحب إلا من خلال نشر الصور والأشرطة ، الأمر الذي أفرغ الحب من محتواه الحقيقي . هذه الصور والأشرطة لا تنمي الحب كما يعتقد الكثير من الشباب ، بل خلاف ذلك تعمل على قتل الحب . بمجرد ما يتمكن الشاب من تلابيب قلب الشابة حتى يمارس عليها سلطته ونفوده ، وبعدما ينتهي من إشباع شبقه ونهمه يطرحها كما تطرح البقرة ولدها الميت ، ويأتي الدور على ضحية أخرى ، بل الأمر يتعدى ذلك إلى الضرب في بعد الأحايين بسبب علاقة عاطفية لم تنبني على أسس متينة و قامت على حب زائف وعواطف خداعة . و قد تتطور العلاقة إلى أكثر من ذلك وينتج عنها حمل وما يساوق ذلك من معاناة لا نهاية لتبعاتها . لهذا أضحت الإذاعات الوطنية مرتعا لشرذمة من البرامج التي عنيت بمشاكل الشباب سيما المتحابين ، حيث تعرض هذه البرامج أوصاب شبان و ألام شابات قادتهم أحلامهم المعسولة وجرهم حبهم المزيف إلى عواقب انعكست سلبا على حياتهم فيما بعد . وإذا كان الحب قد انعرج عن سكته الصحيحة وأفرغ من محتواه لدى الشباب ، فالأمر سيان في العلاقات الزوجية ، حيث ارتفعت نسب الخيانة ، واكتظت المحاكم بملفات الطلاق ، وبات الزوج يطلق لسانه في مساوئ زوجته وعيوبها ، والزوجة تذم تصرفات زوجها وأفعاله . كل طرف يحيك ويضمر الدسائس للأخر ، لذلك كثر الإقبال على العرافات والمشعوذين ، والنساء لهن قصب السبق في التردد على مثل هذه الأمكنة لأن المثل يقول " كيد الرجال هد الجبال وكيد النساء هد الرجال " ، واستشرت ظاهرة تعنيف المرأة ، وغدا الرجل يبرهن على رجولته بضرب زوجته مما يؤدي في بعض الأحايين إلى خلق عاهات مستديمة لدى نساء غدا عش الزوجية عندهن جحيما لا يطاق وسجنا ومحجرا لا يحتمل. اليوم نحن في مسيس الحاجة إلى حب ينصرف إلى احترام الطرف الأخر وتقديره ، إلى حب لايختزل المرأة في الجسد ، إلى حب أسطوري يذكرنا بقصص الحب الأسطورية ، و على سبيل المثال أسطورة إيسلي وتسليت ، ذلك الحب الصادق التي تحدى القدر ، حيث حزن المتحبان حزنا شديدا وأجهشا في البكاء حتى شكلا بحيرتين من الدموع وأغرقا نفسيهما في تلك البحيرتين ، وضحيا بحياتهما بعدما استيقنا بأنه لا حياة لهما دون بعضهما البعض . وكذلك أسطورة إيزيس وأوزوريس ولتي جسدت مفهوم الحب الخالد . البعض يظن أنه لم يعد للحب وجود ، ومرة سمعت شابة تقول بأنه لم يعد هناك حب بل فقط هناك إعجاب ، وكأنها تنسج على منوال ذاك الحكيم الذي سئل قديما عن الحب ؟ فقال " الحب كالطيب كلاهما يتبخر ويضيع في الهواء " . وربما كانت شهادة هذه الشابة محكومة بما تشاهده في الواقع ، وبما ينتج عن الحب من تفاهات وحماقات وجنون ، لكن ربما يكون الحب الحقيقي هو ما يخلف وراءه من جنون وحماقات كما قال نيتشه في كتابه هكذا تكلم زرادشت " في الحب شيء من الجنون ، وفي الجنون شيء من الحكمة " . وإذا كان السواد الأعظم من العلاقات في مجتمعنا تشوبها الخيانة والنفاق ، فهناك علاقات نشأت وعاشت بالحب وشبت وشابت بالهيام وحيت وماتت بالإخلاص .