لا يخفى على كل متتبع للشأن التربوي و التعليمي بالمغرب مستوى المرونة الذي أصبح يطبع قرارات وزارة التربية الوطنية حول نسبة النجاح أو الرسوب استجابة لإكراه الخرائط المدرسية ، ويمكن تلمس هذه المرونة في طريقة تدبير مستويات البكالوريا ،حيث يتم تقديم فرص من ذهب للتلميذ الذي يدرس بالأولى باكالوريا أو الذي يتابع في السنة الثانية ، فإذا كان القرار الأول يتسم بالمشروعية و العقلانية ما دام يعطي للتلميذ الفرصة للتكرار الإرادي خصوصا إذا كان معدل الجهوي لا يتجاوز 8/20 و بالتالي فهو يمنح له إمكانية لتطوير قدراته و يؤسس له أرضية معرفية صلبة تؤهله لامتحان الباكالوريا، فإن القرار الثاني الخاص بالدورة الاستدراكية النهائية هو قرار مشكوك في مشروعيته و فيه نقاش . فهل امتحان الدورة الوطنية الاستدراكية هو آلية مشروعة و عادلة ؟أم أنه ميكانيزم دفاعي موجه نحو كل منتقد لمنظونتنا التربوية الفاشلة؟ وبأي معنى يمكن الحديت عن فرصة ثانية وهي أصلا مغيبة واقعيا؟ألا يمكن القول أن هذه الفرصة الثانية هي قتل لمستقبل التلميذ ورهاناته؟ "" إن الفرصة الثانية أو الباكالوريا الاستدراكية مشروع غير عادل لأنه في الواقع لا يتوافق مع متطلبات سوق الشغل لأنها بكل بساطة بكالوريا البطالة بامتياز، فأي تخطيط هذا؟ هل هو شرعنة للبطالة بشواهد يتيمة لا قيمة لها؟أم هو استراتيجية مستهدفة وظيفتها الزج بجيش غير مؤهل في جامعة مترهلة لا ترحم؟أم أنها مجرد حلوى نجازي بها التلميذ الذي قضى 12 سنة على الأقل في المدرسة العمومية و خرج منها خاوي الوفاض؟ بالله عليكم أي آفاق لهؤلاء التلاميذ؟ ترى في وجوههم الإحباط و الحرمان ، لا حول لهم ولا قوة ، يتساوى في أعينهم النجاح بالفشل لأنهم يدركون أن كل المباريات استنفذت وليس من سبيل لهم إلا الجامعة أو الشارع، يتحدثون بنبرة كلها احتقار و مهانة ويستفسرون عن جدوى هذه الباكالوريا ،فحتى وطنيتهم أرادوا أن يسلبوها منهم :" لماذا لم يتركوا على الأقل مباريات" العسكر" إلى ما بعد الدورة الاستدراكية؟"يتساءلون بنبرة كلها حقد و سخط . سؤالهم و رغبتهم مشروعة ما دامت تفصح عن اختلال بين المدرسة و سوق الشغل و تشرعن مبدأ عدم تكافؤ الفرص. فلماذا يا ترى هذا الاستدراك وهل من أهداف خفية له؟ إذا كانت الوزارة بهذا الإجراء تحارب الهدر المدرسي ، فإنها في المقابل تهدر مستقبل التلاميذ ما دامت لم تكلف نفسها عناء المطالبة بتأجيل المباريات إلى ما بعد الدورة الاستدراكية ، أما إذا كان الهدف من هذه الخطوة هو الرفع من نسبة النجاح و تقديم صورة حولاء عن تعليمنا العقيم على حساب أبنائنا ، فهذا أمر فيه نقاش و ينم عن استحمار للتلميذ والأسر المغربية التي راهنت على أبنائها. فمما لا شك فيه أن السياسة التربوية المغربية مؤخرا أصبح يطبعها التدبدب و التخبط في العشوائية بدون حسيب ولا رقيب وكأننا في فدان تجارب ، فمن ميثاق وطني للتربية و التكوين إلى مخطط استعجالي بدوره يحتاج إلى مستعجلات... تكوين في بيداغوجيا الكفايات وبيداغوجيا الإدماج موسوم بالعمومية و الغموض بواسطة مكونين يفتقرون إلى الخبرة ويتقنون التنظير،ولكنهم على الأقل يتميزون بفطنة سقراطية لأنهم يعرفون أنهم لا يعرفون شيئا ، فتراهم يخفون جهلهم بالإطناب في الأسلوب اللغوي والمفاهيمي يثير الاشمئزاز وفي نفس الوقت السخرية لأن السامع يخال نفسه أمام تبوريدة أو طقطوقة مفاهيمية تتطاحن فيها النوتات وتجعل السامع ينفر منها . لماذا يا ترى ننساق دائما وراء كل مشروع بيداغوجي غربي رغم اقتناعنا التام بفشله؟ لماذا لا يتم إشراك الكفاءات المحلية في القرارات الإستراتيجية الفوقية ؟ لماذا حكمتم على هذا البلد الكريم باستهلاك موضات لا تتوافق مع واقعنا و ثقافتنا؟ شخصيا بدأت أقتنع اقتناعا تاما بأن لوبيات الوزارة الوصية أذكى بكثير مما يعتقده الإنسان العادي لأن قراراتها محبوكة بشكل ممنهج، تفصح عن فشل ظاهري و لكنها في الواقع تستبطن نجاح باهر للنخبة الفوقية لأنها استطاعت أن تكرس الفوارق الطبقية عبر مؤسسة تبدو للساذج نزيهة ،ولكنها في الواقع مستنقع إيديولوجي بالمفهوم الماركسي. فإذا كانت الطبقة الكادحة تتذمر من المدرسة العمومية ، فإن الطبقات الميسورة تستفيد من هذا الوضع حيث استطاعت أن توفر لأبنائها تعليما يتوافق مع سوق الشغل ، وبذلك خلقت آلية التميز والتفوق اللاديمقراطي بدون منافسة الرعاع ، وقد صدق بورديوو باسرون عندما أقرا أن المدرسة ماهي إلا قناة لإعادة إنتاج نفس الطبقات...إننا نقتل كفاءات وقدرات من شأنها أن تصنع التفوق الكوني من خلال إبداعها و تميزها . إذا كانت البكالوريا الاستدراكية اليتيمة تجسيدا لمبدأ عدم تكافؤ الفرص ،فإنها تتويج و تراكم لسياسة تربوية تطبعها العشوائية و التذبذب ، تلاميذ في البكالوريا أشبه بالأميين، أخطاء إملائية تثير السخط و الغثيان ، قتل فيهم الإبداع وتقزم اشتغالهم على الذاكرة حتى في المواد العلمية التي تفترض إبداعا للعقل المكون ، هل فعلا نحارب الأمية بسياساتنا التربوية ، أم أننا نخلق أمية جديدة بواسطة مدارسنا العقيمة؟ألا يمكن القول أن المدرسة المغربية هي المسؤولة عن هذا الوضع ؟ وإلى متى هذا الوضع خصوصا وأن زحف البلادة بدأ يمتد إلى مؤسساتنا الجامعية؟ لقد آن الأوان أن نتساءل عن مكانة مؤسساتنا التربوية ، ففي الوقت الذي كانت تشكل حصنا منيعا ضد كل الظواهر الشاذة ،و يمتد إشعاعها إلى المحيط، أصبحت الآن مرتعا خصبا لظواهر لم نعهدها في العالم التربوي ، إنه قتل مقصود للوسيلة الوحيدة المشروعة لتسلق الهرم الاجتماعي و الاقتصادي بالنسبة للطبقات الكادحة ، فهل أردتم أن تسلبوها أيضا؟ ألا تتساءلون عن مصير هؤلاء التلاميذ؟إننا نخلق جيلا متذمرا مقتولا حقودا مفطوم الهوية و الانتماء، قد ينحاز لأي اتجاه راديكالي كيفما كان نوعه ، فحذار يا أصحاب القرار،إنكم بهذه البكالوريا تقذفون بجيل في سلة المهملات...